ذكرت صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية في مقال لمحررها للشؤون الدولية باتريك كوكبيرن أن الحرب الاهلية في سوريا تقض مضاجع العراقيين، حيث انها تغير من موازين القوى بين الاهالي في البلدين. وان الاقلية السنية في العراق التي بدت مهزومة على مدى عامين، تشعر بالاسى والغضب بسبب التفرقة التي تمارسها حكومة معادية لهم. وفيما يلي نص المقال: يشعر السنة في العراق ان الانتفاضة السنية في سويا تعزز من قوتهم، وكذلك الحال بالنسبة للشعور المتنامي بان المد السياسي في الشرق الاوسط يتحول ضد الشيعة لمصلحة السنة. ولكن هل يمكن لاحد فروع الثورة السورية ان ينتشر الى محافظة الانبار والمناطق السنية في العراق شمال بغداد؟ وقد يكون الجواب حيويا بالنسبة لمستقبل العراق، حيث ان ذلك يعتمد على الموقف الذي يتخذه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تجاه احتجاجات طالت لسبعة اسابيع في الانباء وموطن السنة. والمشكلة التي يواجهها مماثلة لتلك التي واجهها حكام تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا قبل عامين. اذ كان عليهم ان يختاروا بين التنازل عن السلطة او الاعتماد على اعمال البطش. ويخطئ معظم الحكام العرب في الاختيار، فهم يعاملون الاحتجاجات كما لو كانت مؤامرة او انها ليس لها قاعدة عريضة لا يمكن سحقها باساليب البطش التقليدية. غير ان الوضع في العراق ليس مماثلا تماما، اذ يرجع الفضل في ارتقاء المالكي لمنصبه لفوزه في انتخابات حقيقية، وان كان نجاحه لا يُنسب كله، ولم يعتمد باكمله، على اصوات الشيعة. لكنه مع ذلك يقيم حكمه كما لو كان لديه تفويض بالانفراد في السلطة. ظل المالكي مترددا في موقفه تجاه الاحتجاجات منذ ان بدأت في كانون الاول (ديسمبر) من العام الماضي. وقد ندد بها في بعض الاحيان باعتبارها مؤامرة من البعثيين السابقين او الاعداء الاخرين للدولة الذين يعملون بتعليمات من دول اجنبية معادية. وفي مرات اخرى، عرض تنازلات لكنها لم تصل الى حد ايقاف الاحتجاجات. ولعل استراتيجيته كانت تقضي بان يراهن على الزمن، وهو اسلوب افاده كثيرا في الماضي. فقد زعماء سنة تقليديون، من امثال نائب رئيس الوزراء صالح المطلق ووزير المالية رافي العيساوري، مصداقيتهم الى حد كبير في نظر السنة في الشارع. وينظر اليهم على انهم انتهازيون جشعون، وكذلك الحال بالنسبة لجميع السياسيين الاخرين، الذين حصلوا على صفقات لمصلحتهم الشخصية. وبدلا منهم، تطلع المحتجون الى الشيخ عبد الملك السعدي، رجل الدين الموقر الذي عارض صدام حسين، وقتل تنظيم "القاعدة" في العراق شقيقه في العام 2010. وقد عمل على ان يُبقي الاحتجاجات بعيدا عن ايدي الجماعات المسلحة، مطالبا بالحقوق المدنية والسياسية التي لا تسعى وراء الاطاحة بالحكم. ومن وجهة النظر السنية، فان التهديد غير المعلن باللجوء الى الاسلاح اكثر فاعلية من استخدامه بالفعل، باعتبار ان ذلك يؤدي الى عزل السنة الذين يمثلون حوالي عشرين في المائة من السكان. وساند مقتدى الصدر، الزعيم الديني الوطني الذي يتمتع بالنفوذ بين الشيعة، تلك الاحتجاجات طالما انها ليست مقدمة لثورة سنية مضادة ضد التسوية السياسية لما بعد حكم صدام حسين. كما ان المرجعيات الدينية الشيعية في النجف اوضحت بقدر ما يمكنهم بكلامهم الذي يتسم عمدا بالمراوغة، انهم