الحشيش فى عهد الاخوان" تحت هذا العنوان ناقشت صحيفة "غلوبال بوست" الأمريكية، تعاطى ملايين المصريين الحشيش بانتظام على الرغم من وجود حكومة إسلامية محافظة، وربما يكون وجود الإخوان المسلمين في سدة الحكم سبباً في إقدام المصريين على تعاطي هذه المادة المخدرة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "غلوبال بوست" الأمريكية. ويسلط التقرير - الذى أعده وترجمه طارق عليان محرر "24" - الضوء على مقهى أم سلمى الصغير الواقع داخل متاهة من الأزقة في حي السيدة عائشة، وهو أحد الأحياء الفقيرة بالقاهرة ويضم قبر السيدة عائشة، أصغر زوجات النبي محمد. عند المرور من باب المقهى الذي يشبه أبواب الصالونات، تغزو حواسك رائحة دخان الحشيش المميزة. وفي الداخل، ترى تجمّعاً لعشرات العمال يجلسون على مقاعد خشبية ومحلّقين حول الشيشة. ويرتفع صوت الماء مع كل نفخة او نَفَسْ من خرطوم الشيشة الطويل النحيل. وهناك جهاز كاسيت عتيق تنتشر منه موسيقى مصرية تقليدية؛ هذا النوع من الموسيقى الذي يمكنك أن تتخيل معه امرأة ترقص أمامك رقصاً شرقيّاً مثيراً. وتحت وهج مصابيح نيون، يتمازح الزبائن الدائمون حول آخر الأخبار في الحي، وترتفع قهقهاتهم بصوت عال. يمثل هؤلاء الرجال مجتمعاً، كما يقولون، لكن "ممنوع" مناقشة أي موضوعات سياسية. فالسياسة تولّد الخلاف وتزرع الانقسام، بينما المشاركة في جلسات الحشيش عند أم سلمى توثق الأواصر وتوطّد العلاقات. تبدو أم سلمى في الستين من العمر، وهي أرملة متدينة ومتزمتة، تغطي شعرها بوشاح لونه مزيج من البني والرمادي. إنها وصي بغيض لواحدة من أقدم أنماط التسلية مصر، وعلى الرغم من أنها تقدم نشاطاً غير قانوني، فهي منبوذة على أي حالٍ في قاهرة المعز، بحسب توصيف الصحيفة. يعد مقهى "الدولاب" الذي تملكه أم سلمى واحداً من العديد من مقامات المدينة القديمة لتدخين الحشيش. والدولاب كلمة تعني الخزانة التي يُحتفظ فيها بالممتلكات الثمينة بعيداً عن أعين المتطفلين. وبحسب التقرير، فانه على الرغم من وجود حكومة الإخوان المسلمين المحافظة والعقوبات القاسية على تعاطي الحشيش، لا يخشى زوّار أم سلمى إنفاذ القانون بينما يدخنون تلك المادة البنية اللزجة، أو النبات الشقيق المعروف في مصر باسم "البانجو". ويقول الحشاشون إن لديهم تفاهمات مع الشرطة المحلية، التي نادراً ما تهتم بهم، وفقاً للصحيفة. وبدءاً من عمال القرن العشرين الذين فاجأوا نابليون بحبهم المتأصل للمخدرات، وحتى النخبة المعاصرة - ومنهم، كما يُشاع، الرئيس المصري السابق أنور السادات - ترزح مصر تحت سحابة دائمة من دخان الحشيش، بحسب "غلوبال بوست". وتنقل الصحيفة عن حازم أمين، وهو بائع مقيم في القاهرة يبلغ من العمر 27 عاماً قوله: "الكثير من الناس يدخنون الحشيش. يقول أصدقائي إن تدخينه لا ينبغي أن يكون جريمة، لأن الحياة صعبة للغاية، والناس بحاجة إلى وسيلة للاسترخاء". ترجع عادة تدخين الحشيش في مصر إلى القرن الثالث عشر تقريباً، وفقاً لتقرير جامعة كولومبيا. ففي ذاك الوقت، كان الصوفيون المسلمون يدخنون المخدرات بغرض الوصول إلى النشوة الروحية. وبحسب تقرير الصحيفة، فان الحشيش أصبح له شعبية أكثر اليوم بين الطبقة العاملة