تصبح العلاقة عبئًا نفسيًا إذا تحول التواصل الجنسى إلى روتين أو فعل تسقط المتعة الجنسية على عتبة الملل والفتور والخجل من المواجهة عدم وعى الطفل بجسده يجعله ضحية لعديمى الضمير والشواذ الجنس.. كان وما زال أحد طلاسم الطبيعة الإنسانية، يرسم لنفسه ملامح بدائية محفورة من عمق الشهوة، ورهافة الحس، وحرارة الدفء الإنسانى. يتخذ من الجسد جسرًا للتواصل الحسى مع الشريك الآخر، ووسيلة فعالة للتعبير عن العواطف والمشاعر التى تسكن النفس. لذا تُعتبر العلاقة الجنسية بين طرفين مؤشرًا إيجابيًا على قوة ونجاح العلاقة. يسكن معظمنا تجاه الجنس، مشاعر متناقضة ومحيرة ما بين الخجل، والكلام همسًا، ونظرات الريبة والتحفز، وبين الإدانة والنقد اللاذع لمن يخوضون حديثًا جنسيًا من أى نوع، ومع ذلك، العيون تبحث سرًا عن كل ما يتعلق به: أفلام، قصص، صور، مقاطع فيديو، بلوتوث، مواقع إباحية، أصدقاء وزملاء، نساء ورجال يتبادلون النكات الفاحشة والحوارات السرية. وعلى النقيض من ذلك، عندما نواجه مشكلة ما، فإن معظم الناس لا يعترفون بمشكلاتهم الجنسية ولا يسعون إلى حلها سواء مع أنفسهم أو مع الشريك، بل يحتفظون بها داخل غرفة سرية، لا يطلع عليها أحد، ظنًا منهم أن إخفاءها أو تجاهلها أو القفز عليها هو الحل الصحيح، بينما الحقيقة أنها تظل حية ونابضة بالألم تنتهز أى فرصة للتعبير عن نفسها فى جوانب أخرى من علاقتنا بأنفسنا أو بشركائنا! نتربى جميعًا على أن «الجنس عيب وقلة أدب»، خصوصًا البنت التى تعتبر «مؤدبة» كلما كانت جاهلة وتفتقد إلى الثقافة الجنسية. وحتى تتزوج لابد أن تُظهر للرجل أنها «خام» ليست لها أى تجارب عاطفية أو جنسية سابقة، بغض النظر عن كون هذا صحيحًا أم لا! نحن لا نحاول أن نفكر بالجنس باعتباره أرقى الغرائز الإنسانية فى ارتباطه النوعى بالمشاعر والعواطف، فالإنسان هو الكائن الحى الوحيد الذى لا يمتلك موسمًا للتزاوج أو التكاثر. ورغم ذلك يتصور البعض أننا إذا استبعدنا الجنس من حياتنا وتفكيرنا وفرضنا عليه رقابة قصوى، نكون بذلك قد تحررنا منه وتحول إلى آلة لإنتاج الأطفال فقط. وللأسف تتطور مثل هذه الاعتقادات لتصل إلى حد القناعة والمبدأ العام الذى يستوجب الدفاع عنه وتعميمه على المجتمع، ولا نحاول مراجعة هذه الأفكار، ويكتفى كل منا بالحلول السرية التى يرتضيها لنفسه دون الإعلان عنها أو مواجهة الآخرين بها، والنتيجة أننا نعيش حالة انفصام جنسى، إن جاز التعبير. لأننا نجهل المعنى العميق للجنس، بالتالى نجهل أهمية الثقافة الجنسية، فبعض الناس يتخيل أن التثقيف الجنسى يتم عن طريق أفلام البورنو، أو عبر الخوض فى أحاديث جنسية هابطة دون هدف، فى حين أن الثقافة الجنسية هى الإطار القيمى والأخلاقى المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسئول عن موقفنا (كبار وصغار) منه وتحديد شكل علاقتنا به. لا شك أن ممارسة الجنس لدى الإنسان تتأثر بعوامل نفسية واجتماعية، عكس الجنس عند الحيوان الذى تحدده عوامل بيولوجية، كإفرازات الغدد الصماء التى تؤثر على الجهاز العصبى فتحدد سلوك الحيوان الجنسى، لذلك فإن استئصال تلك الغدد يؤثر سلبًا على الغريزة الجنسية لدى الحيوان، بينما لا تزيل الرغبة الجنسية لدى الإنسان الذى يثار جنسيًا وإن كان عقيمًا، لأن الإثارة لديه لها منطلق نفسى منفصل عن التأثير الهرمونى، كما يلعب الآخر (الشريك) دورًا عميقًا فى العلاقة الجنسية الإنسانية. إن الجنس وسيلة للتواصل والتناغم مع الآخر، والاتحاد بالشريك، فالنزعة الجنسية تدفع الرجل والمرأة أحدهما نحو الآخر بهدف أن ينصهرا من خلال تداخل الأجساد، فى لقاء حميمى، وبلوغ نشوة أكبر من مجرد إزالة توتر عضوى، تحقيقًا للأسطورة الأفلاطونية «إن الذكر والأنثى كانا كائنًا واحدًا يجمع أعضاء الذكر وأعضاء الأنثى، لكنهما انشطرا نصفين، ومنذ ذلك الحين أصبح كل من الشطرين يحن للقاء الآخر ليعيد الكيان الواحد الأصيل». وفى سعى الإنسان لهذا الاتحاد يحدث أحيانًا ما نسميه «إخفاقات الجنس» التى تنتج من اضطراب العلاقة بين الفرد وشريكه. وقتها يصبح الشريكان كعازفين فى فرقة واحدة لكن كل منهما يعزف لحنه الخاص بعيدًا عن الانسجام الذى لا يتحقق إلا بعزفهما معًا. يبدو المشهد ارتجاليًا وعشوائيًا ينزوى كل منهما فى ركن قصى من الحياة يبحث عن متعته الفردية، يتقابلان فقط على سفرة الطعام، أو فى سرير بارد يؤديان فيه طقسًا روتينيًا لدفع الاحتياج المؤلم، أو فى زاوية المنزل يتبادلان كلامًا جافًا. فى هذه الحالة التى يتحول فيها الرجل والمرأة إلى آلة تفريخ أطفال، تسقط المتعة الجنسية على عتبة الملل، والفتور، والخجل من المواجهة، وبالتالى تظهر سلوكيات جنسية أخرى مضطربة لتسد فجوة الاحتياج وخفض التوتر العضوى المصاحب له. لذلك أؤكد دائمًا أن التواصل الجنسى هو توحد مع الآخر، مسرب إنسانى راق للتنفيس عن طاقتنا السلبية، نشعر بمتعته حين يرتبط بالمشاعر فيمنحنا إحساسًا عميقًا بالأمان والسكينة، أما حين يتحول إلى روتين أو فعل بارد، فإن العلاقة كلها تصبح عبئًا نفسيًا على الطرفين بدلًا من كونها مصدرًا للراحة والمتعة. ولا يقتصر هذا المعنى العميق والمتحضر للجنس على الأشخاص الناضجين فقط، بل الأطفال باختلاف مراحلهم العمرية أيضًا. عدم وعى الطفل بجسده ووظائفه المختلفة وعلاقته الصحية معه، يحول الجنس إلى سُعار يلتهم أطفالنا بلا تمييز، بئر يسقط فيه الكثيرون بعدما يتربص بهم عديمى الضمير والشواذ، فئة من المهووسين جنسيًا ينتهكون أجسادًا بريئة فى غياب وعى الأسرة أو الشعور الزائد بالأمان أو عدم الانتباه لواقع مشوه وقلوب خربة وعقول عشش فيها الانحراف. إن الحياة الجنسية عند الطفل تشكل تكوينه النفسى والاجتماعى وتحدد كيفية التعامل مع ذاته ومع الآخر مستقبلًًا، لذا فالتعامل معها يحتاج إلى حذر وحرص كبيرين، فأى تشويه فى هذا الجانب سيقود الطفل إلى مصير مجهول. ففى غياب الوعى الجنسى، يوم نسمع ونقرأ عن حوادث بشعة يفقد فيها الطفل عذريته الجسدية والنفسية وربما يدفع حياته ثمنًا للحظة رغبة عمياء. لذلك فإن الوعى بالجنس بمفهومه العلمى والإنسانى الراقى، هو صمام الأمان وحائط الصدّ لكثير من الاضطرابات، وطريق ممهد للمتعة فى جانب هام من حياتنا.