وزير خارجية إيران يدين تصريحات ترامب تجاه خامنئي ويصفها بالمهينة    فلسطين.. شهيدان و12 إصابة إثر قصف الاحتلال مدرسة شمال غربي مدينة غزة    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف للاحتلال استهدف خيم النازحين بحى الرمال غربى غزة    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    «عنده ميزة واحدة».. أول رد من الزمالك بشأن مفاوضات محمد شريف    رافينيا يتحدث عن مفاوضات برشلونة مع نيكو ويليامز    حبس سائق السيارة 4 أيام وعمل تحليل مخدرات له    «كانت بتجمع عنب».. حزن في جامعة المنوفية لوفاة طالبة كلية الهندسة ب حادث الطريق الإقليمي    مصرع 3 من أسرة واحدة في انقلاب سيارة أعلى كوبري قويسنا ب المنوفية    شيماء ضحية حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية.. حكاية حلم لم يكتمل وفتاة اختارت الكرامة على الراحة    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    دون فلتر.. طريقة تنقية مياه الشرب داخل المنزل    ستوري نجوم كرة القدم.. مناسبة لإمام عاشور.. تهنئة شيكابالا لعضو إدارة الزمالك.. رسائل لعبدالشافي    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    استمرار تدريبات خطة النشاط الصيفي بمراكز الشباب في سيناء    شيخ الأزهر ينعي فتيات «كفر السنابسة» ضحايا حادث الطريق الإقليمي    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق بمول شهير في العبور    قانون العمل الجديد يصدر تنظيمات صارمة لأجهزة السلامة والصحة المهنية    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    أحمد كريمة ينفعل بسبب روبوت يقوم بالحمل ورعاية الطفل خلال ال9 أشهر| فيديو    ماذا نقول عند قول المؤذن في أذان الفجر: «الصلاة خير من النوم»؟.. أمين الفتوى يجيب    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    جامعة الازهر تشارك في المؤتمر الطبي الأفريقي Africa Health ExCon 2025    البحيرة تستعد للاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن عقب آخر تراجع ببداية تعاملات السبت 28 يونيو 2025    فصل الكهرباء عن قرية العلامية بكفر الشيخ وتوابعها اليوم لصيانة المُغذى    تريلات وقلابات الموت.. لماذا ندفع ثمن جشع سماسرة النقل الثقيل؟!    «الزراعة»: ملتزمون بالتعاون مع إفريقيا وأوروبا لبناء سلاسل أكثر كفاءة    عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى التدعيم في هذه المراكز    عمرو أديب: الهلال السعودي شرَّف العرب بمونديال الأندية حقا وصدقا    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    مصر تفوز بعضوية مجلس الإدارة ولجنة إدارة المواصفات بالمنظمة الأفريقية للتقييس ARSO    أمانة التجارة والصناعة ب«الجبهة الوطنية» تبحث خططًا لدعم الصناعة الوطنية وتعزيز التصدير    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن امتحان الفيزياء بالثانوية العامة    مقتل شاب على يد ابن عمه بسبب الميراث    حزب الجبهة يقدّم 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و50 ألفا لكل مصاب بحادث المنوفية    استمرار الأجواء الحارة والرطبة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم والشبورة صباحًا    بعنوان "الحكمة تنادي".. تنظيم لقاء للمرأة في التعليم اللاهوتي 8 يوليو المقبل    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    الصحف المصرية: قانون الإيجار القديم يصل إلى محطته الأخيرة أمام «النواب»    لحظة إيثار النفس    «زي النهارده».. وفاة الشاعر محمد عفيفي مطر 28 يونيو 2010    قصة صراع بين الحرية والقيود| ريشة في مهب التغيير.. الفن التشكيلي بإيران بين زمنين    أمانة الحماية الاجتماعية ب«الجبهة الوطنية»: خطة شاملة بأفكار لتعزيز العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    الأردن يعزي مصر في ضحايا حادث الطريق الإقليمي    لماذا صامه النبي؟.. تعرف على قصة يوم عاشوراء    أمطار غزيرة تضرب باكستان وتتسبب في سقوط ضحايا ومفقودين    ترامب: من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بغزة خلال أسبوع    أسعار الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 28 يونيو 2025    فنانة شهيرة تصاب ب انقطاع في شبكية العين.. أعراض وأسباب مرض قد ينتهي ب العمى    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    تعرف على موعد وفضل صيام يوم عاشوراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة 25 يناير ونظرية المؤامرة من «الطائر الجاسوس » إلى «أبلة فاهيتا »
نشر في الصباح يوم 25 - 01 - 2014

فى مصر ما بعد ثورة يناير، شىء واحد يتقدم ولا يتراجع: حديث المؤامرة.
