-«الأزهرى الملحد »: متابعتى لبرامج شيوخ الفضائيات المتشددين جعلتنى «لا دينى » فى السر -«محمد « :» فيلم رعب » فى المسجد عن «عذاب القبر » جعلنى أهرب منه إلى الإلحاد 4 سنوات مرحبًا بكم فى «دولة الملحدين»، وصفحاتهم الغريبة على «فيس بوك» وغيره من مواقع التواصل الإلكترونى، حيث لا دين ولا إله، لا جنة، ولا نار! ولكن: «لماذا أنا ملحد؟»، هذا هو السؤال الذى أطلقه الكاتب إسماعيل أدهم فى العشرينيات من القرن الماضى، والغريب أن الرجل الذى مات منتحرًا لم يظهر له «تلاميذ»- علنًا- إلا فى أيام هذه.. لماذا؟ « الصباح» تطرح هذا السؤال البديهى، وتقوم برحلة غوص فى عقول الملحدين، عبر هذه السطور، لتكشف عن حقيقة أفكارهم فى التحقيق التالى: «صوت الشيخ لوحده سبب كافٍ يمنعنى من دخول المسجد».. هذه هى الجملة التى تبادرت إلى ذهن «محمد. ف» أحد الشباب الذين خرجوا عن الدين طيلة عامين، لكنه عاد مرة أخرى إلى مظلة التدين. بدأ «محمد. ف» يحكى تفاصيل رحلته بين الإيمان والإلحاد باعتراض حاد على الطريقة التى يقدم بها الشيوخ «نصائحهم الدينية» حسب تعبيره، ومنها ما ذكره فيما يتعلق بصوت إمام المسجد الذى كان يُصلى فيه على مدار 4 أعوام، وكان عمره وقتها 19 عاما، وكانت الخطبة عن «عذاب القبر». ويصف «محمد» طريقة إلقاء الشيخ للخطبة قائلاً: «ارتفع صوت الشيخ، ووقف وهو يرفع من نبرة صوته شيئًا فشيئًا وهو يصف العذاب الذى سوف نتعرض له فى القبر، وبين وصفه للثعبان الأقرع، والتمزيق الذى يفتت العظام وغيرها من المشاهد القاسية، وهو يمثلها بحرفية عالية كما لو كان فيلمًا سينمائيًا»! ويضيف «محمد» أنه كان: يعلم وقتها أن هناك ما يعرف ب«عذاب القبر» ولم ينكر وجوده على الإطلاق، لكنه كان ينتظر من الشيخ أن يقدم للمصلين نصائح تقيهم من هذا العذاب، ويصف لهم فوائد عمل الخير وغيرها من الأمور التى تحببهم فى الدين أو فى اتباع نهج معين، لكن ما حدث كان- على حد وصفه- «فيلم رعب» قدمه إمام المسجد، وجعله يخرج منه بلا عودة، ليدخل فى منطقة «اللادين» هاربًا من كل الضغوط التى يتعرض لها فى ذلك الوقت بسبب «تشدد المفاهيم الدينية المتشددة». ولكن، لحسن الحظ، عاد «محمد» مرة أخرى إلى رشده وترك الإلحاد بعد عام واحد من الانخراط فى جماعات الملحدين، ولم يعد إلى رشده- وإلى المسجد- مرة أخرى إلا بعد وفاة والده. أما «س. ع» فهو طالب أزهرى، وكان من المفترض أن يكون بصفته حاملا لكتاب الله، وأهله ملتزمون بالصلاة والعبادات لأقصى حد، آخر من يفكر فى الإلحاد، لكن هذا هو ما حدث بالفعل، وأصبح «الأزهرى» ملحدًا! ويقول «س. ع» ل«الصباح» إن أهله كانوا فى شجار معه بصورة دائمة هو وإخوته الثلاثة بسبب تأخرهم فى أداء الصلاة فى أوقاتها، وأن السبب الرئيسى الذى جعله يلحد سرًا هو متابعته لعدد من القنوات التى تعرض برامج لبعض المشايخ المتعصبين، وكان ذلك تقريبًا فى بداية عام 2012، حيث انتشرت فى هذه الفترة عدة قنوات دينية يقوم عليها شيوخ متشددون يدلون بدلوهم فى كل شىء، وبعضهم- حسب قوله- «يُكرّه الناس فى كل شىء». وهكذا بدأ الطالب الأزهرى بالابتعاد عن الصلاة شيئًا فشيئًا إلى أن انخرط فى صفوف إحدى الجماعات الملحدة على الإنترنت، وما زال عضوًا فى هذه الجماعة سرًا، ويذهب للمعهد الأزهرى الذى يدرس فيه لمجرد «الحصول على شهادة»، حسب قوله. والسبب الذى يسوقه بعض هؤلاء «اللادينيين» لإلحادهم هو: الخطب الدينية المتعصبة، سيطرة نُظم اجتماعية متشددة دينيًا، الخلافات الأسرية فى المنازل بين الشباب وذويهم بسبب البعد عن الدين، لتفسر جنوحهم الفكرى، وتمنح لهم التبرير لاتخاذ هذا النهج الإلحادى الغريب على المجتمع المصرى المتدين بطبعه منذ آلاف السنين. وتعليقًا على ذلك، تقول الدكتورة منال زكريا، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، إنه «كلما كان الخطاب الدينى أو التعليمى يصحبه قدر من اللين والرفق فى التعامل كان ذلك أبسط كثيرًا فى توصيل المعلومة، خاصة أن الدين سواء كان مسيحيًا أو إسلاميًا يدعو إلى الرفق وتوصيل المعلومة بالطرق البسيطة لا إلى الترهيب والتشدد». وتؤكد د. «زكريا» أن «المجتمع يعانى من ضغوط اجتماعية واقتصادية، والفئة المعرضة لهذه الضغوط بشكل أكبر هى الشباب، وهم أيضًا أكثر الفئات تعرضًا للإلحاد بسبب تقلباتهم المزاجية وآرائهم وميلهم لغير المألوف، فسرعان ما يقتنعون بشىء ثم يبتعدون عنه ويرفضونه فى نفس الوقت تقريبًا علمًا بأن أعداد الملحدين فى مصر فى تزايد دائم فى الآونة الأخيرة، وبالتحديد منذ ما يقرب من 10 سنوات، والسبب فى ذلك هو الضغط النفسى الذى يواجه الشباب وضياع آمالهم فى العمل والإنجاز وتحقيق الطموحات». من جهته، يرى الداعية أحمد نبيل أن «الوعظ وتقديم الدين لابد أن يكون بالطرق اللينة، وتقديم المعلومة الدينية على عدة مراحل، وأن يمر الفرد المنوط بتقديم النصيحة والدرس الدينى بعدة اختبارات حتى يتسنى له تقويم الآخرين ومدهم بالمعلومات الصحيحة حول دينهم، مستعينًا بقوله تعالى: (ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك)». أما الدكتور شريف محمد- أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة- فيقول: إن «أعداد الملحدين تزايدت بشكل غير مسبوق فى العام الذى حكمت فيه جماعة الإخوان البلاد، بسبب الإفراط فى العنف والقمع المستخدم خلال تلك الفترة، فممارسات الحكم الإخوانى كان من شأنها أن تزيد أعداد الملحدين فى مصر لأنهم غالبًا ما بثوا صورة سيئة للإسلام بوجه خاص، وللانحيازيات الدينية بوجه عام، الأمر الذى نمى عند بعض الشباب من ضعاف النفوس فكرة كراهية الدين وبالتالى الوقوع فى فخ الإلحاد». ويوضح د. «شريف» أنه «من الملاحظ خلال الفترات السابقة أن الملحدين- مسلمين أو مسيحين- يخرجون عن الملة بسبب التشدد الدينى، وعلى الرغم من أنهم كانوا فى السابق جماعة قليلة العدد، حتى إنهم كانوا يعرفون بعضهم بعضًا جيدًا، إلا أنه فى الآونة الأخيرة انضم عدد كبير من الشباب لهذا الفكر الإلحادى دون أن يكون لهم كيان منظم، فقط تصرفات فردية». وأجرت مؤسسة «برسون مارستلر» الأمريكية، مؤخرًا، بحثًا على عدد من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 – 24 عامًا، بتمويل من مؤسسة « فورد»، أجراه الباحث المصرى منصور عادل؛ بهدف تحديد عدد الملحدين والأشخاص الذين خرجوا عن أى اعتقاد دينى فى مصر، من خلال استطلاع للرأى يبين معتقدات الأفراد وميولهم العقائدية. وأظهرت نتائج البحث أن نسبة 3% من الشعب المصرى غيروا مواقفهم من الدين خلال عام 2012، وهو عام حكم الإخوان لمصر، وبما أن تعداد المصريين حوالى 80 مليون نسمة، فإنه بعملية حسابية بسيطة يتبين أن عدد الملحدين فى مصر حوالى 3 ملايين مصرى، وهو الرقم الذى يتحفظ عليه الكثيرون، على اعتبار أنه «مبالغ فيه».