المقر الجديد للبطريركية بالتجمع الخامس.. يجهز بأموال الكنائس والأديرة البطريركية تستحوذ على منتجات الأديرة وتبرعات الكنائس أزمة جديدة تلوح فى أفق الكنيسة الأرثوذوكسية، عدة كنائس تتهم البطريركية بالاستيلاء على أموالهم وفرض إتاوات عليهم، مستغلة عدم وجود رقيب مالى على تحركات الكنيسة. بدأت شرارة الأزمة بأنباء داخل الوسط القبطى عن قيام البابا تواضروس ببيع كثير من الأوقاف التابعة للكنيسة وإنشاء المشروعات، أهمها تجديد الكاتدرائية وعمل مقر باباوى فاخر بالتجمع الخامس، على غرار الفاتيكان، مما أثار حفيظة عدد من القساوسة والرهبان ممن تفرض عليهم الكنيسة دفع أموال من التبرعات التى تأتى إليهم، دون سند قانونى، حيث لا تجرؤ كنيسة أو دير على رفض دفع هذه الأموال، بل إن البطريركية ضمت إلى إشرافها صناديق بعض الكنائس التى تدر دخلًا كبيرًا، وهذا يعنى أنها أصبحت تحت التصرف المباشر للبابا تواضروس نفسه. ولكل إيبراشية صندوق خاص تابع لأسقفها، يصرف منه على كل الخدمات التى تحتاجها الإيبراشية، ويمتلك الأسقف كل الأوقاف والعقارات التابعة للإيبراشية، فتكون مسجلة باسمه ولا رقابة عليه إلا من مجلس صورى مهمته التصديق على النفقات، حيث يتم اقتطاع جزء من الصندوق التابع للإيبراشية وتقديمه للبطريركية فى العباسية، وكلما أراد الأسقف التقرب من البابا زاد من حجم الاجتزاء لإنعاش خزينة الكنيسة. ويأتى على رأس تلك الكنائس التى تفرض عليها «الإتاوات» السنوية وتستحوذ البطريركية على أموالها؛ كنيسة مار مرقس بكليوباترا (مصر الجديدة)، وكنيسة مارجرجس سبورتنج وكنيسة العذراء المعادى وأرض الجولف ومارمرقس والعذراء الزيتون. كما أن دخل جميع الأديرة من منتجات زراعية وصناعية وموالد يتم تحويله إلى البطريركية بالعباسية، ليعاد توزيعه من جديد بمعرفة المجلس الملّى العام، الذى انتهت سلطته فعليا ولم يتم انتخاب مجلس جديد. ومن الأديرة التى تستحوذ البطريركية على إيرادها دير مارجرجس بأرمنت حيث يتم تحويل كل دخله فى موسم المولد الذى يأتى فى شهر نوفمبر من كل عام إلى الكاتدرائية، عن طريق لجنة يرسلها البابا إلى هناك تقوم بجمع كافة الأموال التى تقدر بالملايين خلال المولد، مما يسبب تذمرًا وسط القائمين على الدير لأنه لا يستفيد من أمواله ولا يتم تجديده، رغم الدخل الوفير الذى يجنيه، حيث يبدو من الخارج متهالكًا يوشك على السقوط، بينما يتم وضع هذه الأموال فى حسابات بنكية يشرف عليها البابا فقط ولا يحق لغيره التصرف فيها.