كل الأطراف ذاقت طعم الفوز ولحظات الهزيمة، إلا المؤامرة.. حصانها رابح دائمًا فى كل سباق ومضمار.
غذاها الخوف والهواجس التى تسكن النفوس وتعتمل فى الصدور. لا تجد نظرية المؤامرة مناخًا أفضل من مناخ الخوف والاستقطاب، كى تنمو وتنتشر وتصبح مادة للحديث فى المجالس الخاصة وعلى شاشات التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعى، حيث تكتسب المزيد من المؤيدين المطبلين المهللين.
إن من الطبيعى أن تتولد الشخصيات التى من المفترض أنها «هزلية» مثل برنامج باسم يوسف و«أبلة فاهيتا» مع انفتاح المجال السياسى فى مصر ما بعد 25 يناير. بمعنى أصح، متوقع لهم أن يظهروا كجزء من «الفانتازيا» الكبرى للديمقراطية والمشاركة السياسية، السيرك أو المسرح السياسى الذى بدأ يتبلور. فى المطلق، ليس هذا بسيئ، لكن أحيانًا تتحول الفانتازيا إلى مهزلة أو فيلم رُعب.
ما جرى فى مصر منذ ثورة يناير يتجاوز حدود المعقول.
مهزلة من عينة تحذيرات توفيق عكاشة المشهورة من 13/13/2013 و12/12/2012 من سيطرة الماسون.
وفانتازيا على غرار ما روَّجه أحمد حسن الشرقاوى، الصحفى فى وكالة أنباء الشرق الأوسط، حين أطلق حكاية وفاة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، حتى أنه تحدى أن يظهر السيسى علنًا مرة أخرى، وأكد أنه سيعتذر لو كذب الخبر، لكنه صمت حين خرج وزير الدفاع إلى العلن، وتحدث فى أكثر من مناسبة، منها الندوة التثقيفية التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية فى القوات المسلحة، وحضرها فنانون ومثقفون وصحفيون إلى جانب قادة عسكريين.
وفيلم رعب على منوال ما قدمته جماعة الإخوان المسلمين، بدءًا من أكذوبة «طائر النهضة» الذى بشروا بأنه سيرفع مصر إلى مصاف الأمم المتقدمة، وانتهاء بالحديث عن أن الروح الأمين جبريل عليه السلام، يتنزل فى ميدان رابعة، أو أن الرئيس المعزول يؤم الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى الصلاة، والزعيق بأن «مرسى راجع».
ولا ننسى هنا ما قاله الدكتور جمال عبدالهادى من «إن الدكتور عبدالعزيز سويلم أحد العلماء الصالحين شاهد 8 حمامات خضراء على كتف الدكتور محمد مرسى فأولَها بأن مرسى سيكمل مدة 8 سنوات».
الأكاذيب لا تنتهى.
ومن ذلك قول رئيس اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال المهربة الدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والبرلمانية فى حكومة الإخوان، إن نصيب كل فرد بمصر من هذا المال المنهوب هو ألف دولار.
ولنمر سريعًا على قول مقدم برامج تليفزيونية إن الإخوان المسلمين هم سبب سقوط الأندلس، وتصريحات المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقًا التى قالت فيها إن شقيق الرئيس الأمريكى باراك أوباما ينتمى للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان.
إلا أن وتد المؤامرة غرس نفسه بقوة وشراسة فى أرض مصر طوال السنوات الثلاث التالية للثورة.
