كتبت وزارة الصحة شهادة وفاة شركات الدواء الحكومية, وتركت الحبل على الغارب لرجال الأعمال وشركاتهم الخاصة، حتى احتكروا سوق الدواء وشكلوا قوة باتت أقوى من الحكومة. كان الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، طالب شركات الأدوية منذ فترة، بضرورة استيراد الأصناف الناقصة من السوق، وإلا سوف تتراجع الوزارة عن قرار رفع سعر الدواء، لكن لوبي الشركات الخاصة لم يهتز، بل حدث العكس؛ فهددت بعض الشركات بوقف استيراد العديد من الأصناف الدوائية حال إلغاء الزيادة الدوائية، التي أقرها مجلس الوزراء، مستندة إلى أن الشركات الحكومية ليس لها وجود، ما اضطر الوزارة إلى عدم تطبيق ما لوح به عماد الدين. ولم تتوقف هيمنة رجال الأعمال أصحاب الشركات الخاصة عند ذلك، حيث تعاقد بعضهم مع وزارة الصحة علي استيراد الكثير من الأدوية الحيوية وتوزيعها علي المستشفيات الحكومية، لكن بعض الشركات استورد الأدوية وثبت دخولها مصر، إلا أن المستشفيات والصيدليات فوجئت بعدم بيع هذه الأدوية لها، وتباع في السوق السوداء بضعف أسعارها، مثل أدوية الأورام، والمحاليل الطبية، وأدوية الضغط، وأدوية الجلطات. يقول محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء: «يوجد علامات استفهام كثيرة، أبرزها نقص عقار اندوكسان الذي يدخل بشكل أساسي في علاج الأورام، وغيابه يؤثر سلبا على جرعة الكيماوي، ورغم أن شركات الأدوية الكبرى تستورد العقار كمالتي فارما، التي تستورد العقار لأنه تابع للبرنامج العلاجي لوزارة الصحة، ويباع بسعر 48 جنيها للمرضى في المستشفيات، لكن فوجئنا بأن العقار لا يصل المستشفيات، ويباع بالسوق السوداء ب500 جنيه للعلبة الواحدة». وأضاف فؤاد ل«البديل» أن الأزمة تتمثل منذ بدايتها في كون الشركات الخاصة لا تخضع للرقابة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات، وكان يجب أن تنتبه الدولة لذلك، وتخضع عملية الاستيراد إلى الشركات الحكومية، متابعا: «الدكتور أحمد العزبي، عضو غرفة صناعة الدواء، برر الأزمة بأنه قد يكون السبب في وجود العقار بالسوق السوداء، قيام المرضى أنفسهم ببيعه خارج المستشفيات!». وتساءل الدكتور هيثم راضي، صيدلي: كيف نواجه أزمة حقيقية في نقص الدواء من المستشفيات أو الصيدليات، وفي الوقت ذاته، نجده متوفرا بالسوق السوداء بضعف أسعارها؟ مضيفا: «إذا كان الأمر بيد الشركات الخاصة المستوردة للدواء، فيجب تحاسب وزارة الصحة هذه الشركات؛ حتى نعرف من المتسبب في الأزمة، ومحاسبة المسؤول عنها»، مختتما: «الوزارة مسؤولة تماما عن وفاة الشركات الحكومية – التي شبه أعلنت إفلاسها، وسلمت راية الدواء لرجال الأعمال والمنتفعين».