البداية كانت من إعلان منشور فى إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» والذى يتضمن دورات تدريبية «أون لاين» ودبلومات فى التغيير السلمى وكيفية إسقاط الدول والأنظمة الحاكمة بأقل مجهود، الأمر الذى قاد محرر «الصباح» للبحث بفضول عن الجهة أو المؤسسة صاحبة الإعلان، حتى توصل إلى موقع إلكترونى يحمل اسم «أكاديمية التغيير»، والذى وجدنا فيه أنه يمكن لأى راغب أن يبدأ الدراسة فى الوقت الذى يريد، والموعد الذى يقرره، ففور إنهاء إجراءات التسجيل، يبدأ المشترك الدراسة التى تمتد «أون لاين» على مدار 6 أشهر بدءاً من التاريخ الذى يحدده هو فى الاستمارة. وفى سبيل كشف العالم السرى للتدريب على إسقاط الدول والأنظمة، قمنا بتعبئة واستكمال الاستمارة المطلوب إنهاؤها لنخوض مغامرة الحصول على الدورات التدريبية التى تستطيع من خلالها إسقاط الدولة، فى محاولة لفهم ما يحدث ومن يقوم بذلك وما هى تلك الأدوات؟ وكيف يتم تنفيذها؟ وما هو دور الرقابة على مثل تلك الاختراقات؟ مع العلم أننا قمنا بتوثيق كل خطوة خلال تلك المغامرة بالصور والدلائل. الاستمارة التى حملت عنوان «استمارة الاشتراك فى دبلوم التغيير السلمى» تضمنت مجموعة من الخانات: الاسم ثلاثى، والجنسية، وبلد الإقامة، وتاريخ الميلاد، وأرقام الهاتف والبريد الإلكترونى والحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك وتويتر، وبسؤالنا عن تفاصيل «دبلوم حرب اللاعنف» أجابونا بأنه برنامج دراسى عبر الإنترنت Online تقدمه أكاديمية التغيير، يتم فيه تدريس فلسفة واستراتيجيات وتكتيكات حرب اللاعنف، ويتم التدريس فى البرنامج من خلال المواد المقروءة والمسموعة والمرئية، والحلقات النقاشية والمشاريع التى يقدمها الطلاب فى البرنامج، ومدة البرنامج الطويل 6 شهور «يتطلب جهداً حوالى 3 ساعات أسبوعياً»، وبرنامج مكثف: 3 شهور نفس المادة التدريبية لكن يتطلب حوالى 7 ساعات أسبوعياً، ولا يشترط نظام التدريس عبر الإنترنت حضور الطالب فى أوقات محددة. فيما تضم الدبلومة فلسفة حرب اللاعنف، والاستراتيجيات العامة لحرب اللاعنف، واستراتيجيات التعامل مع القمع «المحدود – المفرط»، ورسم خارطة الصراع، وتضم أيضاً وسائل حرب اللاعنف، بجانب التخطيط التكتيكى لحرب اللاعنف، كما أن رسوم البرنامج الطويل: 285 دولارا، فى حين أن المكثف: 400 دولار، فاخترنا البرنامج المكثف وأنهينا ملء الاستمارة، وأكدوا أنهم سيدرسون الاستمارة ثم سيقومون بالرد فى أقرب وقت ممكن. وبعد يومين من تدشين الاستمارة، فوجئ «محرر الصباح» برسالة على بريده الإلكترونى من «أكاديمية التغيير» يفيد بأنه تم قبولك فى دبلوم التغيير السلمى، وأنه يتطلب منه تحويل مبلغ 400 دولار على الحساب البنكى بتركيا، وإرسال صورة من الإيميل بعد تأكيد الحساب البنكى والذى كان رقمه AT651400005010259969. ومن خلال بحثنا داخل موقع الأكاديمية وجدناها توزع نشاطها على 3مجموعات أو مشاريع تحمل عناوين: أدوات التغيير، ثورة المشاريع، وثورة العقول، وبحسب تعريف الأكاديمية لنفسها، فإنها مؤسسة علمية بحثية غير ربحية، تأسست فى لندن فى مارس 2006، ثم تأسس لها فرع الدوحة«قطر» فى سبتمبر 2009، ثم تأسس فرع فيينا فى مايو 2010، وتقول فى موقعها الإلكترونى إنها «مبادرة شبابية مستقلة، لا تخضع فى دعمها لأى دولة أو طرف سياسى»، ويبدو واضحًا أن التعريف المختار، تم تعديله بعد الأحداث العربية فى عام 2011، فقد كثفت الاتهامات للجمعية بأنها ذات صلة مباشرة بالتيارات الإخوانية، واتهامات بتلقى تمويل من دول محددة، كما أن إنتاجها الأكاديمى مبنى على أدبيات اللاعنف، والنضال السلمى والاحتجاج الشعبى، وترتكز على ما تسميه «ثورة العقول، أدوات التغيير، استشراف المستقبل» ويديرها، «هشام مرسى» يصنف على أنه إسلامى عاش فى لندن، وهو صهر القرضاوى «زوج ابنته»، اعتقل من قبل المخابرات المصرية بعد الثورة، وأفرج عنه بضغط بريطانى، ويعينه فى التدريس بالأكاديمية «أحمد عبد الحكيم، ووائل عادل» ويشتركون فى ترجمة الكتب وإعداد الدراسات والتدريب.