فقد فاجأ الملحن والمطرب عمرو مصطفى جمهوره بظهوره فى برامج رمضان بعد الثورة، فى أغسطس 2011، متحدثًا عن أنها كانت مؤامرة، بدليل الرسائل الخفية فى الإعلانات.
قال عمرو مصطفى إن الشركات الأمريكية هى التى دفعت الناس لثورة يناير، وعلق على إعلان بيبسى قبل الثورة قائلًا: «إيه اللى دخل المشروب فى كلمة «عبر مين قدك»؟ وبعدين يعنى إيه 125 سنة؟ أنا قالولى بره مفيش حاجة عندنا اسمها 125 سنة أصلًا، عايز تقولى 24 واحد؟ أنت بتلاعبنى بالأرقام؟ هلاعبك. لا يا عدوى أنا فاهمك كويس».
وأشار مصطفى إلى أن إعلان فودافون صاحب شعار «القوة بين إيديك» حمل رسالة مشابهة، أما إعلان «اتكلم واشرب» فهو سخرية مما أوصلوا له المصريين.
سامح أبو عرايس أدخل تلك الهواجس المتعلقة بالمؤامرة نفقًا جديدًا.
على صفحته بموقع فيسبوك، قال: إن إعلان كوكاكولا فى رمضان 2012 «اتجنن» ملىء برسائل إسرائيلية إلى مصر، حيث فسر مشاهده كلها، فى إطار نظرية المؤامرة.
ثم حان الدور على إعلان شيكولاتة «فريسكا».
اعتبر سامح أبو عرايس أن الإعلان يحمل رسالة من الماسونية لتهديد الرئيس المعزول محمد مرسى كى ينفذ مطالبهم، وأن غلافها يحمل أشكالًا ماسونية واضحة.
كما قدم سامح تفسيرًا مشابهًا لإعلان فريسكا الثانى الخاص بالقرود (راحت عليكى يا زوزو)، حيث اعتبرها رمزًا ماسونيًّا للبشر منذ الفيلم الأمريكى «كوكب القرود».
فى موسم إعلانات رمضان 2013، عاد سامح أبو عرايس إلى الواجهة بتفسيراته الغريبة.
فقد كتب على صفحته بموقع فيسبوك أن «إعلان بيبسى اللى الناس فرحانين بيه، اللى بيظهر فؤاد المهندس ونيللى، إعلان ماسونى بشع يهدد بعدد كبير من الأشخاص يموتون فى رمضان».
بعد أيام قليلة من ثورة 25 يناير، ظهرت شخصية الشاب المعروف باسم «أحمد سبايدر»، عبر تأسيسه لصفحة «وائل غنيم عميل وبالدليل» على موقع فيسبوك.
وسبايدر، شاب فى مقتبل العمر، سعى بكل الطرق للانضمام إلى عالم الشهرة؛ لاحق نجوم كرة القدم المصريين والأفارقة ليظهر فى صور تذكارية معهم، وحاول من قبل أن يكون مغنيًا لموسيقى الراب فلم يفلح، وجرب أن يكون إعلاميًا فلم ينجح، وقدم نفسه كأحد خبراء الماسونية العالمية فلم يصغ إليه أحد بأى قدر من الاهتمام والاحترام. وفى عالم الساسة، عرَّف نفسه بصفته ناشطًا سياسيًا فلم يلمع اسمه، وتصدر صفوف المدافعين عن الرئيس الأسبق حسنى مبارك والمؤيدين لترشح الفريق أحمد شفيق فى انتخابات الرئاسة، فلم ينل سوى سخرية المستهزئين بمواقفه وآرائه السياسية.
قدم «سبايدر» فى صفحته أدلة بالصور على ما يقول إنها علامات انضمام وائل للماسونية العالمية، مثل إشارته بيده بعلامة النصر التى تشبه رمزًا ماسونيًّا، و«الحظاظة» التى يرتديها، والتى تشير لدرجته فى الماسونية، وارتدائه «تى شيرتات» عليها رمز الأسد ومكتوب تحته «اسكوتش»، أى اسكتلندا، وهى منشأ الماسونية.
