*تستخدم فيها أسمدة تسبب الفشل الكلوى وفيروس )سى( والسرطان يعانى جمال محمود، 50 سنة، من قرية أبومحارب بمحافظة الإسماعيلية، من إصابته بفشل كلوى وصعوبة فى التبول وانتفاخ فى القدمين، وآلام حادة بالرأس، ويلازم منزله منذ سنوات لعدم قدرته على العمل، بسبب حبه للفراولة. الفاكهة التى يتناولها جمال، عادة لا تصيب آكلها بالمرض، ولكن الموجودة فى قريته من نوع خاص جدًا قاتل، إذ يتم استخدام سماد البودرت فى زراعتها، وهو مادة محظور استخدامها فى النباتات التى تؤكل وفقًا لحسين الجمال، الأمين العام لمركز البحوث الزراعية. جمال ليس الشخص الوحيد الذى أمرضته الفراولة، إذ أصيب كثيرون غيره بأمراض مختلفة، منهم محمد يوسف، 62 سنة، من قرية صبرى بالمحافظة، الذى أصيب بفيروس الكبد الوبائى «سى» منذ 3 سنوات، واكتشف من خلال التحاليل الطبية أن الفاكهة المسمدة بالبودرت سبب مرضه. والبودرت، مكون من فضلات وبقايا بشرية، يتم استخدامه كسماد لتكبير وتضخيم الثمرة وزيادة المحصول وذلك فى مزارع القصاصين وأبوصوير والتل الكبير، ويتم بيع الإنتاج فى أسواق العبور والسويس وبورسعيد. وقال مزارعون ل«الصباح» إنهم يستخدمون «البودرت» لزيادة إنتاجية الفراولة، رغم أنهم يعرفون خطورته وأنه ممنوع، لكنهم لا يأكلون من النباتات التى يستخدمون السماد فى زراعتها. البودرت عبارة عن فضلات بشرية ومخرجات محطات الصرف الصحى، مصنعة على هيئة سماد عضوى، لزيادة الإنتاجية، وخصوبة الأرض، وتوجد مصانع متخصصة فى إنتاجه، أحدها بجوار مصرف بحر البقر، وذلك لسحب المخلفات الصناعية والصرف الصحى غير المعالج. وهناك مصنعان آخران، أحدهما بمحافظة بورسعيد، والثانى على حدود القاهرة، ولا يتعامل المزارعون مع المصانع مباشرة، ولكن من خلال السائقين حيث يطلبون احتياجاتهم منهم مباشرة. وكشف حمدان ماهر، أحد أصحاب مزارع الفراولة أن مستوردى الفاكهة أعادوا طلبيات التصدير للفلاحين بعد اكتشافهم عدم صلاحيتها لوجود بعض الفيروسات الخطيرة والبكتريا بها. وقال إن جميع المزارعين يعرفون أن المجلس المحلى منع استخدام هذا السماد، ولكنهم يصرون على استخدامه ويخزنونه فى المنازل رغم أنه يتسبب فى إصابة الأطفال بأمراض صدرية وطفيليات، وتكلف النقلة الواحدة من السماد نحو 1700 جنيه. وقال أحد الفلاحين ويدعى سليمان أبوجبر، أحد مواطنى قرية الدواويس، إن الأهالى قدموا بلاغات للمجلس المحلى، ضد المزارعين الذين يستخدمون البودرت، لوقف استخدامه لرائحته الكريهة، وتسببه فى إصابة الأطفال بالأمراض الصدرية المزمنة، لكن جميع الشكاوى تم التحفظ عليها، ولم يتم التحقيق فيها. لا شىء يمنع المزارعين من استخدام سم البودرت لأنه يسرع من نمو النباتات، بينما تصل غرامة تسميد الأرض به ل10 جنيهات، إذ إن تداول المبيدات يخضع لقانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، الذى يفرض غرامات هزيلة جدًا ضد المخالفين، وتتم معاقبة تجار هذا النوع من الأسمدة من خلال تطبيق عقوبات الإضرار بالبيئة أو الغش التجارى. وقال فلاح يدعى سليمان الدش إنه يمكن التفريق بين الفراولة الطبيعية والفراولة المزروعة ب«البودرت»، من الناحية الشكلية، إذ إن الطبيعية تكون صغيرة ومستديرة أما الثانية فعريضة ولونها غامق وطعمها مختلف عن النكهة المعتادة للفراولة، وتصاب بالعطب سريعًا. من جانبه، قال الدكتور حسين الجمال، الأمين