كارثة حقيقة تهدد أرواح المواطنين بقرية أبوزعبل بالقليوبية، وتجعلهم فريسة للأمراض الوبائية، والمزمنة، الكارثة صنعها النظام السابق، عندما أعطى الفرصة لرجل الأعمال الشهير شريف الجبلى، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، ليشترى شركة أبوزعبل للأسمدة والكيماويات، والتى تم إلحاقها بقطار الخصخصة على يد نجل الرئيس السابق جمال مبارك، حيث قيل إنه تم تذليل كافة العقبات أمام الجبلى ليتمكن من الحصول على الشركة "برخص التراب"، بعد إغراقها فى بحور من الخسائر التى تتراكم بها الديون على الشركة والتى تثقلها بما لا تطيق، والجبلى لم يتوان لحظة فى اقتناص الفرصة، التى كانت غائبة عنه لولا أنه كان يمتلك شبكة علاقات، حميمة مع رؤوس النظام السابق، خاصة بعدما تقلد شقيقه الدكتور حاتم الجبلى مسئولية حقيبة وزارة الصحة، وعلى الرغم من أن المصنع مقام على الطريق، ويجاور مبنى منطقة سجون أبوزعبل، والهندسة الإذاعية التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، فضلا عن أن المصنع تواجهه فى المنطقة المقابلة أراضى زراعية، فلم تظهر شكوى واحدة من الأهالى أو المزارعين بشان المصنع، فالأراضى الزراعية كان يميزها اللون الأخضر، الذى يكاد لا يغيب عنها، كما أن أحدا لم يشك من الأتربة، أو الأدخنة الناجمة عن المصنع، فكان الأمر لا يضر أحدا، حتى انتقال ملكية المصنع من أسطول مصانع القطاع العام إلى شريف الجبلى، الذى تحول المصنع على يديه وبمعرفة رجاله إلى أكبر وأهم مورد للأمراض الوبائية، التى لم تفرق أبدا بين إنسان، وحيوان، أو حتى الزرع، فالكل على حد سواء، أصابه الوباء الذى انتشر بفعل المواد الكيماوية التى تم إضافتها وبكميات كثيفة، على مراحل الإنتاج، والغريب فى الأمر أن الجبلى أحاط أهالى عزبة شكرى بمصنع الأسمدة من ناحية ومن الأخرى بمصنع الشبه . وبعد تعدد شكاوى الأهالى من المصنع، انتقلت "الموجز" إلى مقر الشركة، وبمجرد المرور من أمام المصنع، قد تصيبك حالة من الاختناق، فجميع السيارات التى لا بديل لها عن المرور من أمام المصنع، أغلق سائقوها كافة النوافذ خوفا من أن تتسرب إليهم الرائحة النفاذة، أو الأدخنة المميتة، وعلى الرغم من هذا الوصف إلا أن هناك أشخاص يتعايشون بجوار المصنع، ويستنشقون أدخنته بسمومها القاتلة، التى تخفى الهواء النقى بشهيقه وزفيره عنهم، والتى تخترق مساكنهم لتصيب أفراد الأسرة من الزوجة والأبناء، وإن كانت هناك رؤوس ماشية، ووسط هذا الضباب الدخانى، ورائحة المواد الكيماوية والكاوية، كانت لنا هذه الجولة بين الحقول الزراعية التى غلب عليها اللون الأصفر، والأبيض الكثيفين، واستمعنا خلال جولتنا إلى صرخات واستغاثات ضحايا شريف الجبلى فى أبوزعبل، والذين يتذوقون الأمرين –على حد وصفهم- كل لحظة منذ أن انتقلت ملكية المصنع إلى الجبلى . فى بداية الجولة، شاهدنا مبنى قديم يبدو أنه مزرعة دواجن، مهجورة، وبسؤال سكان المنطقة، أكدوا أن المزرعة كانت تعمل بكامل طاقتها، وكانت صاحبة سمعة طيبة على مستوى المحافظة، كما أنها كانت تنتج الدواجن، قبل قدوم الجبلى إلى مصنع الأسمدة المواجهة للمزرعة، وأضاف الأهالى، أن الدواجن، رفعت الراية البيضاء أمام الجبلى، حيث لم تتحمل كميات مادة الكبريت، والمواد الكيماوية التى أصر الجبلى على استخدامها بغزارة، ليزيد من إنتاجية مصنعه، دون أن يراعى حقوق جيرانه من المزارعين وسكان المنطقة، وأشار الأهالى إلى أنه تم تهجير مزرعة الدواجن بعد