وفى تعريفها تذكر المؤسسة أنها كانت حلم ثلاثة أشخاص، وأصبحت حلمًا للملايين، وتحاول أن تنفى المؤسسة شبهة تلقيها للتمويل من دول بعينها بالقول بأن تمويلها ذاتى ونشاطاتها تطوعية، وتقول الأكاديمية فى الرد حول علاقتها بالثورات «لا يخطط للثورات من داخل الأكاديميات العلمية، قد تبشر بها المؤسسات العلمية باعتبارها نبوءة مؤكدة يدعمها العلم»، وتقول «وعندما تثور الشعوب جراء مظالم واقعة بها، يبحث المستبدون عن أى حيلة ليقنعوا الشعوب بأنها لم تثر، لقد كانوا مجرد دمى فى يد آخرين»، وتؤكد «ما يعنينا اليوم هو الإجابة عن أسئلة المستقبل التى ستثور فى الأذهان بعد ما يقرب من خمس سنوات من الآن»، فيما تواصل الأكاديمية فى تعريفها لذاتها «إن المجتمعات التى قطعت شوطاً كبيراً على طريق التحرر من الديكتاتورية عليها أن تجعل العلم دعامة قوتها فى كل مجال، ومنها علوم التغيير»، وبأسلوب ذكى يجيبون عن سؤال: إن كانوا سيستمرون فى التدريب بعد الثورات؟ فيقولون: «هل نريد أن تنتهى مشاريع التغيير إلى مجتمعات قوية أم ضعيفة؟»، ويطرحون رغبتهم فى تحصين الشعوب من القابلية للاستبداد، فاستمراريتهم مرهونة بأن «ثقافة التغيير لا تنتهى»، ويقولون :«تقاوم الديكتاتوريات العلم بتخويف الشعوب من التدريب الملازم له». رصدنا من خلال بحثنا عن تاريخ تلك الأكاديمية أن «مشاريع التثوير» كان أول نشاط للأكاديمية فى عام 2006 وكانت البداية منطقة المحلة فى مصر بإضراب أكثر من عشرين ألف عامل نسيج ولمدة ستة أيام، وبعد أحداث المحلة تم تأمين الرعاية الإعلامية والقدرات التمويلية اللازمة للأكاديمية، ولقيت عناية عربية ورضا الشيخ يوسف القرضاوى، ويرى مراقبون رابطا بينها وبين حركة 6 أبريل وما تلقته من دعم، حيث ساهمت الأكاديمية فى تسهيل علاقة 6 أبريل بواشنطن ما سمح فى 20 نوفمبر 2008 بمشاركة وفد من الحركة فى اجتماع فى نيويورك، وأعقبها مشاركات فى المؤتمرات العالمية للشباب فى مكسيكو سيتى 2009 ولندن 2010. وانعكس كل ذلك على أداء الحركة بشكل لافت حير الشرطة المصرية. وحينها أدركنا أننا هنا داخل مصنع المؤامرات «أكاديمية التغيير»، لكننا قررنا الاستمرار للنهاية، فقاموا بإدخالنا إلى ورشة عمل خاصة بالمشتركين فى الدورة والتى كانت على الأغلب تبدأ من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل على موقع «فيس بوك» تحت عنوان «يوم فى غرفة القيادة»، وذلك لتوليد أفكار لأنشطة مؤثرة فى حرب اللاعنف، وكانت أكثر الأفكار الجاذبة للانتباه هى «عمل يوم خاص يحتشد فيه جميع الراغبين فى الهجرة بدون أى شعارات سياسية، وحمل قوارب مطاطية رمزية للتعبير عن أن الهجرة غير الشرعية والموت فى أحضان البحار أصبح يستوى مع العيش على ظهر الأرض، وكذلك الاحتشاد أمام السفارات التى تستقبل الراغبين فى الهجرة بأعداد ضخمة»، مبررين أنه أحياناً تحتاج جماعة التفكير فى الهجرة أن تمثل عن نفسها بشكل واضح وصريح، أن تعلن الرفض ضد النظام الديكتاتورى، لتتحول لاحقاً إلى مصدر إزعاج. وسيلة أخرى رصدها محرر «الصباح» يتم تدريسها داخل الأكاديمية وهى إحدى وسائل حرب اللاعنف، وهى عمل لافتات بالقرب من المؤسسات الأمنية والعسكرية تحمل أسماء من قبيل «محمية طبيعية»، وأيضا تم وضع 50 فكرة للتدريب على كيفية التعامل مع سيارات المسئول الفاسد «دون حرق أو تدمير»، والتى تنحصر فى «الاستفزاز - التعطيل والإيقاف – العرقلة»، وأشهر تلك الأفكار هي طباعة عبارات مثل «مسئول فاسد» على زجاج السيارة بحيث يصعب إزالتها بسهولة فى وقت قصير. أو طباعة معلومات على الفاسدين على سياراتهم. وكتابة عبارات تهديدية وتخويفية على سياراتهم مثلا «لك يوم» «دورك جاى» بحيث إننا نشتت تفكيره ونفتح عليه جبهات كثيرة وفكره ثانية هى «نشر بيانات سيارات المسئولين على موقع مخصص لذلك، ونشر مسار وتحركات سياراتهم على مواقع التواصل، وفكرة ثالثة هى كتابة عبارات تهديد غير حقيقية على مقدمة السيارة مثل :السيارة ستنفجر بمجرد التشغيل»، وفكرة رابعة هى رش السيارات باللون الأحمر...رمزا للدم الذى تسبب فى إهداره المسئولين». ليس هذا فقط كل ما رصدناه، ولكن أيضاً يستخدمون الفيديوهات لكيفية عمل الثورات، وأول الأنظمة التى تم إسقاطها لتجهيزها على مثل تلك الأحداث، وبعد أن حصلنا على كل تلك المعلومات التى تؤهلنا لمواجهة مؤسسات الدول وكيفية أن نكون أصحاب اليد العليا فى حرب اللاعنف، أصبحنا مؤهلين – بحسب رؤية الأكاديمية- لإسقاط نظام الدولة وتغييرها.