الواسعة من الفقراء مثل أولئك الذين يأتون إلى مقهى أم سلمى، والذين يدخنون الشيشة والسجائر التي تحتوي الحشيش "الجوان" للاسترخاء وسط الأجواء المشحونة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية. وتشير تقديرات دراسة حكومية تعود للعام 2007 الى أن 8.5% من 80 مليون مصري تقريباً يعانون من "إدمان" نوع من المخدرات، ومنها الحشيش. ويُعتقد أن عدد مدخني الحشيش أعلى من ذلك بكثير. ويقول عمال الوقاية من المخدرات وأخصائيي إعادة التأهيل في العاصمة القاهرة إن هناك احتمالاً بوجود 10 ملايين مدخن للحشيش، وربما يصل العدد إلى 15 مليون متعاطي لهذه لمادة المخدرة. وقالت الصحيفة إن الانتشاء طريقة غير مكلفة للهروب، فتدخين أربع "كراسي" حشيش على الشيشة تكلفك 0.75 دولار فقط. ويشيع تدخين الحشيش بين أفراد الطبقات الشعبية الذين يحتفلون بتدخينه في مناسبات مثل حفلات الزفاف، أو للحد من التوتر، بحسب ما افادت د. نجوى إبراهيم، مدير مبادرة التوعية من المخدرات التي بدأها د. عمرو خالد الداعية الإسلامي الشهير في مصر. ووفقاً لتقرير الصحيفة، هناك مفارقة عميقة لاستخدام المخدرات على نطاق واسع في مصر. فتعاطي الحشيش أو غيره من المخدرات جريمة جنائية خطيرة في هذا البلد. ويُعاقب مُهربي المواد غير المشروعة بالإعدام، في حين أن حيازة كميات صغيرة يمكن أن تؤدي إلى عقوبة السجن مدى الحياة للمدمنين والمستخدمين العارضين على حد سواء. ولفت التقرير الى ان مصر تعد واحدة من 32 دولة لديها قوانين تفرض عقوبة الإعدام على بعض جرائم المخدرات، على الرغم من أنها تأتي بعد بلدان مثل إيران والصين والمملكة العربية السعودية بالنسبة لعدد المجرمين الذين تم إعدامهم. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، شهدت مصر في العقد المنصرم انخفاضاً ملحوظاً في عدد حالات الإعدام. ونظراً لأن وزارة الداخلية هي التي تدير سجون مصر، وهي وزارة تتسم بالسرية والتكتم الشديدين، لا توجد إحصائيات متوفرة. وفي عام 2010، حُكم على مواطن بريطاني من أصل مصري، هو بيير واصف، بالحبس 25 عاماً في سجن شديد الحراسة في مصر؛ لاتهامه بتهريب المخدرات، في محاكمة مثيرة للجدل، حسبما وصفتها جماعات حقوقية. ويبدو أن هذه العقوبات القاسية تنبع، بحسب الصحيفة، من النفوذ الأجنبي، الذي ربما يأتي من العاصمة الأمريكيةواشنطن. وكان قد تم سنّ قوانين المخدرات في مصر إبّان حكم الرئيس جمال عبد الناصر في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وبعد فترة وجيزة، وقَعَتْ مصر تحت الرعاية المالية للولايات المتحدة. ونظراً لأن الحكومة المصرية تجنّبت الشفافية طويلاً، فمن المستحيل، وفقاً للتقرير، أن نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت الولاياتالمتحدة قد ضغطت على مصر لاعتماد أحكام قاسية تتعلق بمكافحة المخدرات. ووفقاً لتحالف الحد من الأضرار؛ وهو عبارة عن شبكة تدعم الإصلاحات الصحية تتخذ من الولاياتالمتحدة مقرا لها، فإن البلدان التي تتبنى سياسة مستقلة لمكافحة المخدرات تتعرّض لخطر فقدان المساعدات الأميركية الحاسمة. وتُعد مصر إحدى أكبر المستفيدين من المعونة الأمريكية؛ ويذهب جزء صغير من تلك المساعدات