وعلى الرغم من تفنيد البعض لمزاعم «سبايدر»، فقد أثارت الصفحة التى أسسها جدلاً واسعًا شمل مئات الآلاف من رواد موقع فيسبوك، حتى كان ظهوره الإعلامى الأول فى إبريل 2011، فى البرنامج الذى يقدمه توفيق عكاشة على قناة الفراعين، واشتهر بعبارته «وائل غنيم ده عاملى خرم فى دماغى!».
ويبدو أن ثقب الأوزون اتسع كثيرًا بعد ثلاث سنوات.
ففى مطلع 2014، وقف الجميع ذاهلين ومذهولين أمام الصراع بين شخصية كرتونية خيالية ووهمية اخترعت عام 2010 وبين الشاب «أحمد سبايدر».
عبثية الصراع بين فاهيتا وسبايدر زادت عندما أصبح الأمر فجأة قضية أمن قومى على الطريقة المصرية، ومادة دسمة للصخب الإعلامى. فقد استضيف سبايدر فى أكثر من لقاء تليفزيونى ليشرح كيف اكتشف أبعاد تلك المؤامرة الخفية، وكيف فك شيفرة سرية تستخدمها جماعات عنف عبر إعلان لشركة اتصالات.
كان هناك من تعامل تليفزيونيًا مع أحمد سبايدر بمنتهى الجدية لدرجة تحذير الناس والصراخ للفت انتباه السلطات إلى خطر مخيف مغلف برموز سرية ورسائل فى إعلان أبلة فاهيتا. بدأ المصريون ينقسمون ما بين مؤيد لأحمد سبايدر والمؤامرة المحتملة فى الإعلام، ورافض، غير مقتنع بهذه الحكاية، لكن دون أن يحول ذلك عن الاهتمام بها باعتبارها موضوعًا مسليًا يفتح شهية المشاهدين والمتابعين فى عالم الفرجة. فريق ثالث بدأ يوظف الحكاية كالعادة لاستنباط المزيد من النكات والتعليقات الساخرة، وكأن هذا هو ما نملكه دائمًا ونقدر عليه فى أوقات الارتباك ولحظات اللامعقول. وفريق رابع كان معارضًا لما يحدث، لكنه بدأ يراجع نفسه وتنتابه شكوك حقيقية فى أن هذا الإعلان قد لا يكون فعلاً مجرد إعلان وإنما شيفرة حقيقية ورسالة سرية لجماعات إرهابية.
وما بين الهزل والجدل، والانقسام فى المواقف والآراء من هذه الحكاية الغريبة، خرج استطلاع للرأى أجراه الموقع الإلكترونى لإحدى الصحف اليومية بنتيجة مفادها أن 28% من المشركين فى الاستطلاع وافقوا على التحقيق مع «أبلة فاهيتا» باعتبارها «جاسوسة»، و46.1% رفضوا، بينما أبدى 25.9% عدم اهتمامهم .
ضمت الحكاية كل مفردات وعناصر التشويق فى مصر الحالية المغلوبة على أمرها الفاقدة لعقلها.. مؤامرة وشيفرة سرية، ورسالة داخل إعلان، وشركة اتصالات كبرى، وتحليل غير مألوف لمفردات عادية مثل جراج وحارس ومرحوم، وشاب يتحدث عن مؤامرة، وإعلاميين يجلسون أمامه تسكنهم الدهشة والانزعاج والفرحة الطاغية باعتبارهم باتوا الآن شركاء فى كشف واحد من أخطر جرائم العصر فى مصر.
بل وبلغ الأمر فى برنامج آخر أن يجلس مسئول كبير سابق فى المخابرات المصرية، هو اللواء ثروت جودة، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، ليؤكد صحة هذه المؤامرة وخطورتها، قائلًا إن «أبلة فاهيتا» هى أصلًا مجرد شيفرة يتبعها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحركة 6 إبريل معًا. بل إن هذا المسئول الاستخباراتى السابق أكد أيضًا أن خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، المحبوس على ذمة قضايا - حينذاك- هو الذى أعطى الأمر باستخدام «أبلة فاهيتا» وغيرها لنشر العنف والفوضى فى البلاد.
