الدماء المصرية التى سالت على الجزيرتين كانت دفاعًا عن قضية قومية عربية السعودية قدمت للجنة العديد من الوثائق والأدلة التى تثبت حقها فى الجزيرتين أكد د. جمال شقرا رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، أن ما يحدث من تشكيك وتخوين حول قضية جزيرتى «تيران وصنافير» أمر يثير الحزن، خاصة أن أعضاء اللجنة المسئولة عن تحديد وضع الجزرتين، هم كوادر مصرية وطنية حتى النخاع. وقال «شقرا» فى حواره ل«الصباح» أنه لا يمكن المزايدة على أعضاء اللجنة، وما توصلوا إليه بناء على وثائق ووقائع وتقارير، مشيرًا إلى أن الدماء المصرية التى سالت على أرض الجزيرتين كانت دفاعًا عن قضية عربية قومية.. وإلى الحوار: بداية.. كيف ترى الجدل المحتدم بشأن تبعية الجزيرتين؟ حزين جدًا على اللغط الموجود فى الشارع المصرى، والانقسام بين مؤيد ومعارض حول تبعيتها، والذى وصل إلى درجة الاحتدام والتخوين والتشكيك، وهنا لابد أن أوضح أن اللجنة المسئولة عن تقديم الدراسات وتعيين الحدود، هى لجنة أكثر وطنية من الذين يتشدقون بالوطنية، وضمت كل أطياف كوادر جيولوجية وقانونية وخبراء فى النقل وترسيم الحدود وغيرهم، والاتهام بالتخوين غير وارد، وكذلك فإن التقليل من شأن اللجنة العلمى غير مقبول، خاصة أنها لم تترك ورقة واحدة، وجمعت كل الوثائق والخرائط والمخطوطات كى تقدم الحقيقة مجردة، وحتى إن كانت الحقيقة صادمة للمجتمع، خاصة أن اتفاقيات ترسيم الحدود لا تستطيع أى دولة التهرب منها. هل هناك أدلة تثبت ملكية السعودية للجزيرتين؟ الكاتب محمد حسنين هيكل ذكر فى ملفات السويس أنه بعد رحيل العدوان الثلاثى بقيت مشكلة المرور البرى ( بدون أسلحة ) فى المضيق، ترك للسعودية مسألة الجزر والمرور البرى مستغلة علاقتها مع أمريكا، ومن وثائق «هيكل» نكتشف أن الرئيس جمال عبد الناصر لم يكون مسئولًا عن مسألة المرور البرى بعد عام 1956، وأن الأرض مملوكة للسعودية. إذًا كنا نحارب على أرض لا نملكها؟ القضية لا تؤخذ بهذا الشكل، ولكن هناك ما يسمى بالظروف الموضوعية التى كانت متعلقة بقراءة الوثيقة ووقوع الحدث، وانتقال الجزيرة لنا كان مرتبطًا بوجود عدو وتهديد هذا العدو لنا، وبالرجوع للتاريخ نجد أن عرب الجزيرة أثناء الصدام مع البيزنطيين كانوا يستخدمون الجزيرة للانقضاض على البيزنطيين وكانت تبع مملكة الحجاز قبل ظهور الدولة السعودية، ومحمد على لم يستول على الجزيرتين فقط إنما أخذ المنطقة كلها وأسقط الدولة السعودية كلها، وكذلك ضم السودان والحجاز وبلاد الشام إلى أن وصل لحدود تركيا، إذا هل يمكن أن يؤسس أحد على هذا الجانب التاريخى؟ بالطبع مستحيل، وإلا كانت الدول التى استعمرت مصر طوال التاريخ تنازعت على أرضها، أما الدماء المصرية التى سالت على الأرض فكانت من أجل قضية قومية عربية. لكن ما الذى دفع السعودية للمطالبة بالجزيرتين فى الوقت الراهن؟ حدث ظرف طارئ فى المنطقة، وهو زرع إسرائيل، التى لم توقع على معاهدة «رودس» إلا بعد سيطرتها على «أم الرشراش»، ويجب ذكر أن وزارة الحربية والبحرية المصرية سألت وزارة الخارجية 1928 هل موجود فى أرشيف الوزارة أية إشارة للجزيرتين كى نضع العلم عليهما، وجاء الرد ليؤكد أنه لا توجد أى معلومات أو علاقة لنا بالجزيرتين، واستمر الوضع هكذا حتى شاهد عضو بالكنيست الإسرائيلى الجزيرتين، وأخبر حكومته أنه لا يوجد عليهما علم لأى دولة، ومن هنا بدأت مناقشة إمكانية سيطرة إسرائيل على الجزيرتين كى تؤمن المرور فى خليج العقبة، وفى 12 يناير 1951 نشرت جريدة الأهرام برقية من القدس لوكالة الأنباء الفرنسية تفيد بأن هناك تفكيرًا إسرائيليًا للسيطرة على الجزيرتين، وهنا سيطرت مصر عليهما لمنع إسرائيل من الاستيلاء عليهما. هل كان هذا التحرك المصرى بناءً على طلب السعودية؟ لا.. وعلى عكس ما تردد خلال الأسبوع الماضى، فمصر أبلغت السعودية بالسيطرة على الجزيرتين، وأكدت أن هذا لا يمثل المساس بالسيادة على الجزيرتين، وجاء رد من عاهل السعودية يبدى فيه استحسانه للتحرك المصرى، ومن هنا أصبحت الجزيرتين فى عهدة مصر لتدافع عنهما. وماذا عن المستندات التى قدمها الجانب السعودى؟ الجانب السعودى قدم كثيرًا من الوثائق والأدلة التى تثبت حقه فى الجزيرة، واللجنة كان أمامها كل هذه الوثائق، ومنها وثائق الخارجية المصرية التى تؤكد أننا احتلينا الجزيرة وهذا لا يؤثر على السيادة، وبعيدًا عن تلك المستندات طلب سعود الفيصل من وزير خارجية مصر عصمت عبد المجيد إعادة الجزيرتين إلى السعودية، ورد عصمت عبد المجيد بالإيجاب مؤكدًا أن مصر لن تعارض فى إعادة الجزيرتين، وعندما عاد الى مصر رفع الأمر إلى رئيس الوزراء وسلمه رسالة «الفيصل»، وطلب منه أن يفوضه فى الرد على السعودية، وبالفعل فوضه وكانت الوثيقة الشهيرة التى صدرت عام 1990، لتؤكد أن مصر لن تمانع من رد الجزيرتين السعوديتين. وما سبب تأخير تسليمهما إلى الآن؟ هنا لابد من قراءة الوثيقة فى زمانها والحدث فى ظروفه الموضوعية، فضلًا عن الأحداث التى شهدتها المنطقة، ومنها غزو العراق على الكويت وما أعقب ذلك من الغزو الأمريكى للعراق وسقوط صدام، فكان من المستحيل أن تطالب السعودية بالجزيرتين والمنطقة كلها على شفا بركان، ناهيك عن تشكيل لجنة لدراسة الملف، واستمرار اللقاءات الثنائية بين الفريقين المصرى والسعودى طوال السنوات الماضية. ولماذا استهلكت القضية كل هذا الوقت؟ جولات المفاوضات وصل عددها إلى 11 جولة، ناقشت قضايا المنطقة والتقسيم، فضلًا عن «التعيين البحرى»، حيث تمسكت مصر بأن يصل إلى آخر نقطة حدود فى الجنوب من أجل مشكلة حلايب وشلاتين، والمفاوضات تمت بعدما وضعت مصر نقاط الارتكاز الخاصة بترسيم الحدود، وأرسلتها للأمم المتحدة عام 1990، ووضع الجانب السعودى أيضًا نقط الارتكاز الخاصة بهم فى الأممالمتحدة، لذلك تعدت القضية مرحلة الوثائق التاريخية، وتحولت إلى عملية تعيين حد بحرى، وهذا الحد لا ينظر فيه إلى الحقوق التاريخية بل قانون أعالى البحار. إذا نستطيع التأكيد على قناعتك بأن الجزيرتين سعوديتان؟ حتى لو بعدنا عن معركة الوثائق والأحقية التاريخية، فالجزيرتان سعوديتان من واقع التعيين البحرى، لأن هذا تعيين حدود متفق عليه، وهذا ما استقر عليه الأمر بالنسبة للقانون الدولى البحرى.