اتهمنا «القاهرة» بدعم المعارضة بناءً على «وثائق».. واقتنعنا ب «نفى السيسى» إسرائيل لا تمول «السد» وعلاقتنا بها «متطورة».. وسببان وراء «عسكرة» منطقته منذ توقيع مصر وإثيوبيا على وثيقة «إعلان المبادئ» حول سد النهضة فى مارس 2015، تمر العلاقات بين البلدين بموجات «مد وجزر»، تظهر جلية وإن أخفتها تصريحات «تعزيز التعاون الثنائى» و«المصلحة المشتركة». وبعد أسابيع من إثارة قضية اتهام أديس أبابا للقاهرة بدعم جبهتى «الأورومو» و «الأمهرة» المعارضتين، والنفى الرسمى من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، ووزارة الخارجية المصرية لتلك الادعاءات، عاد رئيس الوزراء الإثيوبى، هيلى مريام ديسالين، الأربعاء الماضى، وجدد الحديث عن ذلك الدعم المزعوم. وقال «ديسالين» فى كلمته التى ألقاها أمام البرلمان، بعد يوم من تشكيل الحكومة الجديدة هناك، إن بلاده تواصلت مع القاهرة بشأن «تورط بعض المؤسسات المصرية فى دعم المعارضة الإثيوبية المحظورة»، وذلك دون أن يسمى تلك المؤسسات، مضيفًا إن بلاده طلبت رسميًا من الحكومة المصرية «وقف النشاط المعادى من جانب تلك المؤسسات فى الشأن الداخلى لإثيوبيا». واعتبر ذلك «التدخل» بمثابة دعم للجماعات الإرهابية المناوئة للسلام. «الصباح» ناقشت تلك التطورات وأبعاد الأزمة بين البلدين فى حوار مع الإعلامى الإثيوبى أنور إبراهيم، الكاتب المتخصص فى قضايا إثيوبيا والقرن الإفريقى، ورئيس القسم العربى بالتليفزيون الإثيوبى، فى محاولة للوصول إلى «فهم مشترك» للعلاقات التى أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أنها كانت ولا تزال مبنية على «التعاون لا المواجهة» بين الشعبين الشقيقين.. وإلى نص الحوار.. ** نبدأ بآخر الأحداث التى شهدتها العلاقات الإثيوبية المصرية المتمثلة فى اتهام مصر بدعم جبهة «الأورومو» المعارضة.. رؤيتك لتلك الأزمة؟ إثيوبيا قالت إنها تملك معلومات ووثائق حول تلك الاتهامات.. وهى ليست بالدولة التى تتسرع وتتهم جهة ما، لكن يبدو أن هنالك بعض الأمور التى جعلت إثيوبيا تصعد وتيرة الاتهام. ولكن أعتقد أن السلطات الإثيوبية اقتنعت بالنفى المصرى الرسمى من وزارة الخارجية والرئيس السيسى، والدليل توقف تكرار الاتهامات، وهدوء الأوضاع الآن. ** صراحة.. ما حقيقة وجود «أفكار سلبية» عن مصر لدى الأثيوبيين؟ هنالك العديد منها. والسبب هو ما يدور فى وسائل الإعلام المصرية من اتهامات وتقليل من شأن الشعوب الأخرى التى دومًا ما تتابع تلك الأحاديث وما يدور فيها. الإعلام المصرى ظل يقدم معلومات غير حقيقية عن إثيوبيا وعن شعبها وعن سد النهضة. تغطية الإعلام المصرى للأحداث كانت عبر معلومات تم أخذها من المعارضة التى تحاول استعطاف المصريين ومن أحاديث من يسمون أنفسهم خبراء ويتحدثون عن إثيوبيا. الإعلام المصرى هو من يدخل تلك الآراء السلبية فى عقول الآخرين تجاه مصر. ** ما هى أهم هذه «الأفكار السلبية؟» التى تقول إن الإعلام المصرى سببها؟ هناك أفكار سلبية كثيرة.. والسبب هو أن المصريين لا يحاولون أن يعرفوا عن الآخرين إلا ما يريدونه ويرغبونه وليس الحقائق على أرض الواقع. يجب أن نتعرف على الآخرين من قرب وبالتعامل المباشر معهم وليس من خلال وسطاء. ** قضية «الأورومو» و «الأمهرة».. ما حقيقة ما يدور فيها؟ أقول لكل المصريين: لا تسمع من الآخرين. يمكنك الحضور لإثيوبيا ورؤية ما يحدث على أرض الواقع. كنت أتمنى أن يحدث ذلك قبل البدء فى بناء «سد النهضة»، فمصر لم تهتم بنا سوى بعد بناء السد، وهذا ما ذكره عدد من المثقفين فى مصر بقولهم: «بعدنا عن إفريقيا منذ 30 عامًا».. الآن هناك وقت كافٍ لتقديم كل المعلومات عن إثيوبيا للمصريين. ** لكن هناك اتهامات للسلطات الإثيوبية بتهجيرهم ومصادرة أراضيهم؟ أقاليم أخرى، وهناك أكثر من 3 مناطق صناعية فى «أروميا». هناك استغلال خاطئ للأمور وتسييسها، خاصة فيما يختص بالأرض.. أى قطعة أرض يتم مصادرتها تستخدم لإقامة مشاريع صناعية تقدم فرص عمل لأكثر من ألفى شخص. ما يحدث هو الاستفادة من قطعة أرض كانت تستخدم من قبل شخص أو أسرة واحدة، و لا تنتج سوى القليل، فى إقامة مشروعات تنموية عملاقة.. ويتم ذلك بعد تعويض أصحابها بأراضٍ وأموال أخرى. إذًا لا يتم أخذ الأرض بدون مقابل.. كل ما فى الأمر أن المعارضة الإثيوبية تحاول «تسييس» القضية لتحقيق أهدافها. ** ما حقيقة وجود توغل إسرائيلى فى إثيوبيا؟ لا أنكر وجود علاقات «متطورة» بين إسرائيل وإثيوبيا.. فالإسرائيليون لهم أصول فى إثيوبيا، والعكس صحيح، و«يهود الفلاشا» على سبيل المثال من أصول إثيوبية ولا ينسون ذلك حتى الآن. لكن تظل علاقاتنا ليست على حساب أى دولة أخرى.. إسرائيل مثلها مثل بقية البلدان العربية تستثمر فى إثيوبيا من أجل توفير الغذاء والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتوفرة هناك.. كما أن هناك دولًا عربية لها علاقات مع إسرائيل أيضًا. ** ردك على ما يشاع حول تمويل إسرائيل لبناء سد النهضة؟ هذا غير صحيح.. إسرائيل بعيدة تمامًا عن سد النهضة.. وتمويل السد من مال الشعب الإثيوبى، وهو ما اتضح فى الشعار الذى طالما ردده رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل «ملس زيناوى»: «نحن ممولو وبنائو ومهندسو السد».. إثيوبيا فشلت فى توفير التمويل من المجتمع الدولى فقررت أن يكون تمويله من مال الشعب. ** كيف ترى إثيوبيا شعبًا وحكومة الرئيس السيسى؟ ظهر جليًا خلال كلمته أمام البرلمان الإثيوبى اختياره طريق التعاون والتنسيق بين البلدين.. كذلك فإن الإثيوبيين شعبًا ومسئولين لهم نوايا حسنة تجاه أخوتهم المصريين.. أحيانًا السياسة قد تخرج هذه العلاقة عن المسار، وربما قد تتأثر لوقت معين، لكن تظل المحبة هى القائمة من أجل مصلحة الشعبين اللذين يرضعان من ثدى واحد هو نهر النيل. ** هل يدرك الإثيوبيون خطورة سد النهضة على مصر؟ إثيوبيا تعهدت ونفت إمكانية إلحاق السد بأى أضرار لمصر. لا أعتقد أنها ستقيم مشروع يدمر مصالح الآخرين. قدمنا حسن النوايا منذ بدء التفاوض، ومواصلته لفترة 5 أعوام، وهدفنا أن يخدم السد كل شعوب المنطقة. ** لماذا ترفض إثيوبيا المقترح المصرى باختيار مكتبين استشاريين لإجراء الدراسات؟ لست متخصصًا فى مجال المياه، لكن مصر قدمت عددًا من المقترحات، وكلما كان هناك تنازل من الجميع عن بعض الأمور فى المفاوضات، كلما خرج مشروع السد دون أن يضر بأحد. المشروع أوشك على الانتهاء، وحتى الآن الأمطار وكمية المياه فى الهضبة تتزايد، دون أى نقصان أو تأثير. ** ما أسباب إعلانكم منطقة السد «منطقة عسكرية»؟ نعانى من عدوان خارجى من بعض دول الجوار، إلى جانب تحركات المعارضة، لذلك «أديس أبابا» لها الحق أن تعلن المنطقة كمنطقة عسكرية، خاصة كونه مشروع قومى وطموح للشعب الإثيوبى. ** هناك اعتقاد بأنكم ستستمرون فى بناء السد بغض النظر عن نتائج المكتب الاستشارى.. ما رأيك؟ الآن السد أوشك على الانتهاء، وما هى إلا شهور قليلة وسيرى النور، ووقتها سيعلم العالم أن إثيوبيا كانت لها نوايا حسنة. ** ما حقيقة بناء سدود إثيوبية أخرى بخلاف سد النهضة؟ هناك العديد من السدود المقرر بناؤها على نهر «أومو» على الحدود الكينية، ونهر «تكزى»، بجانب سدود أخرى ستقام فى الشرق على مناطق الحدود الصومالية.. لكن لا علاقة لها بنهر النيل نهائيًا، والأنهار التى ستقام عليها غير متصلة بالنيل، ولا تؤثر على مياهه مطلقًا. ** هل فعلاً ما يدور حاليًا بين البلدين ليس مفاوضات وإنما اختيار مكاتب استشارية فقط؟ معقول كل هذا الوقت ولم تبدأ المفاوضات؟.. المفاوضات بدأت وأظهرت عددًا من النتائج، منذ أيام الرئيس الراحل «زيناوى»، ووصول وفد الدبلوماسية الشعبى المصرى، وحتى يومنا هذا. ** تقييمك للعلاقات المصرية الإفريقية بصفة عامة، ومع إثيوبيا بشكل خاص؟ العلاقة مع إفريقيا تحتاج لوقفة ومراجعة من «القاهرة».. عليها التحرك من حالة الجمود وعدم الاهتمام بالقارة منذ جهود «عبد الناصر» التى لم ينساها له الأفارقة حتى الآن.. عليها أن تعرف أن إفريقيا هى المستقبل، وحتى الغرب الآن بدأ يراجع علاقاته بالقارة وانتهت نظرته الاستعمارية وبدأ زمن التحالف. مصر بدون إفريقيا ستفقد مكانة كبيرة فى العالم، وإفريقيا دومًا كانت ترى مصر كالقدوة.