لا يريدون من المالكي ان يستخدم الحجة الطائفية في مطالبه لتضامن الشيعة. ومن الفوائد الاخرى التي حصل عليها السنة انه وللمرة الاولى منذ العام 2003 تلتقي جهود طائفتهم الى حد كبير. فقد التقيت الاسبوع الماضي في البصرة، بشيخ سني، يتزعم فرعا لقبيلة بدوية سابقا في الكويت ومقرب من الصدريين، اعرب عن دعمه القوي للمظاهرات ولمطالبها. وكان من الاخطاء التي ارتكبتها الجالية السنية في العامين 2003 و 2004 انها سمحت لانتفاضتها ضد الاميركيين ان تصبح عنيفة طائفيا، بدلا من ان تقوم على اساس المطالب الوطنية العراقية. وقد تكون السياسات العراقية طائفية وقبلية، الا ان مشاعر المواطنة العراقية في القطاع العربي من البلاد (وفي هذا اختلاف عن كردستان العراق) تظل قوية، وفي احيان اخرى لا تحظى بما تستحق من التقدير. وتخطئ الحكومة في بغداد في تصورها ان الاحتجاجات مؤامرة اعدتها وتدفع ثمنها المملكة السعودية وقطر وتركيا. فهناك الكثير من الاستياء في العراق من حيث فساد الدولة وعدم كفاءتها والقصور في الوظائف والفشل في توفير الخدمات الاساسية رغم ان مدخول البلاد من النفط يصل الى 100 بليون دولار في العام. لكن الحكومة مصيبة في اعتقادها ان الاجواء العالمية تغيرت لمصلحة السنة في العراق، وان ثورة مضادة للشيعة وللايرانيين في عز اوجها. ويمكن لبغداد ان تصبح مغنما افضل من دمشق بالنسبة للثورات المضادة في الدول السنية. ان المرارة بين السنة بشأن التمييز ضدهم تغوص عميقا. فهناك اناس يُسجنون لفترات طويلة نتيجة معلومات سرية بمقتضى قانون مكافحة الارهاب. فالالاف يقبعون في السجون من دون اي تحقيق معهم. واصبح اجتثاب البعث الذي يفترض انه يستهدف القادة البعثيين، صيغة لفرض عقوبات جماعية على السنة. ويذكر السياسي العالم غسان العطية كيف انه التقى في منطقة ابوغريب في بغداد "رجلا كان مديرا لمدرسة لثلاثين عاما، استلم للتو رسالة مكتوبة على ورقة صغيرة بطرده (بتهمة انه من البعث)، جاء فيها "عد الى منزلك". والرجل لا يملك شروى نقير وليس له معاش تقاعدي. ولو كان في ريعان شبابه لحمل السلاح". وهناك الكثير من الشبان في مدن صلاح الدين والموصل الذين لا عمل لهم ولا امل لديهم في ان يحصلوا على عمل، وسيفعلون ذلك فور تمكنهم من الحصول على السلاح. تفيد الدروس المستقاة من تاريخ العراق في الفترة الاخيرة بان القوة وحدها لا تفيد ضد الجماهير المحرومة، سواء كانت سنية او كردية او شيعية. فاعمال العنف غير العادية التي استخدمها نظام صدام حسين منحته سيطرة موقتة فقط على العراق كله. والشيء نفسه يقال عن الجيش الاميركي- بكل ما لديه من اسلحة متقدمة وقوات مدربة تدريبا جيدا وتكاليف باهظة. ومن غير المحتمل ان تنجح حكومة المالكي الذي تولى الحكم بعد فشل صدام والاميركيين. وذلك رغم ان لديها تفوقا عسكريا لكن من دون سيطرة في العراق، ولا تسيطر الا على نصف البلاد. اذ ليس لديها نفوذ في المحافظات الثلاث لحكومة اقليم كردستان او في المناطق الكردية المتنازع عليها في الجنوب. ثم انها تواجه مقاومة في المحافظات ذات الاغلبية السنية وفي المدن في غرب ووسط العراق. وقال احد السياسيين العراقيين الاسبوع الماضي ان "المشكلة تكمن في ان كل الاحزاب والجاليات في العراق تملك القوة، ولكن ليس هناك طرف يشعر بالضغف بحيث ان عليه ان يتنازل لاعدائه".