العام لمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، إن هناك كودًا بوزارة الصحة، يحكم عملية تدوير المخلفات، خاصة المخلفات الآدمية، وذلك لخطورتها الشديدة على الصحة العامة، والتسبب فى أمراض مزمنة، خاصة فى المحاصيل التى تؤكل مباشرة، مثل الفراولة والجرجير والخص، وغيرها. وتابع: استخدام فضلات الإنسان فى الزراعة، ممنوع بشدة إلا بإشراف رقابى من وزارة الصحة، وخطوات علمية، وذلك لوجود طفيليات وبكتريا تسبب أمراض الفشل الكلوى والفيروسات، وفى بعض الأحيان السرطان. وأشار الأمين العام للمركز ل«الصباح» إلى أن كود وزارة الصحة رقم 501 يمنع استخدام مياه الصرف الصحى، والفضلات البشرية إلا تحت إشرافها المباشر، بمعايير محكمة للاستخدام، لافتًا إلى أنه يتم تجفيف هذه المخلفات لمدة 3 أشهر بوضع مواد معينة، لمنع انتشار الأمراض. ولفت إلى أن منظمة الصحة العالمية تمنع الاستخدام، ولكن يوجد فى الدول المتقدمة، نظام المعالجة اللاهوائية التى توضع من خلالها مخلفات الصرف الصحى فى أحواض لاهوائية، تولد درجة حرارة عالية جدًا، لقتل جميع الكائنات الطفيلية ولكن هذا النظام غير موجود فى مصر، مؤكدًا وجود ضعف شديد فى عمليات مراقبة محطات الصرف الصحى التى تزود المصانع بالفضلات، إضافة إلى أن مراقبة المصانع نفسها عملية صعبة. وقال الدكتور صابر عبدالرحمن، خبير كيميائى، ومراقب جودة المياه، إنه تجب توعية المزارعين، بأن رى المزروعات بمياه المجارى أو تسميد المزروعات بالمخلفات البشرية، يعتبر أحد الملوثات التى تضر بصحة الإنسان وتسبب له أمراضًا خطيرة، وذلك بسبب تلوثها بأعداد هائلة من الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات. وأكد أن فضلات الإنسان، هى سبب مباشر لإصابة المواطنين بأمراض، التيفوئيد والبلهارسيا والالتهاب الكبدى الوبائى والدوسنتاريا والتهاب الأمعاء والمعدة، المنتشر بكثرة هذه الأيام، وتصل الأمراض إلى الفشل الكبدى والفشل الكلوى. وتابع: أنه تعتبر الأميبيا والإسكارس والأنكيلوستوما من الطفيليات المعوية، الموجودة فى مياه المجارى من أكثر مسببات الأمراض انتشارًا، التى تصيب الإنسان نتيجة تناوله الخضروات الملوثة بمياه المجارى. وأشار إلى أنه يجب أخذ الحيطة والحذر عند شراء هذه المزروعات، ومحاولة التأكد من مصادرها وعدم أكلها إلا قبل اتباع الطرق الصحية السليمة التى تضمن خلوها من مسببات الأمراض، ومطابقتها للمواصفات الصحية، وخصوصًا النيئة كالفراولة والخس والبقدونس والكزبرة والجزر والطماطم والخيار وغيرها، التى تتعرض أوراقها للتلوث. وقال طاهر قدح، مستشار رئيس المعمل المركزى لمتبقيات المبيدات، ل«الصباح»، إن وزارات الزراعة والصحة والتموين، تحظر استخدام فضلات الإنسان نهائيًا، لاحتوائها على عناصر ثقيلة، وملوثات شديدة السمية. وأشار إلى أن هناك تنسيقًا بين وزارة الصحة ولجنة مبيدات الآفات بوزارة الزراعة، لمواجهة هذه الاستخدامات غير المشروعة، التى تؤثر على الصحة العامة، مشيرًا إلى ضرورة التقدم بشكوى رسمية لوزارة الزراعة لاتخاذ اللازم. وقال الدكتور يحيى عبدالحميد رئيس لجنة مبيدات الآفات، إنه سيتم تشكيل لجنة على الفور، بالتعاون مع وزارات الصحة والتموين، والجهات الرقابية بمحافظة الإسماعيلية، للتحقيق فى الموضوع، والعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة.