على الرغم من إصدار الرئيس السابق عدلى منصور قانونًا صارمًا لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسى قبل مغادرته للحكم، إلا أن حالات التحرش تتكرر يومًا بعد يوم، ولعل أبشعها الواقعة التى شهدها ميدان التحرير ليلة تنصيب الرئيس المنتخب «عبد الفتاح السيسى» رئيسًا للجمهورية والتى انتشر الفيديو الخاص بها على مواقع التواصل الاجتماعى.. «الصباح» تفتح هذا الملف المؤسف، كاشفة عن حالات تحرش جديدة تعرضت لها بنات أخريات ليلة تنصيب الرئيس، ورفضوا تقديم بلاغات خوفًا من الفضيحة. بكاء وصراخ ابتسام.م، خريجة كلية الهندسة جامعة القاهرة، طويلة القامة، خمرية اللون، مغطاة الرأس، تبلغ من العمر 27 عامًا، لم تتحدث كثيرًا فى مواقف سياسية سوى أنها عبرت بعبارة واحدة فقط « فرحت جدًا لما السيسى أصبح رئيس مصر، وكان لازم أنزل أحتفل، والنتيجة كانت التحرش..». ابتسام عقدت نيتها على النزول إلى ميدان التحرير والاحتفال بذلك من اليوم الأول لإعلان نتائج الانتخابات، لأنها من أشد المؤيدين للمشير - على حد تعبيرها-، وبالفعل نزلت ابتسام برفقة زميلتها سارة وبمجرد مرورهما على كوبرى قصر النيل ودلوهما إلى قلب الميدان بدأتا تشعران ببعض التصرفات الغريبة، فالمعاكسات بدأت لفظية من عدد من الشباب، ثم تحولت الى محاولات اللمس باليد والشد من الهدوم، جاء ذلك بعد أن التف حولهماالشباب الذين قابلوهما فى بادئ الأمر والذين بدأوا بالمعاكسات اللفظية، فعندما فشلوا فى الحصول على أى تجاوب، بدأ كل منهم يلمس ما يأتى أمامه من جسد البنتين. وفى حالة من الصراخ الشديد والبكاء تدخل عدد من المارة وأنقذوا ابتسام وصديقتها، وعندما اقترح أحدهم على البنتين أن تذهبا إلى قسم الشرطة لتحرير محضر رفضت البنتان بشدة، وأجابتا: «الحمد لله على كده، كفاية فضايح»، وقررتا عدم تقديم أى بلاغات أو محاضر بشأن ما حدث وهذا وفقًا لما رواه «سيد عبد الحميد» أحد شهود العيان وهو ضمن الذين تدخلوا لإنقاذ البنتين. تجريد من الملابس حالة غير عادية بجوار مترو الميرغنى بالقرب من قصر الاتحادية عندما هرعت « سمر. م» 19 سنة تجرى ويلاحقها 3 من الشباب، ظن البعض فى البداية أنهم على علاقة ببعضهم البعض نظرًا لقرب المسافة بينهم، إلى أن تطورت الأوضاع فى أقل من 5 دقائق عندما امتدت يد أحدهم لتمزيق ملابسها هنا بدأ المارة فى الانتباه وحاولوا إخراجها من بين أيديهم إلا أن هذا لم يحدث بسهولة حيث سقطت على الأرض أكثر من مرة فى حالة من الإعياء الشديدة، ودهسها البعض بأقدامهم مما نتج عنه بعض الجروح لها فى اليد والرأس والصدر نتيجة العنف الذى تعرضت له، وبالفعل تم إنقاذها فى حالة إعياء شديدة، وعندما أسعفها الموجودون بالمكان هرولت مسرعة واختفت من المكان تمامًا، وهذا وفق رواية «عبد الله صلاح» أحد الموجودين بمكان الحادث فور حدوثه. معظمهم أطفال ! من الأمور المثيرة أن يكون المتحرشون معظمهم أطفال، وهذا وفقًا لما روته «رقية. س» 30 سنة وهى ضمن اللائى تم التحرش بهن يوم التنصيب، فى جامعة الدول العربية، وبالتحديد أمام مسجد مصطفى محمود، حيث تعرضت رقية لحالة من التحرش على يد ثلاثة أطفال كما أوضحت، وهو الشىء الذى جعلها فى حالة من الإرباك، فلم تكن تتوقع أن من يقوم بهذه الأفعال هم أطفال، بعدما تعمدوا تمزيق ملابسها، دون أن يتدخل أحد على الإطلاق لإنقاذها نظرًا للتزاحم الشديد فى المكان، خاصة أنها كانت وسط كم كبير من الأهالى وبائعى الأعلام وبصعوبة شديدة تدخل أحد البائعين وأبعد الأطفال عنها وهربوا بعدها، وبعد إنقاذ رقية قررت العودة للمنزل مرة أخرى وتجنبت تمامًا التقدم بأى بلاغ رسمى لتسجيل الواقعة. انهيار نفسى أبسط الاضطرابات التى قد تصاب بها الفتاة التى تعرضت للاغتصاب أو للتحرش هو الانهيار النفسى، نظرًا لشعورها بأن جسدها مستباح.. بهذه الجملة عبرت الدكتورة « منال محمد» إخصائية علم النفس فى رأيها عن الظاهرة، موضحة أن أغلب الفتيات اللاتى يتم التحرش بهن تتولد لديهن سلوكيات عدوانية كثيرة تجعلهن يتصرفن بعنف مع المجتمع بالكامل، وتجعلهن ناقمات على الجميع على اعتبار أن المجتمع بأكمله مجتمع ذكورى، وهو السبب فيما حدث لهن. وأضافت الدكتورة منال: لا يجب أن ننسى أن المغتصب نفسه على الرغم من أنه شخص غير مرغوب فى وجوده من الأساس، ويعتبره المجتمع ذئبًا بشريًا يجب أن يُطرد منه؛ هو الآخر يُصاب بعدد من الأمراض النفسية إثر فعل التحرش أو الاغتصاب نفسه، فهو فى الغالب يكون قد تم اغتصابه أو التحرش به بنسبة كبيرة جدًا من قبل سواء كان ذكرًا أو أنثى، الأمر الذى يجعله ناقمًا ورافضًا للمجتمع وعلى الرغم من كراهيته للفعل أو للسلوك نفسه إلا أنه يقرر أن يعاقب به المجتمع كله الذى لم ينقذه من قبل، كذلك يتسم المغتصب بأنه ذو شخصية عدوانية وشهوانية إلى حد كبير تسيطر عليه الغرائز، ويحاول معالجة الهشاشة والعدوانية فى شخصيته بالعنف الجنسى، وقد ترجع هذه السمات إلى التفكك الأسرى أو التنشئة الخاطئة، وفى أحيان كثيرة إلى الإعلام والدراما وما يتم تقديمه من مشاهد فى الأفلام والمسلسلات قد تزيد من تفاقم المشكلة بعض الشىء، كذلك فإنه فى أحيانٍ كثيرة وبالفحوصات نجده يعانى من اضطرابات نفسية عميقة قد تتسبب فى مرض نفسى حقيقى إن لم يتم علاجه وعزله عن المجتمع ولو لفترة معينة يرجع تقديرها إلى شدة سوء الحالة.
المجتمع هو السبب بعض الأسباب التى تبدو منطقية بعض الشىء يعتبرها البعض مبررًا لفعل التحرش نفسه قائمة على بعض المصطلحات على شاكلة «العنوسة.. البطالة.. الظروف الاقتصادية.. وغيرها من المصطلحات الدالة على تورط المجتمع بأكمله فى جريمة التحرش»، هكذا رأى الدكتور « محمد شريف « أستاذ علم الاجتماع المشكلة من وجهة نظره، قائلًا: تدهور الظروف الاقتصادية يولد لدى الفرد الشعور بالنقص والاحتياج إلى الفتاة ومنه إلى عرقلة عقله عن التفكير، فى الوقت ذاته فهو يريد التخلص من إلحاح الاحتياجات الطبيعية البشرية عليه، وكثيرًا ما يشعر المغتصب أنه يعاقب المجتمع بفعلته، فالمجتمع هو من ظلمه ولم يعطه حقوقه الاقتصادية المسلوبة ولم يكفل له الحق فى الزواج، فقرر أن ينتقم من هذا المجتمع فى إخراج بعض التصرفات التى يعلم هو أنها ستزيد من غضبه. « تواصل» لتمكين المرأة من جانبه، أصدر مركز تواصل لتمكين المرأة بيانًا يطالب فيه بسرعة تغليظ عقوبة التحرش، مؤكدًا أن هناك حاجة لاقتلاع هذه الممارسات الشاذة من المجتمع، وتفعيل القانون وتغليظه على الجناة، وإلحاق أشد العقوبات لمن يقوم بمثل هذه الأفعال، من أجل مواجهة الانفلات الأخلاقى فى المجتمع، مع ضرورة توافر وعى مجتمعى بخطورة ما يحدث، مع مطالبة وزارة الداخلية بتشديد الرقابة على الميادين ووسائل المواصلات للقبض على المتحرشين، وتوفير أرقام تليفونات واضحة للإبلاغ عن التحرش. وتابع البيان: آن الأوان لكى تتخذ الدولة وقفة حازمة تجاه ما يحدث، وتوفير سبل الحماية للفتيات سواء خلال مشاركتهن فى المظاهرات، أو خلال عملهن أو سيرهن فى الشوارع ووسائل النقل، خاصة فى ظل تقارير رصدت معاناة الفتيات وتعرضهن للتحرش الجنسى باللفظ أو القول أو بالفعل، ومع ذلك لم تتخذ الدولة مبادرة واضحة وعاجلة لمواجهة هذه المشكلة التى أصبحت متجذرة فى المجتمع، وتظهر بشكل واضح وفج خاصة فى الأعياد والاحتفالات السياسية والمناسبات التى تتسم بتجمعات هائلة، لافتًا إلى أنه فى عدد كبير من البلدان يتم تغليظ العقوبات على المتحرشين، حتى تمنع هذه الممارسات. ففى الولاياتالمتحدةالأمريكية، تصل العقوبة إلى السجن مدى الحياة وغرامة قدرها ربع مليون دولار، بينما يواجه المتحرش فى السعودية عقوبة قد تصل إلى السجن 5 سنوات وغرامة نصف مليون ريال، وهو ما يكبد المتحرش خسائر ضخمة تجعله يفكر كثيرًا قبل الإقدام على مثل هذه الأفعال.