ويعلق الناشط القبطى صفوت سمعان «لا توجد أى شفافية أو بيانات بأوجه التحصيل والصرف من الأموال التى تأتى للكنيسة، سواء من التبرعات النقدية أو العينية، أو التى تأتى من مواسم احتفالات القديسين التى تسمى بالموالد، فبعض الإيبراشيات تتصرف فيها وكأنها أموال خاصة بهم، فمن الأساقفة من يرى أن الصرف على البناء والتجديد أهم من سد احتياجات الفقراء، وتحصل الكنيسة على الأموال من الايبراشيات والأديرة دون تقديم مساعدات تذكر للفقراء، الأمر الذى أدى إلى عزوف الناس عن تقديم التبرعات للكنائس التى تقدمها بدورها للبطريركية، ووجهوا تبرعاتهم للجمعيات الخيرية مصدر الثقة والتى تهتم بتسديد مصروفات طلاب المدارس والجامعات». ويضيف سمعان «الجمعيات الخيرية تخضع للمحاسبة إيرادًا وصرفًا من أعضاء مجلس الإدارة ومن الشئون الاجتماعية، بينما الأديرة والكنائس الصغيرة بالسلب تدفع ثمن أخطاء الكنيسة فى الاستيلاء على الأموال وعدم توجيهها إلى مسارها الصحيح». ويستدل سمعان «باحتفال دير مارجرجس الرزيقات، الذى تحصل منه الكنيسة على عشرات الملايين ولا يتحصل أى دير فى نفس المنطقة على شىء من الإيراد وهم يسدون احتياجاتهم بصعوبة، بالرغم من أن كبار رجال الدين يحظون بنصيب الأسد من تلك التبرعات ومن النذور للعلاج فى الخارج فى أكثر المستشفيات كلفة، وأيضًا كل سفريات الرحلات الخارجية التى يفوز بها أكبر عدد من الأساقفة والرهبان والكهنة، بينما كثيرون من الفقراء يستجدون ثمن الدواء، وكل الذى نطالب به، المحاسبة المالية الشفافة وجهاز مالى من علمانى الكنيسة». وجدير بالذكر أنه فى عهد البابا شنودة كان هناك لجنة تسمى لجنة البر يترأسها بنفسه ويتم عبرها تقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين، ولكن هذه اللجنة تم إلغاؤها فى عهد البابا تواضروس ووجهت الانتقادات الكثيرة للكنيسة بسبب هذا الإجراء، ففاجأت الكنيسة الجميع بأنها قامت بوضع (لائحة لخدمة المحتاجين من إخوة الرب من رعايا الكنيسة)، لامتصاص غضب الناس، وقرر المجمع المقدس تخصيص 30 فى المائة من إيرادات الكنائس للمحتاجين و30 فى المائة للمبانى و30 فى المائة للإدارة والمرتبات و10 فى المائة للطوارئ، لكن للأسف لم يتم تفعيل هذا القرار حتى الآن. وما يزيد الأزمة ما يردده بعض الإكليروس وعلى رأسهم البابا تواضروس، فى وجه الفقراء الذين يحتشدون فى طلب المعونة، «الكنيسة مؤسسة روحية وليست اجتماعية»، بينما تتكلف رحلات كبار رجال الكنيسة سواء العلاجية أو الدعوية، 25 مليون جنيه سنويًا، وفق تقدير الناشط القبطى إيهاب شنودة. ولم يقف الأمر عند حدود الكنائس الكبرى واستيلاء البطريركية على أموالها، فالكنائس التى تقع فى أماكن فقيرة وقرى ريفية تفرض عليها لجنة الكنيسة اشتراكات شهرية فى صورة اشتراكات لأقباط الكنيسة تصل فى أدنى مستوياتها إلى 20 ألف جنية شهريًا. ويقول شريف أشرف ناشط قبطى «لا ينبغى أن يوكل أمر إدارة الأموال أو مراقبة الحسابات للأساقفة، حسب القانون الكنسى، لأن مهمة الكاهن أولًا وأخيرًا هى مهمة روحية ولا دخل لها بالأمور المادية، وبالتالى ينبغى أن يكون الإشراف والرقابة على حسابات الإيبراشيات من قبل لجنة مستقلة تضم مسيحيين علمانيين مشهودًا لهم بالنزاهة والكفاءة». أما القس سيلا عبد النور، كاهن كنيسة هرم ستى فيقول «أموال الكنيسة مصدرها واحد، هو تبرعات الشعب القبطى»، ويؤكد عبدالنور أنه يرفض رقابة الدولة على أموال الكنيسة ويؤيد الرقابة الذاتية للكنيسة على أموالها، ويتمنى أن تنشئ الكنيسة جهازًا للمحاسبات داخلها، ويضيف «الكنيسة دورها الأساسى العمل الروحى، أما العمل الاجتماعى فهو عمل فردى».