إلى تدريب وكالات مكافحة المخدرات. لكن كما يقول معظم المصريين، فإن العقوبات المغلّظة لم تفعل الكثير لإيقاف تدخين الحشيش. وأفاد مسؤولو الوقاية من المخدرات بأن التراخي في إنفاذ القانون منذ الثورة المصرية قبل عامين ساهم في زيادة نسبة تعاطي المخدرات والاستهزاء العام بالقوانين في البلاد. فالناس يدخنون الحشيش علناً في الشوارع. وإذا تدخلت الأجهزة الأمنية، فعادة ما يتم حل المشكلة برشوة صغيرة. ولا تزال عناصر الشرطة الوحشية في هذا البلد تواجه هجوماً واسع النطاق من الشباب المحتجين. وهناك شائعات بأن السلطات نفسها تشارك في تجارة المخدرات. "اذهب إلى السجن وستجد المخدرات هناك أيضاً"، هكذا يقول وائل، المدمن الذي تحول إلى معالج في واحدة من العيادات القليلة لإعادة التأهيل لمتعاطي المخدرات في مصر. وفي إشارة إلى تحرير أسعار الحشيش لمستخدميه، أطلق مدخنون للحشيش، رفضوا الكشف عن هوياتهم ، موقع إليكتروني يُعنى بتقديم أسعار الحشيش من خلال متعاطيه في العاصمة القاهرة. ويتيح الموقع الإلكتروني (el7asheshbkam.com) - أي "كم سعر الحشيش؟" – للمشترين أن ينشروا على الإنترنت أماكن تواجدهم في القاهرة مع تقديم معلومات عن السعر الواجب دفعه مقابل "قرش" حشيش؛ وهو عبارة عن كمية بحجم إصبع الخنصر. يحتفظ الموقع بعلامة تبويب لأسعار الحشيش، ويزور الموقع الإليكتروني الآلاف من المستخدمين، بحسب التقرير. وقالت "غلوبال بوست" انه حتى مع سيطرة الإخوان على الحكم في مصر، هناك اعتقاد منذ فترة طويلة بأنه لا يوجد نص صريح في الإسلام يمنع الحشيش ويقف هذا الاعتقاد عقبة أمام المناشدات التي يرفعها الإسلاميون الأكثر تحفظاً للقضاء على هذه العادة. يقول شادي محمد (43 عاما، مقيم بالقاهرة): "جاري متدين جداً ويصلي الصلوات الخمس في المسجد كل يوم، لكنه يدخن الحشيش يومياً، ويقول إن الكحول هو المذكور في القرآن الكريم فقط [كمادة محظورة]". في الواقع، يحتوي الكتاب المقدس للمسلمين نصوص تشير إلى حظر استخدام الكحول، لكنه لا يأتي على ذكر الحشيش بالمنع أو الجواز، بحسب التقرير. ويرى بعض قادة الإخوان المسلمين أنه على الرغم من معارضة الإسلاميين لاستخدامه، لا ينبغي تجريم تدخين الحشيش والإدمان. وهم يعتقدون أن التأهيل هو السبيل لعلاج ما يعتبرونه مشكلة اجتماعية متفاقمة. وقال علي أحمد محمد عمران، أحد قادة حزب الحرية والعدالة التابع لتنظيم الإخوان في محافظة المنيا: "نحن لا نعتقد في تجريم ذلك، ونؤمن بعلاج متعاطي المخدرات بكل لطف ولين، طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية. يتم حالياً تجريم هذه الأمور، لكن ذلك لم يمنع الناس من استخدام المخدرات". وبحسب ما ذكر محمد، فإن الإسلاميين لديهم من الاهتمامات ما هو أفضل من مطاردة عادة شائعة بين الطبقات الفقيرة، التي تمثل جوهر قاعدتهم السياسية. يقول محمد: "لقد تحدثوا عن منع الكحول والبيكيني وأشياء أخرى، ليس من ضمنها المخدرات. إذا حالوا بين الناس والحشيش، فسيغضب الشعب ويتوقف عن دعمهم". وختمت الصحيفة تقريرها بالقول: "على الرغم من شبح العقوبات الصارمة الذي يرتفع بين حلقات الدُخّان، ما تزال مقهى أم سلمى مفتوحة لممارسة نشاط تعاطي الحشيش".