*المجلس الاستشارى يتبنى مشروعًا ل«تقويم أخلاق المصريين».. وخطط مبتكرة لمكافحة العنف والقضاء على العشوائيات *الرئيس قال لنا: «أرجوكم عندما تأتون بمشروع أو فكرة لا تغفلوا التمويل لأنى مسكت البلد منهوبة» *مصر تعيش سنة أولى ديمقراطية.. والتعلم من أخطائنا «ضرورة» *«25 يناير» كسرت حاجز الخوف من الحكام.. والمصرى زى «قرص الفوار» يثور ويتحمس ثم يهدأ ويستكين *«لعنة الفرعنة» تصيب أى رئيس إذا قضى أكثر من 6 سنوات فى السلطة *المصريون يعانون من الاكتئاب.. والأكل والشرب والجنس من أهم أولوياتهم قال الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى، وعضو المجلس الاستشارى الرئاسى، إن عمل المجلس، الذى يضم 16 من كبار علماء مصر، تطوعى، وإن ثلثى أعضائه يعيشون خارج مصر، مشيرًا إلى أنه للمرة الأولى فى تاريخ العالم أن يكون للرئيس مستشار للصحة النفسية لارتباطها بالأخلاق، مؤكدًا أن الرئيس يرى أن أخلاق المواطن هى الأهم فى بناء البلد بجانب التفوق فى الاقتصاد. وأضاف «عكاشة»، فى حواره مع «الصباح» أن رسالة السيسى واضحة، وهى أنه لن يحدث نمو فى الاقتصاد إلا إذا عادت أخلاق المصرى كما كانت خلال ال18 يوما الأولى من ثورة 25 يناير. وقال إن مقياس السعادة العالمى يكشف أن أكثر الشعوب سعادة، هؤلاء الذين يعيشون حياة متواضعة، ويهتمون بالنسيج الاجتماعى أكثر من الجوانب الاستهلاكية، وأكد عكاشة أن الرئيس السيسى حريص على الاستماع لوجهة نظر المجلس الاستشارى، ويتبنى نظرية: «الإصلاح والتغيير لن يأتى إلا بثورة أخلاق وصحوة ضمير».. وإلى نص الحوار: * بداية.. كيف استقبلت قرار اختيارك مستشارًا للصحة النفسية فى المجلس الاستشارى الرئاسى؟ - سعيد للغاية بأن يتم اختيارى لهذا المنصب، وهذه خطوة إيجابية تحسب لمؤسسة الرئاسة، فلأول مرة فى تاريخ العالم يكون لدى الرئيس مستشار للصحة النفسية، فالمتعارف عليه أن الصحة النفسية عادة ما تتبع الصحة العامة فى كل بلاد العالم، لكن الرئيس رأى أن الصحة النفسية أحد المقومات الأساسية اللازمة لتحقيق التوافق المجتمعى بين مختلف الأطياف المصرية، الذى يعد متطلبًا رئيسيًا لتحقيق النهضة والتقدم فى المجتمع. * ماذا عن طبيعة عمل المجلس الاستشارى الرئاسى؟ - هذا المجلس يضم نحو 16 عضوًا من كبار علماء مصر فى مختلف المجالات، وما لا يقل عن ثلثى أعضائه يعيشون فى الخارج، ويحضرون إلى مصر على حسابهم الخاص ليقدموا الاستشارة، كلٌ فى تخصصه، والأعضاء متطوعون لا يتقاضون أى رواتب، وليس لديهم أى رغبة فى الحصول على منصب أو نفوذ، وبالتالى هذا العمل نابع من حبهم وانتمائهم لمصر. وفى المجلس نعمل باستراتيجية العمل الجماعى، حيث نتناقش معًا فى مقترحاتنا وأفكارنا، لنخرج بفكرة أو أكثر تصلح للتطبيق على أرض الواقع وتنهض بالمجتمع، ثم يتم عرضها على الرئيس، كى نبدأ فى خطوات تنفيذها. * ما أبرز المشروعات التى يتبناها المجلس الاستشارى الرئاسى خلال الفترة المقبلة؟ - مشروعنا القومى خلال الفترة المقبلة الاهتمام بالتعليم ورفع وعى المصريين، بالإضافة إلى تبنى مشروع تقويم أخلاق المصريين وإعادة قيمة الضمير لديهم، وخطط مبتكرة لمكافحة العنف، والقضاء على العشوائيات، وغيرها من المشروعات التى تعد قاطرة التغيير الأساسية. وينبغى أن تتبنى وسائل الإعلام هذه المشروعات، وتبدأ فى التخلى عن أجندتها، وتزيد من برامجها التنموية الهادفة التى ترتقى بأوضاع المجتمع المصرى، مثل بثها برامج تكرس لقيم الصدق فى الوعود وتحمل المسئولية والإتقان والانضباط، وتجاوز الذات، والنظر إلى المصلحة العامة. * ما أبرز كواليس اجتماعاتكم مع الرئيس السيسى طوال الفترة الماضية؟ - المجلس عقد اجتماعين حتى الآن، آخرهما كان منذ ثلاثة أسابيع، وكان الشىء اللافت فيه أن هذا الاجتماع لم يكن لبضع ساعات، بل مكثنا لمدة يومين فى مكان واحد، فى سبيل الخروج بأفكار محددة، تصلح لأن تكون مشروعات علمية تنهض بأوضاع المجتمع المصرى، ودائمًا يقول لنا الرئيس فى اجتماعاته «أرجوكم عندما تأتوا بمشروع أو فكرة لا تغفلوا التمويل الخاص بها لأنى مسكت البلد منهوبة ومسروقة ولا يوجد بنود إنفاق، فساعدونى حتى نتخطى هذا الوضع»، ومن هذا المنطلق وجدنا أن المشروع الوحيد الذى لا يكلف الدولة مليمًا هو تحسين الأخلاق وإحياء قيمة الضمير مرة أخرى عند المصريين كى ننهض، خاصة أن رؤية الرئيس فيما يتعلق بنهوض مصر، أنها لن تتقدم بالقوة العسكرية والاقتصادية فقط، بل بإعادة تقويم أخلاق المصريين خاصة بعدما شهدت مصر حالة من الانفلات الأخلاقى عقب ثورة 25 يناير. * ألا ترى أن «تهذيب الأخلاق وتقويم الضمير» مسألة معنوية فى جوهرها لا يمكن إسنادها إلى كيان رسمى بالدولة؟ - أتفق معكم إلى حد ما، فالانفلات الأخلاقى وغياب الضمير عند الأغلبية أثناء ممارستهم لعملهم، مشكلة كبرى تبدأ من التربية الخاطئة للأطفال، خاصة أن غالبية الآباء والأمهات يربون أبناءهم على فكرة «الضمير الخائف» وليس «الضمير الواعى» الذى يجعله يتجنب الخطأ لأسباب تتعلق بقناعاته الشخصية بأن تلك الممارسات المخالفة لقيمه يجب تجنبها، وليس خوفًا من والديه فقط. وبالتالى أشدد على أن حال المصريين لن ينصلح إلا بتقويم الأخلاق وتفعيل قيمة الضمير لديهم، ولابد أن تبدأ هذه المرحلة منذ الطفولة المبكرة حتى يتم غرز قيمة الضمير داخل الطفل، وأن يركز الإعلام المصرى على مثل هذه الرسائل التى تساهم فى رفع معدلات وعى الأمهات والآباء بقيمة الضمير، مثلما يحدث فى دولة الإماراتالمتحدة، حيث تقدم مسرحية «سوبر نانى» التى تدور فكرتها فى إطار مربية تحضر إلى الأسرة التى تخبرها بكل عيوب الطفل، من سرقة وهروب من المنزل وكذب.. إلخ، وهنا تخبرهم المربية كيف يتغير هذا الولد سلوكيًا، أى أن «السوبر نانى» تعرض كل المشاكل التى يمكن أن يتعرض لها الأطفال، وتقدم الحلول للأمهات والآباء، وهذه مسألة مهمة، خاصة فى ظل «غزو العقول» الذى نتعرض له فى عصر العولمة، وتتمثل أدواته فى إكساب الأطفال سلوكيات العنف والقتل والاغتصاب والإلحاد، وغيرها من السلوكيات السلبية التى انتشرت خلال الفترة الأخيرة. * دائمًا ما تزاوج فى تصريحاتك بين ارتفاع معدلات الأمية فى مصر وانهيار المنظومة الأخلاقية.. كيف ذلك؟ - بالتأكيد، وهناك العديد من الأدلة والشواهد التى تؤكد ذلك، أبرزها نتائج إحدى الدراسات التى أوضحت أن نسبة من يقرأون الجرائد فى مصر حوالى 700 ألف مواطن من إجمالى ال90 مليونًا، وهى نتيجة «مفزعة» للغاية، ومع ارتفاع معدلات الأمية فى مصر، بدأت تزداد معدلات الجريمة، والعشوائية فى الأداء، فضلًا عن فوضى اللغة التى نعيشها الآن، ومن ثم انهارت المنظومة الأخلاقية. * ما أفضل السبل لمكافحة ظاهرة الأمية؟ - هناك مبادرات إيجابية تم طرحها على الساحة خلال الأيام القليلة الماضية، لمواجهة ظاهرة الأمية، من بينها اقتراح جامعة المنوفية التى طالبت فيه بألاّ يحصل طالب على الشهادة الجامعية إلا عندما يعلم عشرة أفراد، ومبادرة أخرى نادت بإغلاق الجامعات لمدة عام، حتى يتسنى للشباب المتعلم النزول إلى الأميين وتعليمهم، وجميعها مبادرات جيدة، لكن لابد أن تكون لدينا خطط مبتكرة لمواجهة المشكلات فى مختلف قطاعات الدولة، يتم تغليفها بمبدأ الارتقاء بالمنظومة الأخلاقية حتى نتمكن من تحقيق طفرة حقيقية فى مختلف المجالات. وبالتالى فأنا أؤكد على أهمية التعليم، فكلما ارتفعت معدلات التعليم فى المجتمع، شاهدنا طفرة حقيقية فى أخلاق المواطنين وانتمائهم إلى الدولة، فطبقًا للتفسيرات النفسية، فإن الهوية والرضا النفسى لأى إنسان يحقق أعلى معدلات ارتباط بالجذور. * ما تقييمك للحالة النفسية للمصريين؟ - غالبية المصريين يعانون من الاكتئاب نتيجة اليأس والإحباط الذى تمكن منهم، وإذا كانت تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسوء أوضاع المعيشة سببًا فى ذلك، إلا أن هناك شقًا آخر يتعلق بطبيعة شخصية المصرى، يتمثل فى الإشباع الفورى السريع، أى أن غالبية المصريين يرغبون فى تحقيق كل ما يحتاجونه من متطلبات فى الحياة بسرعة، وإذ لم يتحقق يصاب بالإحباط، ولذلك فأنا أشبه المصرى ب«قرص الفوار» يفور ويثور ويتحمس ثم يهدأ ولا يستمر. الخطير فى الأمر أن الاكتئاب والإحباط الذى أصاب المصريين مهد لظواهر غريبة على المجتمع المصرى كالانتحار والإلحاد الذى انتشر مؤخرًا، فغالبية الشباب يقدمون على هذه الظواهر بزعم سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لكن عليهم أن يتحلوا بالصبر، وينظروا إلى قيمة العمل الجاد الذى يعلى من شأنه فى وطنه، ويتخلوا عن مبدأ «الأكل والشرب والجنس أهم شىء فى الحياة». * إذا ما تطرقنا للحديث عن الإلحاد.. فما رؤيتك فى الخطاب الدينى؟ - الخطاب الدينى فى مصر يشهد أزمة كبيرة، فمنذ أكثر من 50 سنة، وهذه المؤسسة لها موقف سلبى من الصوفية، انعكس على طبيعة الخطاب الدينى، فتجد أن معظم الخطابات الدينية يتبنى أصحابها لغة «إحنا صح.. والباقى غلط»، وهذا انعكاس طبيعى للتدهور الذى أصاب هذه المؤسسة الدينية العريقة، وبالتالى نحن نحتاج إلى تفعيل دور الأزهر التنويرى فى مواجهة الأفكار المتطرفة التى بدت على الساحة مؤخرًا، خاصة أنها تصدر من أشخاص يتخفون خلف ستار الدين، ويكفى للتدليل على ذلك حالة أبو بكر البغدادى الملقب نفسه ب«خليفة المسلمين» فى تنظيم داعش الإرهابى، الذى يحمل دكتوراه فى الفقه الإسلامى، ويفسر فى بعض النصوص الدينية لخدمة أهوائه. وهؤلاء بالتأكيد خطر على الإسلام، وليس أدل على ذلك سوى رأى يقول بأن أكثر وسيلة تدفع الناس للإلحاد، أن تصور لهم أن الخطاب الإسلامى يتجسد فى تصرفات تنظيم داعش الإرهابى، وهذه ليست سوى خطة ممنهجة لتشويه صورة الإسلام. * البعض يرى أن ثورتى 25 يناير و30 يونيه غيرت فى تركيبة المصريين.. ما رأيك؟ - بالتأكيد أن هاتين الثورتين أحدثتا تغييرًا هائلًا فى نفسية المصريين، يتمثل فى أنها كسرت حاجز الخوف لديهم من الحكام، بعدما تربوا لفترات طويلة على واجب الطاعة العمياء للحاكم، وتقديسه باعتباره «إلهًا». وعقب ثورة 25 يناير ظهر ما يسمى ب«الضمير الجمعى» لدى المصريين، الذى أبهر مختلف دول العالم، وهو يعنى السلوكيات التى تنم عن عظمة المصريين، التى تجلت أبسط صورها بعد رحيل مبارك مباشرة فى تنظيف الشوارع، وإعادة تشجيرها، ولكن سرعان ما تلاشى ذلك بدخول التيارات الإسلامية ضمن صفوف المتظاهرين، لأنهم أشاعوا روح الفرقة حينما بدأوا يفكرون فى مصالحهم الشخصية، فبدأت رحلة المراوغة على السلطة، وما أسفرت عنها من أحداث دامية، اختفت على أثرها روح الفريق والمسئولية المنتشرة بين شباب الثورة. ولكن عادت روح «الضمير الجمعى» للمصريين مرة أخرى، وخير دليل على ذلك أنه حينما ترددت أنباء بأن الرئيس السيسى سوف يرفع الدعم عن كثير من السلع، سادت الصحافة الغربية مجموعة كتابات تؤكد أن مصر بصدد ثورة ثالثة على السيسى، لكن رد المصريين عليهم «أننا قادرون على تحمل المشقة مع الرئيس.. ولن نقوم بثورة ثالثة». * هل ترى أن مصر بدأت أولى خطواتها نحو الديمقراطية؟ - نحن الآن فى سنة أولى حضانة ديمقراطية، وخطوات المصريين نحو الديمقراطية تشبه مراحل النمو المختلفة التى يمر بها الطفل، وما أقصده أننا لكى نصل إلى الديمقراطية سنواجه صعوبات تعرقل مسيرتنا، مثل العقبات التى يواجها الطفل ليصل إلى مرحلة المشى. وبالتالى فالحل أن نستمر ونخطئ إلى أن نتعلم، وتتحقق الديمقراطية. * بعد براءة مبارك، بدأت تظهر العديد من التحليلات لجوانب شخصيته.. ما رأيك فيها؟ - لا يمكن إعطاء منظور علمى لأى شخصية دون فحصها، وبالتالى فالتحليل النفسى لأى رئيس يصبح غير علمى ويعتمد على السلوكيات فقط، وأنا لم أر السلوكيات، إنما قرأتها من الصحف أو من السلوك العام، وذلك لا يظهر الصورة الأصلية له، ولكن أى إنسان له ثلاث صور: ذاتية لا يعرفها إلا الشخص ذاته وطبيبه النفسى، واجتماعية تمثل 70% من صورنا الشخصية، وهى الصورة التى يريد الشخص أن تتظهر للناس ويرونها فيها، ومشكلته تلك الصورة أنها تتخللها المراوغة والمجاملة حتى يتمكن أن يظهر بها، وهناك الصورة الثالثة، وتسمى المثالية أو المستقبلية بمعنى ماذا يريد أن يغير فى حياته. * إذاً.. ما تحليلك لجوانب شخصية مبارك من واقع المظاهر الخارجية لسلوكياته؟
- أدرس شخصية أى إنسان بالطريقة الطولية وليست الأفقية، بمعنى أن تحليل شخصية مبارك يبدأ من تدرجه فى المناصب العسكرية حتى وصوله لمنصب قائد القوات الجوية فى حرب 1973، ثم تدرجه فى الجيش إلى أن وصل لرتبة فريق، وحتى هذه المرحلة لا يمكن أن يختلف أحد على أنه كان يتحلى بالثقافة العلمية والمصداقية والانتظام وروح الفريق وتجاوز الذات، ثم تم تعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية، وعندما تم اغتيال السادات، تم تعيينه خلفًا له، وأتذكر أنه فى أول مقابلة قال: «أنا لا أفهم فى كل شىء، وطلب مساعدة المحيطين به، وبدأ بطريقة بناءة جدًا، لكن تغير كل ذلك مع طول بقائه فى الحكم، فإذا قضى رئيس أكثر من ست سنوات فى السلطة تصيبه «لعنة الفراعنة»، بمعنى أنه يحدث تغير فى شخصيته، فيبدأ يعتقد أن الالتصاق بهذا الكرسى واجب أخلاقى عليه، وأن من ينتقده خائن أو يدبر لمؤامرة ضده، ويعتقد نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الوطن، وأخطر من هذا أن الشعب ليس له حق مساءلته، وأن ذلك الحق لله فقط، وهنا يبدأ مع كبر السن وطول البقاء فى السلطة الاهتمام بالكرسى، وكلما كبر فى السن يحصل من حوله من حاشيته أو أبنائه وزوجته على مساحة، وهنا يعم الفساد، ولا يمكن أن نغفل أنه لم يحكم فى العشر سنين الأخيرة، إنما من حوله هم من حكموا.