نفوق انتاجيتها، على إثر قيام الجبلى بشراء مصنع الأسمدة الذى يفصله عن المزرعة طريق الإسماعيلية الزراعي، ومصرف مائى يستخدمه المصنع كمصرف يتم تسريب مخلفات المصنع الناتجة عن مراحل الإنتاج فيه فى الوقت الذى يستخدم المزارع هذه المياه ليروى الحقل . ويجاور مزرعة الدواجن مجموعة من المنازل لا تتعدى 10 منازل، مقامة وكأنها تشبه "الخص" وتظهر على جدرانها اللون الأصفر الناتج عن المواد الكيماوية التى يستخدمها مصنع الأسمدة، فى الإنتاج، وأمام هذه المنازل خرج الصغار يلعبون الكرة، وتحيطهم الأدخنة، والأتربة، التى ينتجها المصنع، حدثنا رجل عجوز وهو يرفع يده إلى السماء، ويردد قائلا : حسبى الله ونعم الوكيل، فى صاحب المصنع، وأضاف أن المصنع أصاب أهالى العزبة بالأمراض الوبائية، من أطفال وشيوخ، وحتى الأراضى الزراعية أصابها البوار، والمحاصيل أحرقتها المواد الكاوية، التى اعتاد المصنع استخدامها فى أيام العطلات الرسمية، ويومى الخميس، والجمعة، حتى لا يتم رصد أعمال المصنع التى تصيب الجميع بالأمراض الصدرية والسرطانية . وبجوار مزرعة الدواجن التى تم تهجيرها، شاهدنا مدرسة عزبة عزت باشا للتعليم الأساسى، والتى أكد لنا الأهالى أن تاريخ إنشائها لا يزيد على الخمس سنوات، إلا أنه برؤيتها وهى محاطة بالأتربة الكثيفة، التى تهاجم الطلاب، والمعلمين، قبل المبانى، يمكن القول بأنه تم بناؤها منذ عشرات السنوات، وما يثير الدهشة بشأن المدرسة، أنه عندما تصاعدت شكاوى الأهالى من المصنع وما يجلبه لهم من أمراض مزمنة، ووبائية، قامت إحدى الإدارات التابعة لوزارة البيئة بوضع جهاز لقياس نسبة التلوث التى ينتجها المصنع للبيئة المجاورة له، واستقبل الأهالى هذا النبأ بالفرحة آملين أن تعمل أجهزة البيئة على رصد الحقائق التى أغفلتها أجهزة الدولة الأخرى، إلا أن هذا لم يحدث، وهنا ظن الأهالى أن إدارة المصنع –مثلما اعتادت على تقديم الهدايا والأموال للبعض للتستر على جرائم المصنع فى حق الإنسان والحيوان والنبات- أقنعت مسئولى البيئة بطريقة أو بأخرى لإغفال خطايا المصنع، إلا إنهم اكتشفوا بطريق الصدفة، أن أحد مسئولى المصنع لديه القدرة على الصعود إلى سطح المدرسة، وإغلاق جهاز رصد التلوث البيئى فى المنطقة حتى لا يسجل شيئا، فى الوقت الذى يتم إضافة المواد الكاوية خلال مراحل الإنتاج، وبهذه الطريقة تضمن إدارة مصنعى الأسمدة والشبه، ألا يثبت عليها أحدا أنها تلوث البيئة، حيث أنه يتم الاسترشاد بنتائج الرصد البيئى الذى يسجله الجهاز، الذى تتحكم فيه إدارة المصنع، بالمخالفة الصارخة للقانون . وما يدلل على هذه الواقعة التقرير الذى تناولته الأيادى للتأكيد بالمخالفة للواقع على أن المصنع صديق للبيئة، حيث أصدرت وزارة البيئة أحد تقاريرها بعنوان مجهودات شركة أبوزعبل للأسمدة في توفيق أوضاعها البيئية من خلال مشروع التحكم في التلوث الصناعي، حيث جاء فى مقدمة التقرير أن شركة أبوزعبل للأسمدة والمواد الكيماوية تعد من الشركات الرائدة بمصر في مجال صناعة الأسمدة الفوسفاتية، وأنها المعنية بإنتاج حمض الفوسفوريك وسماد السوبر فوسفات الثلاثي في مصر. وأورد التقرير أن الشركة واجهت مجموعة من المشكلات البيئية منذ الثمانينات والتي ظهرت بوضوح مع صدور قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، حيث لم تكن هناك معايير بيئية أو قوانين منظمة عند إنشاء هذه المصانع، فكانت آخر وحدة انتاجية تم انشاؤها قبل الخصخصة عام 1984، كما لفت