في يوم تاريخي جديد يضاف إلى سجل إنجازات المتحف المصري الكبير، فُتحت أبواب متحف مراكب الملك خوفو أمام الزوار للمرة الأولى، ليمنحهم فرصة فريدة لاستكشاف أحد أعظم الاكتشافات الأثرية في تاريخ البشرية. هذا المتحف المذهل يقدم تجربة بصرية وعلمية غير مسبوقة، تُعيد للحياة مراكب الشمس التي صاحبت الملك خوفو في رحلته إلى الخلود منذ أكثر من 4500 عام. شهد المتحف المصري الكبير اليوم أول جولة داخل متحف مراكب الملك خوفو، أحد أهم الإضافات الجديدة في عالم المتاحف النوعية، حيث اصطف الزوار أمام القاعة الجديدة مبهورين بعظمة المشهد الذي يجمع بين عبق التاريخ ودقة العرض المتحفي الحديث. ويضم المتحف مركبي الملك خوفو الأولى والثانية، وهما من أقدم وأضخم الآثار العضوية في التاريخ الإنساني، واللتان تعودان إلى عهد بناء الهرم الأكبر بالجيزة. اقرأ أيضًا | «خبير أثري»: الإقبال على المتحف الكبير تجاوز التوقعات يبدأ سيناريو العرض من المنطقة الخارجية للمتحف، حيث استقبل الزوار مشهدًا مهيبًا يجسد نهر النيل في تصميم فني مبتكر نفذه اللواء عاطف مفتاح، المشرف العام على مشروع المتحف. يتوسط المشهد تمثال ضخم للإله حابي، رمز النيل والخصب في المعتقد المصري القديم، تحيط به عشرة تماثيل للإلهة سخمت، رمز القوة والحماية. هذا المشهد الذي يحاكي تدفق النيل وعلاقته بالحياة والبعث في الفكر الفرعوني جذب أنظار الزائرين، الذين حرصوا على التقاط الصور التذكارية قبل دخول القاعة. داخل المتحف، تبدأ الرحلة الزمنية التي تسرد قصة مراكب الملك خوفو، حيث تعرّف الزوار إلى الدور المقدس الذي لعبه نهر النيل في حياة المصريين القدماء، ثم ينتقلون إلى عرض توثيقي لعمليات اكتشاف المراكب بجوار الهرم الأكبر، وتقنيات نقلها وترميمها الدقيقة التي استمرت سنوات طويلة من العمل العلمي المتقن. ويُعد عرض المركبين الملكيين جنبًا إلى جنب لأول مرة في التاريخ إنجازًا أثريًا فريدًا، يجسد عبقرية الصانع المصري وقدرته على المزج بين الفن والدين والهندسة في بناء مراكب الخلود. فبعد عملية نقل دقيقة ومعقدة، استقرت مركب خوفو الأولى في موقعها الجديد داخل المتحف، بعد أن خضعت لعمليات ترميم وتأهيل وفقًا لأحدث المعايير العلمية العالمية. أما مركب خوفو الثانية، فقد اكتملت عملية استخراج ألواحها الخشبية البالغ عددها 1,650 لوحًا من موقعها الأصلي بجوار الهرم الأكبر، وتخضع حاليًا لمرحلة الترميم وإعادة التركيب داخل المتحف بالتعاون مع الجانب الياباني. ويتيح العرض المتحفي للزوار مشاهدة عملية إعادة تجميع القطع أمامهم مباشرة، في تجربة تفاعلية فريدة من نوعها، تُظهر كيف يُعاد بناء مركب ملكي أمام أعين الجمهور. ويضم المتحف أيضًا نموذجًا مطابقًا للحفرة الأصلية التي اكتُشفت فيها المراكب، بالإضافة إلى 18 كتلة حجرية أثرية تحمل نقوشًا ورسومًا أصلية تركها العمال المصريون القدماء أثناء بناء الهرم الأكبر، إلى جانب خراطيش الملوك خوفو وجدف رع، مما يمنح الزائرين تصورًا واقعيًا لموقع الاكتشاف الأصلي ومراحل العمل القديمة. وأكد الدكتور حسن كمال، مدير مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير في تصريحات ل«بوابة أخبار اليوم»، أن هذا المتحف الجديد يشكّل علامة فارقة في مفهوم العرض المتحفي على مستوى العالم، مشيرًا إلى أن مراكب خوفو تمثل "أقدم وأعظم تحفة عضوية عرفها التاريخ"، وأن عرضها في مشهد موحد داخل المتحف الكبير هو إنجاز علمي وثقافي غير مسبوق. بهذا الافتتاح، يضيف متحف مراكب الملك خوفو فصلًا جديدًا إلى تاريخ المتحف المصري الكبير، مقدّمًا تجربة استثنائية تمزج بين العلم والتاريخ والفن، وتعيد للأذهان روعة الفكر المصري القديم الذي استطاع أن يجعل من الخشب مركبًا للخلود ومن النيل طريقًا إلى الأبدية.