شهد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، اليوم الثلاثاء، يرافقه الدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، وميادة مجدي الممثل الأول الإقليمي للوكالة اليابانية للتعاون الدولي في مصر (جايكا)، أعمال تثبيت أول قطعة خشبية مُرمَّمة من ألواح مركب الملك خوفو الثانية على الهيكل الخشبي المُعد خصيصًا، في خطوة تمثل انطلاق المرحلة الأهم من مشروع إعادة تركيب المركب داخل متحف مراكب خوفو بالمتحف المصري الكبير. شارك في الفعالية الدكتور خالد حسن نائب الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير للشؤون الأثرية، والدكتور عيسى زيدان مدير عام ترميم الآثار ونقل القطع بالمتحف، إلى جانب عدد من قيادات المتحف وخبراء الترميم من الجانبين المصري والياباني. وأعرب وزير السياحة والآثار عن سعادته وفخره بهذا الحدث العلمي والأثري، مؤكدًا أن المشروع لا يقتصر على إعادة تركيب مركب أثري فحسب، بل يمثل إحياءً حقيقيًا لفصل بالغ الأهمية من عبقرية المصري القديم. وأشار إلى أن المشروع يُعد من أضخم وأهم مشروعات ترميم الآثار في القرن الحادي والعشرين، لما يحمله من قيمة تاريخية وإنسانية، وما يعكسه من تقدم علمي وتقني في مجال صون التراث. وثمّن الوزير التعاون الوثيق والممتد بين مصر واليابان في مجال العمل الأثري، موضحًا أن مشروع مركب خوفو الثانية يجسد نموذجًا ناجحًا للشراكة العلمية الدولية القائمة على تبادل الخبرات وتطبيق أحدث الأساليب العلمية في الترميم والحفظ. وأوضح شريف فتحي أن تنفيذ أعمال الترميم وإعادة التركيب داخل متحف مراكب خوفو يتيح لزائري المتحف تجربة فريدة، حيث يمكنهم متابعة مراحل العمل العلمي والهندسي لحظة بلحظة، في تجربة تجمع بين المعرفة العلمية والمتعة البصرية. وأشار إلى أن أعمال التركيب من المقرر أن تستغرق نحو أربع سنوات حتى الانتهاء من إعادة تجميع المركب بالكامل. وأكد الوزير أن هذه التجربة الجديدة تمثل إضافة نوعية للسياحة الثقافية في مصر، وتسهم في جذب شرائح جديدة من الزائرين المهتمين بالعلم والتراث والتجارب التفاعلية، مشيرًا إلى أن المتحف المصري الكبير يقدم قصة علمية وإنسانية متكاملة تجعل الزائر شريكًا في رحلة الاكتشاف والترميم. من جانبه، أكد الدكتور أحمد غنيم أن المتحف يشهد تجربة عرض متحفي فريدة عالميًا، تقوم على عرض الأثر ومراحل ترميمه أمام الجمهور، بما يسمح للزائر برؤية القطعة الأثرية منذ لحظة اكتشافها وحتى إعادة إحيائها. وأوضح أن هذه التجربة تمثل نقلة نوعية في مفاهيم العرض المتحفي الحديثة، إذ تروي قصة علمية وإنسانية طويلة تمت وفق أسس علمية دقيقة. تحديات ترميم المركب وأشار غنيم إلى أن الحالة التي كانت عليها المركب عند اكتشافها كانت شديدة التدهور، ما جعل عملية ترميمها تحديًا علميًا كبيرًا، نجح الفريق المصري–الياباني المشترك في تجاوزه بكفاءة عالية، في تجسيد واضح لالتزام المتحف بالحفاظ على التراث للأجيال القادمة. تفاصيل فنية لأعمال الترميم وأوضح الدكتور عيسى زيدان أن فريق العمل انتهى من أعمال الترميم النهائي لجميع أجزاء المركب، التي بدأت منذ عام 2022، عقب استخراج القطع الخشبية من موقع اكتشافها بالحفرة الجنوبية المجاورة لهرم الملك خوفو، وترميمها داخل معامل الترميم المتخصصة بالمتحف. وأكد أن جميع أعمال التجميع وإعادة التركيب تتم داخل مبنى مراكب الملك خوفو الجديد. مشروع ممتد منذ عقود ويُعد مشروع مركب الملك خوفو الثانية من أبرز مشروعات الترميم الأثري في العصر الحديث، إذ بدأ منذ اكتشاف حفرتي المراكب عام 1954. فبينما أُعيد تركيب المركب الأولى وعُرضت للجمهور، ظلت الحفرة الثانية مغلقة لعقود حفاظًا على بيئتها الداخلية، قبل انطلاق المشروع المصري–الياباني عام 1992 بخطة علمية متكاملة. وشملت مراحل العمل إنشاء منشآت حماية ومعامل ترميم متخصصة، ورفع أحجار الغطاء الجيري الضخمة، ودراسة مظاهر التلف التي لحقت بالأخشاب عبر آلاف السنين، إلى جانب توظيف أحدث تقنيات التوثيق، مثل التصوير والرسم والمسح ثلاثي الأبعاد، حيث جرى استخراج نحو 1650 قطعة خشبية كانت مرتبة داخل 13 طبقة. خصائص المركب ودلالاته التاريخية ويبلغ طول مركب خوفو الثانية نحو 42 مترًا، ويتميز بخصائص إنشائية ووظيفية تختلف عن المركب الأولى، من بينها عدد المجاديف والعناصر المعدنية المصاحبة، بما يعكس دقة التخطيط والتنظيم في صناعة السفن لدى المصريين القدماء خلال عصر الأسرة الرابعة. ويؤكد المشروع ما بلغه المصري القديم من تقدم هندسي ومعرفي في بناء السفن، ويعمّق فهم الدور الرمزي والجنائزي للمراكب الملكية، كما يجسد ريادة الخبرة المصرية في صون التراث الإنساني وأهمية التعاون الدولي في إحياء كنوز الحضارة القديمة. تم نسخ الرابط