التقرير إلى أنه في إطار تنفيذ برنامج الدولة للخصخصة تم تحويل الشركة من شركة تابعة لقطاع الأعمال طبقا لقانون 2003 إلي شركة مساهمة طبقا للقانون 109، في يوليو 2004، موضحا أنها استعانت بالمعمل المركزى لجامعة عين شمس لتحديد القياسات البيئية اللازمة لتحديد الموقف البيئى الحقيقى لمصانع الشركة كخطوة أساسية فى إعداد خطة توفيق الأوضاع البيئية في اغسطس 2004. وأكدت نتائج هذه القياسات – على حد رصد تقرير البيئة- أنها تقدمت باستمارة المشاركة لمشروع التحكم فى التلوث الصناعى المرحلة الثانية فى يناير 2007 من خلال وزارة الدولة لشئون البيئة لتمويل مشروعات الحد من انبعاثات الاتربة والانبعاثات الغازية بالبيئة المحيطة بالمصنع وبيئة العمل، وتم تعيين خبير فنى لإعداد دراسة المراجعة البيئية للشركة ولتحديد المشروعات المقترح تمويلها. وبلغ إجمالى المشروعات البيئية بالشركة 17 مشروعا بإجمالى تمويل 22 مليون دولار، وذلك من خلال تنفيذ خطة توفيق الاوضاع البيئية للشركة والتى تم دراستها مع الوزارة ومن المقرر أن تنتهي فى منتصف 2010 . وأضاف التقرير قيام جهاز شئون البيئة من خلال مشروع التحكم فى التلوث الصناعى بتمويل 10 مشروعات باجمالى 15 مليون دولار، وقامت الشركة بتمويل باقى المشروعات ذاتيا ومنها المشروعات البيئية التى تم تمويلها من خلال مشروع التحكم فى التلوث الصناعى بتكلفة إجمالية 15 مليون دولار، والمتمثلة فى إعادة تأهيل مصنع حمض الفسفوريك, وبرج تبريد, وإعادة تأهيل طواحين لوبلكو, وسيور ناقلة وميزان, وإعادة تأهيل نظام إزالة الاتربة، ونظام التشغيل الخاص بطواحيين لوبلكو, وتركيب مبادل حرارى, وسيور ناقلة لخام الفوسفات, وطلمبات جديدة, واستبدال 5 طواحين برادلى بطاحونتين تعملان بتكنولوجيا أكثر نظافة, وإعادة تأهيل طواحين نيومان. وأضاف التقرير أنه جاري العمل في هذه المشروعات ومن المنتظر أن يتم الانتهاء منها خلال النصف الأول من عام 2010. ولفت إلى قيام الشركة بتمويل مشروعات بيئية من خلال الموارد الذاتية للشركة بتكلفة إجمالية بلغت نحو 7 مليون دولار فى نقاط مختلفة من المصنع ويتمثل العائد البيئى للمشروعات التي يتم تنفيذها من خلال خطة توفيق الأوضاع في تقليل إنبعاثات فلوريد الهيدروجين وتقليل إنبعاثات الأترية الكلية. وعلى الرغم من تأكيدات بعض المسئولين أن المصنع صديق للبيئة إلا أن الحقيقة –مثلما قمنا برصدها ترصد غير ذلك- حيث أشار الأهالى إلى قيام إدارة المصنع بحفر خط صرف من داخل المصنع، ليصب مخلفات مراحله الإنتاجية فى المصرف المائى الذى يعتمد عليه مزارعى القرية لرى محاصيلهم الزراعية، بما يهدد حياة المواطن المصرى فيما بعد بالمخاطر، حيث أنه لا بد من أن تتدخل الدولة بشكل فورى، خاصة وأنه من الممكن أن تغزو مثل هذه المحاصيل التى شاهدناها وهى ترتوى بمياه اختلطت بها المواد الكيماوية وفضلات منتجات الأسمدة والشبه، بما يهدد طاعمها بالمخاطر الجمة، والتى قد تنتهى –لا قدر الله- بالأمراض المزمنة لمجرد تناوله مثل هذه المنتجات . أكد لنا أيضا عدد من المزارعين أن إدارة المصنع تسعى بكل ما أوتيت من قوة لإزهاق أرواح البسطاء، لإجبارهم على بيع حقولهم الزراعية للشركة، طالما أنهم يعانون الأمراض، ويحصدون الخسائر الفادحة بسبب أعمال المصنع، وأضاف الأهالى أن المصنع يبخس بأثمان أراضيهم، مما يجعلهم مهددون بالموت، أو الفقر والإذلال، وأشاروا إلى أن إدارة المصنع، كما أكد الأهالى أن نسبة لا تقل عن 