انشغل الجميع بقضية «أبلة فاهيتا»، التى تبحث وابنتها «كركورة» عن شريحة زوجها المرحوم، وتحويل القضية التى تتهم فيها شركة «فودافون»، صاحبة الإعلان باستخدام شخصية «الدمية» لتوصيل رسائل مشفرة للجماعة حول تفجيرات وإحالتها للنائب العام للتحقيق فيها، فيما يشبه الكوميديا السوداء.
شغلت هذه الحكاية الغريبة أيضًا صحف العالم ووكالات الأنباء.
فى أحد عناوينها تحدثت مجلة «إيكونومست» عن «موسم السخافة فى مصر». الموضوع الأساسى للمقال هو اللغط الذى أثير فى مصر وتحقيقات النائب العام بخصوص الإعلان الترويجى الذى استعانت به شركة الهاتف المحمول الشهيرة للدعاية لمنتجاتها، وبطلة الإعلان «أبلة فاهيتا»، التى تُجرى حوارات اعتبرها البعض محملة برسائل ورموز مشفرة تضمنت توجيهات لها علاقة بالعمليات الإرهابية.
مقال «إيكونومست» يعبر عن الدهشة إزاء المستوى الذى وصل إليه الهوس الأمنى فى مصر، الذى بدا أقرب إلى السَفَه والعبط منه إلى اليقظة والحذر. ويشير المقال إلى أنه فى بلد مضطرب سياسيًا مثل مصر، حيث يصبح أخيار الأمس أشرار اليوم، والعكس صحيح، فإنه من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال. إلا أنه من الواضح - حسب المجلة- أن العديد من الصحف المصرية لا تبذل جهدًا يُذكر لاستجلاء الأمور.
تشير المجلة مثلًا إلى خبر نشره موقع إخبارى عربى ساخر يزعم أن شرطة مكافحة الشغب السويدية اختبرت بنجاح غازًا يثير الضحك للسيطرة على الحشود، حتى أن محتجين سقطوا أرضًا وهم يقهقهون. ومن شأن فحص سريع على محرك البحث غوغل التأكد من عدم صحة الخبر، ومع ذلك فإن ست صحف قاهرية على الأقل نشرت الخبر كما لو أنه صحيح، وتحدثت عنه صحف أخرى أو نسبته إلى «تقارير وكالات الأنباء» أو «خدمة إخبارية سويدية».
وإذا كان كثيرون قد سخروا من الضجة المفتعلة حول أبلة فاهيتا، فإنه يبدو أن الحكومة وأطرافًا فى الإعلام الأمنى والنيابة العمومية أخذت المسألة على محمل الجد. ونظرًا للحملة المكثفة ضد جماعة الإخوان المسلمين من قبل الحكومة، وجهود الصحافة المصرية الموالية كأنها تطارد الساحرات، لم يعد من المستغرب أن العديد من المشاهدين أخذوا هذه الاتهامات المرسلة على محمل الجد.
موقف قوبل من جانب المعلقين فى مواقع التواصل الاجتماعى بدرجات مختلفة من الدهشة والسخرية، الأمر الذى يحير المرء ويدفعه إلى التساؤل عن مدى تعبير هذا الموقف أو ذاك عن حقيقة المزاج الشعبى فى مصر.
أما صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فقد نشرت تقريرًا بعنوان «أحدث المشتبه فى صلتهم بالإرهاب فى مصر: أبلة فاهيتا»، قالت فيه إن التحقيق مع الدمية إشارة قوية على مناخ الخوف والبارانويا المسيطر على مصر فى الفترة الأخيرة.
ورغم أن وكالة «أسوشييتد برس»، التى أعدت تقريرًا مطولًا عن الواقعة، لم تسخر من القضية وصاغتها بمفردات غاية فى الجدية، وبدأت تقريرها بشكل خبرى عن تحويل النائب العام القضية للتحقيق، فإن سردها المطول للواقعة ومحتوى الفيديو، فاق أى سخرية كان يمكن للوكالة العريقة أن تستعملها، فى تقرير اختلط فيه الجد بالهزل.
أوردت الوكالة فى تقريرها حوادث مماثلة لتلك القضية مثل القبض على طائر مهاجر وحمامة قيل إنها تحمل ميكروفيلم فى 2013، والقرش الذى هاجم السياح بشرم الشيخ فى 2010، وقالت إن هناك أجواء هستيرية بمصر حول التجسس والمؤامرات الخارجية.
القصة ألهبت وسائل التواصل الاجتماعى فى مصر ولفتت انتباه وسائل الإعلام العالمية، حتى أن موقع بى بى سى العربى اختار لتقريره عن هذه المسألة عنوان: «أبلة فاهيتا».. قصة الدمية التى «تهدد الأمن القومى فى مصر».
وأصدر مكتب النائب العام بيانًا حول القضية قال فيه إن «إعلانًا تجاريًا منسوبًا لشركة فودافون للاتصالات تحت اسم (شريحة المرحوم) تضمن عبارات ورموزًا بطريقة تخالف ما جرت عليه العادة فى الإعلانات التجارية». وأضاف أن «النيابة العامة أمرت باستدعاء المدير الإقليمى المسئول عن شركة فودافون فى مصر لاستيضاح الأمر وكلفت قطاع الأمن الوطنى والجهات المختصة بإجراء التحريات بشأن البلاغ».
فى المقابل نفى ممثل فودافون فى مصر خالد حجازى كل هذه الاتهامات أمام الإعلام، وقال إن المسألة ليست جدية وإن الدمية «أبلة فاهيتا» وظفت فى إعلان تجارى محض لتشجيع الزبائن على اقتناء الشريحة الجديدة ليس إلا. وأضاف بيان شركة «فودافون» أن «الإعلان لا يحمل أية معان أخرى، وأن أية تفسيرات أخرى له هو محض خيال أو الرأس الشخصى لبعض المشاهدين».
وقالت «أسوشييتد برس» إن المدافعين عن الحكومة غالبًا ما يلمحون إلى مؤامرات أجنبية ضد الدولة قادت إلى ما يسميه بعض النشطاء لخلق أجواء يمكن أن نسميها «بهستيريا الجواسيس».
وأوردت الوكالة فى تقريرها، حادثة القبض على أحد الطيور المهاجرة فى أغسطس 2013 واحتجازه للشك فى أنه جاسوس، بعد أن عُثِرَ على جهاز إلكترونى ملتصق بحسمه، واتضح بعد ذلك أنه جهاز لتعقب الطائر نفسه ليس إلا.
وذكرت الصحيفة أيضًا حادثة القبض على حمامة قيل إنها تحمل ميكروفيلم، وعادت الصحيفة للتذكير بحادثة من عام 2010 حين عزت السلطات قيام سمكة قرش بمهاجمة المصطافين بشرم الشيخ إلى كونه مؤامرة إسرائيلية .
وإذا كان «سبايدر» قد صاح فى مواجهته التليفزيونية مع غريمته الدمية «هسجنك يا أبلة فاهيتا»، فإنه لم يكن الوحيد الذى تسكنه هواجس المؤامرة وتتملكه الرغبة فى تفسير ما لا يفسر.
هذا الملف برمته يطلق صافرة إنذار طويلة لجميع القائمين على الشأن الإعلامى؛ لأننا إذا لم ننتبه للأمر ونعالجه كما ينبغى، سندخل فى دوامة لا نهاية لها من التشكيك فى كل ما يقدمه الإعلام، وسيكون الدليل دائمًا حكاية «أبلة فاهيتا»، وكيف أن الإعلام ليس كاذبًا وحسب، بل مجنونًا ومخرفًا ولا يليق لعاقل أن يتابعه ويعتمد عليه، ومن ثم تكون العودة مجددًا لمصادر أخبار خارجية، تمامًا كما كان يحدث قبل أكثر من نصف قرن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.