على غير الحقيقة تظهر دائمًا القارة السوداء لمن لا يعرفها مسرحًا للصراعات ومشاهد المجاعات والأمراض، حيث أصبحت هذه المشاهد ترتبط شرطيًا بكل الشعوب الإفريقية التى تعانى، وعلى الرغم من أن هذه المشاهد تعكس بعض الحقيقة إلا أنها لا تمثل الصورة المكتملة عن القارة، ولذلك أتساءل هل القارة بالفعل على نحو ما نراها فى الإعلام؟ وإذا كانت كذلك، لماذا هذا التنافس الدولى الذى يصل إلى حد السباق للوصول إلى كل شبر فى أركانها؟! ففرنسا تحاول الوصول والعودة إلى مستعمراتها التقليدية القديمة وخصوصا فى الغرب الإفريقى، وكذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية تبحث فى كل مكان فى القارة السمراء عن علاقات يمكن وصفها بالاستراتيجية، وتصل إلى درجة التحالف مع معظم دول القارة عقب تبنى الرأسمالية كأساس للتنمية فى القارة، وكذلك اليابان والصين وإيران وبريطانيا وكوبا والبرتغال وإسبانيا والبرازيل والدول العربية أيضا، فهل كل هذه الدول تتنافس على العدم؟! الإجابة تتمثل فى عبارة واضحة كالشمس، وهى أن القارة منجم العالم وسلة غذائه، فتمتلك الموارد، وكذلك الشباب الإفريقى الذى مازال يحلم بتغير الحال والنهضة الموعودة، واستمر لسنوات طويلة استغلال الإنسان الإفريقى واستهدافه فى بدنه وعقله، وأستعير هنا كلمات المهاتما غاندى الإنسان الذى عرفه العالم بزهده وحكمته، فقد قال فى مجلس العموم البريطانى «أنا فى مجلسكم أشعر بالعار لأنه شاهد عليكم، فهذا البناء تم على عظام وحطام الأفارقه، وإذا نظرتم بداخله رأيتم جواهر الهند المنهوبة»، كلمات ثاقبة تعكس مدى الظلم الذى عانى منه الإنسان الإفريقى طوال تاريخه، حيث رأى بعض المؤرخين مثل هيجل الذى كان يرى أن القارة الإفريقية بلا تاريخ، وإن كان من تأريخ فإن ذلك يكون للإنسان الأبيض الذى أتى إليها لنشر المدنية والحضارة، كل ذلك فى تصورى تأصيل لابد منه ورد منا على مزاعم كاذبة اكتسبت الصدق من التكرار المستمر لها. وإلى هيجل أتحدث: «إذا كانت القارة الإفريقية بلا تاريخ، فيكفى أن نقول له إن المرجعية الحضارية للثقافة الإفريقية هى الحضارة المصرية القديمة، وهو أمر تم تناوله بأدلة علمية ومعملية لفرعون المعرفة الإفريقى الشيخ أنتاجوب السنغالى الشهير، وبالتالى فإن الحضارة المصرية الإفريقية أضاءت سماء إفريقيا بالمعرفة والثقافة قبل أن ترى أوروبا هذا النور أو تعرفه، كما أن الكيانات الإفريقية كانت واقعة وشاهدة على وجود تنظيم سياسى تقليدى ألا وهو القبيلة، والذى مزق هذه الكيانات ومنع تطورها الطبيعى بالأساس هو حضور الإنسان الأبيض مستكشفًا بالبداية ومستعمرًا بعد ذلك تحت رايات كاذبة لنشر المدنية، وما يرتبط بها لذلك لم يكن غريبًا أن يصدق الإفريقى هذه الدعاوى وقبل بها ورحب بالإنسان الأبيض الذى ذاق منه الويلات بعد ذلك، واستمر الاستنزاف فى الحقبة الاستعمارية. وتعمد الاستعمار تغليب إثنية على أخرى لضمان استمرار الصراعات وفق مبدأ استعمارى واضح وهو «فرق تسد» ورسم حدود بين الدول الإفريقية، تحقق التداخل الإثنى الذى يؤدى إلى استمرار الصراعات، أليس كل ذلك دليلًا على الاستنزاف؟!، كل هذا وأكثر يحمل دليلًا على أن القارة ليست كما نراها فى الإعلام، فموارد القارة كثيرة ومتجددة تذهب كلها للغرب لتعود مصنعة والضحية الشعوب التى عانت من صراعات على واقع إثنى متعدد، تلك التعددية التى تؤدى إلى التقدم، ولو تم إرساء قيم العدل ليتحقق بعدها الاندماج الوطنى الحلم الذى لم يتحقق حتى الآن لمعظم دول القارة.