80 % من العاملين بالمصنع هم مرضى بالفشل الرئوي، كما اتهموا المصنع بإتلاف المياه الجوفية للقرى المحيطة لما فيه من بحيرات داخلية تنقل التلوث إلى المياه الجوفية بالإضافة إلى انتشار الأمراض الصدرية الناتجة عن عوادم وأدخنة المصنع، كما اتهموه بتلويث مياه الشرب بترعة الإسماعيلية التي يعتمد عليها الأهالى فى رى الأراضي، كما أن مصنع "الشبة"، الذى يتم تصريف الكبريت إلى الترعة ونتج عنها تدمير مالا يقل عن 1360 فدان زراعى، وتبويره. ومن جانبها كشفت أم إبراهيم مرسى، عن أمنيتها فى أن يتم تقنين أوضاع المصنعين وأن يتم مواجهة كوارثه البيئية التى تصيب جيرانه من أبناء عزبة شكرى ورؤوس الماشية التى اختفت بصورة شبه كلية من حظائرهم، وما بقى إلا بعض المحاصيل الزراعية المصابة بالأمراض الوبائية ونخشى من أن تصيب آكليها بالأمراض المزمنة، وأنهت العجوز كلماتها بأن الآمال غابت عنهم منذ سنوات خاصة وأن المسئولين وعدوهم بالبحث عن حلول تنتهى بها مشكلاتهم إلا أن الأمور كانت تزداد تعقيدا، وتتسع قاعدة المرضى من ضحايا مصنعى الأسمدة والشبه . وأما الحاج إبراهيم الأبيض فقال نحن نعانى الأمرين منذ أن انتقلت ملكية المصنع للجبلى، حيث أنهى بتلوث مصنعيه على الأبناء ومن بعدهم الحيوان ومعهما المحصول، بما يهدد الأرض بشبح التبوير لإجبار المزارعين بالمنطقة على بيع حقله برخص التراب، ولفت الأبيض إلى أنه كان يقوم بتربية رؤوس الماشية إلا أن القرية الآن التى كانت تشتهر بالتربية الحيوانية لا يوجد بها الآن سوى "جاموسة" واحدة ومهددة بالنفوق، كما أضاف أن العضو المنتدب بالشركة المهندس نافع فهمى، قام بشراء بعض الأفدنة والتى تزيد على 30 فدان فى المنطقة المواجهة للمصنع، فى إطار التعتيمم على مخالفاته للبيئة ولينجو من أى مساءلات قانونية حيث أن الأرض التى يصيبها الضرر بنسب تفوق المعمول بها هى مجموعة الأفدنة التى يمتلكها، وشدد الأبيض على أنه –أى العضو المنتدب لمصنع الأسمدة- يسعى من خلال رجاله الذين ينتشرون فى العزبة لامتلاك الحيز الزراعى كله ليزحف بأضراره إلى منطقة أخرى جديدة، وطالب الأبيض بسرعة تدخل المسئولين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما أدركتهم الأمراض المزمنة، لافتا إلى أن نجله يعانى من مرض مزمن، ولا تخلو العزبة من مصابى الفشل الكلوى والكبد . وأضاف محمد مكاوى، أن زوجته تعانى من مرض صدرى مزمن، بسبب التلوث البيئى الذى يورده المصنع للبيئة، وقال إن لديه طفلين وزوجته حامل، ويخشى أن تنتقل تلك الأمراض الوبائية، والمزمنة إلى الأجيال القادمة، وسط تجاهل المسئولين للصرخات، وطالب مكاوى المسئولين بمخاطبة مستشفى الصدر بالقلج لمعرفة عدد المرضى المترددين على المستشفى وبالأخص من أبناء أبوزعبل . وأشار الحاج فتحى أبوهلال إلى أن العضو المنتدب بمصنع الأسمدة اجتمع بالأهالى والمزارعين ووعدهم بوعود تبخرت بمجرد انتهاء الجلسة، بأن إدارة المصنع ستقوم بإزالة ما أسباب شكاوى الأهالى وسوف يتم تعويض المزارعين، عما لحق بهم من أضرار، إلا أن هذا لم يحدث، وجعلت إدارة المصنع أذن من طين، والأخرى من عجين . واتهم إيهاب حسنى محجوب، أحد الإعلاميين بتسجيل حلقة من برنامجه الشهير داخل القرية، ولم يلتزم بإذاعتها إلا بعد قيام ثورة يناير حيث انتشرت أقاويل وقتها أن رئيس مجلس إدارة الشركة قامت بالإعلان من خلال برنامجه، لمنتجات الشركة ولم يتم إذاعة الحلقة التى تم تسجيلها مع المتضررين من أعمال المصنع .