فى اليوم التالى لغلق السفارات الأجنبية فى مصر أصدر الكونجرس الأمريكى تقريرًا مفصلاً عن أعمال التعذيب التى ارتكبتها ال«سى أى إيه» عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر المخابرات المركزية الأمريكية ضللت الكونجرس والبيت الأبيض.. والتعذيب لم يؤد إلى إفشال أية عمليات إرهابية حقيقية لم تكد تمر ساعات معدودة على الصخب الدبلوماسى الأمنى الذى صاحب غلق السفارات الأجنبية فى مصر، حتى ظهر فى اليوم التالى مباشرة حدث قد يكون مرتبطًا أشد الارتباط بما سبق، فقد أصدر الكونجرس الأمريكى بشكل مفاجئ تقريرًا مفصلا أعدته لجنة مكلفة وتابعة له، التقرير يتجاوز 6 آلاف صفحة ويوضح أعمال التعذيب والاعتداءات والأخطاء التى ارتكبتها وكالة الاستخبارات المركزية «سى أى إيه»، عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001م والانتهاكات التى استمرت حتى أوائل العام 2009م، وقدم التقرير توصيفًا مفصلًا عن البرنامج الذى اتبعته «سى أى إيه» فى الاحتجاز والاستجواب، ومنها أن خبيران نفسيان ساهما فى وضع تقنيات الاستجواب المشددة للوكالة، ولعبا دورًا محوريًا فى تطبيقها وإدارة البرنامج وتقييمه، فيما خضع المعتقلون لدى الوكالة لتقنيات استجواب قسرية، لم تسمح بها وزارة العدل أو مدراء الوكالة. وبعد خمس سنوات من التحقيق، وأربعين مليون دولار، وستة ملايين وثيقة سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزة ال«سى أى إيه»، صدر أخيرًا تقرير لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ، بإشراف أعضاء ديمقراطيين ليكون أضخم تقرير شامل ومعمق، عن برنامج استجواب المتهمين بالإرهاب المثير للجدل، فعلى الرغم من أن تقرير الكونجرس كشف عن حقائق معروفة سربت سابقًا، مثل احتجاز المتهمين فى سجون سرية فى دول أجنبية وممارسة التعذيب على حوالى 120 متهمًا، إلا أنه اتهم ال«سى أى إيه» بأنها ضللت البيت الأبيض والكونجرس، حول فعالية البرنامج وطرق التعذيب، كما أظهر التقرير أن المعلومات التى تم الحصول عليها لم تؤد إلى إفشال أية عمليات إرهابية حقيقية. الرئيس الأمريكى باراك أوباما أكد بعد النشر مباشرة، أن تدابير أمنية اتخذت على خلفية تقرير مجلس الشيوخ الأمريكى بشأن أساليب تعذيب اتخذتها وكالة المخابرات الأمريكية، ووضعت سفارات الولاياتالمتحدة عبر العالم فى حالة تأهب تحسبًا لردود فعل من الجماعات المتطرفة، بعدما أظهر التقرير انتهاكات كبيرة وإساءة استخدام برنامج استجواب طبقه محققون عملوا فى وكالة الاستخبارات للحصول على معلومات من المشتبه بهم فى قضايا الإرهاب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر. كان موعد نشر التقرير قد تأجل بعد أن نشبت خلافات فى واشنطن، حول الأجزاء التى ينبغى إتاحتها للعامة، وسيبقى التقرير الأصلى- الذى يقع فى 6 آلاف صفحة- سريًا وطى الكتمان، لكن الأعضاء الديمقراطيين فى اللجنة التى صاغته قرروا نشر خلاصة التقرير التى- تقع فى 480 صفحة-، وقال البيت الأبيض إن الولاياتالمتحدة شددت الإجراءات الأمنية فى سفاراتها ومنشآتها حول العالم قبيل نشر التقرير، وكرر ثانية ناطق باسم البيت الأبيض فى واشنطن، إن السفارات الأمريكية وغيرها من المصالح اتخذت إجراءات احترازية، بعد ورود «بعض المؤشرات» إلى احتمال تعرضها «لمخاطر»، ونلقى الضوء على أبرز 20 نقطة فى هذا التقرير: 1 إن استخدام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سى.أى.إيه» ل«تقنيات الاستجواب المتطورة»، لم تكن فعالة فى الحصول على معلومات استخباراتية أو تعاون من قبل المعتقلين. 2 تعد التبريرات التى قدمتها ال«سى.أى.إيه» حول استخدام «تقنيات الاستجواب المتطورة» غير دقيقة. 3 تعتبر طرق استجواب ال«سى.أى.إيه» للمعتقلين وحشية وأسوأ بكثير من مما أعلنت عنه لصناع القرار فى البلاد وللكونجرس. 4 إن ظروف احتجاز المعتقلين من قبل «سى.أى.إيه» أقسى مما أقرت به الوكالة للكونجرس. 5 عمدت «سى.أى إيه» إلى تزويد وزارة العدل بمعلومات غير دقيقة بشكل مكرر، مما أعاق إجراء تحليل قانونى مناسب، حول برنامج الوكالة المتعلق بتوقيف المعتقلين واستجوابهم. 6 تجنبت ال«سى.أى.إيه» أو أعاقت إطلاع الكونجرس على برنامج الوكالة لاستجواب المعتقلين لديها 7 أعاقت ال «سى.أى.إيه» بفاعلية إشراف البيت الأبيض وصناع القرار على هذا البرنامج. 8 أدى تطبيق «سى أى إيه» لبرنامج استجواب المعتقلين وإدارته إلى تعقيد، وفى بعض الأحيان تهديد مهمات تتعلق بالأمن القومى تقوم بها وكالات أخرى. 9 عرقلت الوكالة مراقبة مكتب المفتش العام فيها لأعمالها. 10 نسقت «سى أى إيه» تسريب معلومات معينة لوسائل الإعلام، من بينها معلومات غير دقيقة تتعلق بفعالية استخدام التقنيات المشددة خلال استجواب المعتقلين. 11 لم تكن «سى أى إيه» مستعدة عند تطبيقها برنامج الاعتقال والاستجواب بعد أكثر من 6 شهور من السماح لها باحتجاز أشخاص. 12 طبقت «سى أى إيه» برنامج الاعتقال والاستجواب بشكل سيئ خلال عام 2002 ومطلع عام 2003م. 13 قام خبيران نفسيان بوضع تقنيات الاستجواب المشددة للوكالة ولعبا دورًا محوريًا فى تطبيقها وإدارة البرنامج. 14 خضع المعتقلون لدى «سى أى إيه» لتقنيات استجواب قهرية، لم توافق عليها وزارة العدل أو مدراء الوكالة. 15 لم تستطع «سى أى إيه» تحديد عدد المحتجزين لديها، كما أنها سجنت أشخاصًا لا تنطبق عليهم المعايير، إضافة إلى أن تأكيدات الوكالة بخصوص أعداد المعتقلين وأولئك الذين خضعوا لتقنيات الاستجواب المشددة كانت غير دقيقة. 16 فشلت «سى أى إيه» فى إجراء تقييم لفاعلية تقنيات الاستجواب المشددة. 17 لم تحاسب «سى أى إيه» موظفيها المسئولين عن انتهاكات خطيرة، والقيام بأنشطة غير مناسبة خلال تطبيق برنامج تقنيات الاستجواب المشددة إلا بشكل نادر. 18 تجاهلت «سى أى إيه» انتقادات عدة داخلية، واعتراضات بخصوص تطبيق وإدارة برنامجها للاعتقال والاستجواب. 19 يعد برنامج ال«سى أى إيه» للاستجواب غير قابل للاستمرار، كما انتهى فعليا عام 2006م بعد تقارير صحفية وانخفاض وتيرة التعاون من قبل بعض البلدان. 20 أضر برنامج «سى أى إيه» بسمعة الولاياتالمتحدة فى العالم أجمع، كما أسفر عن تكاليف إضافية مالية وغيرها. الأساليب التى كشف عنها التقرير متاحة الآن فى كل مكان وجميعها بالفعل تشكل انتهاكًا فادحًا لحقوق الإنسان ولكل القواعد القانونية، لكن يبقى لدينا الأهم فيبدو من التسريبات أن التقرير سيجيب على ثلاثة أسئلة كبيرة. •أولاً : هل كانت طرق التحقيق - أو «التعذيب» - أوسع نطاقًا وأكثر فظاعة مما أُقر به سابقًا ؟ ويبدو أن الجواب «نعم». •ثانيًا : هل كانت أساليب التحقيق تلك حامية ومنقذة لحياة الأمريكيين ؟ ويبدو أن الإجابة «لا». •ثالثًا : هل كان مسئولو وكالة الاستخبارات المركزية «سى أى إيه» وقتها صادقين مع البيت الأبيض، بشأن ما كان يهدف إليه البرنامج ؟ والجواب مرة أخرى «لا». وهكذا نحن أمام فصل جديد من فصول كشف التعثر الأخلاقى الأمريكى تقبع الإدارة الحالية وراء العديد من تصريحات توقع ردود الفعل، فهم متأكدون تمامًا أن ليس للأمر علاقة بالشفافية أو التطهر من ذنوب أدمنوا تكرارها عبر تاريخهم القديم والحديث، وهنا يلوح مرة أخرى العديد من هواجس السفارات التى تحاول أن تستغل تلك الهواجس فى اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد.