أصبح من المؤكد لدي قطاع عريض من المصريين أن النظام الحالي بقيادة الرئيس محمد مرسي يسير علي نفس نهج نظام مبارك.. ونظرة بسيطة إلي تصريحات المسئولين وتبريراتهم السياسات الاستبدادية الجديدة التي كان أبرز معالمها الإعلان الدستوري الجديد وكذلك تفسيراتهم للكوارث وأبرزها حادث قطار الصعيد الذي أودي بحياة 50 طفلا تؤكد ذلك.. وإذا كان هذا النهج هو المتبع علي الصعيد الداخلي فإنه لا يختلف كثيرا علي الصعيد الخارجي خاصة فيما يرتبط بالعلاقات الدولية وعلي رأسها العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ما يؤكد اختيار النظام الجديد لنهج مبارك في العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ما تردد بشأن سعي القيادة السياسية المصرية للتعاقد مع شركات ما يعرف ب"الضغط السياسي" أو "اللوبي الأمريكي" في واشنطن من أجل تجميل صورة النظام المصري وتبرير مواقفه هناك.. وفي هذا السياق تردد قيام عدة شركات بتقديم عروض خلال الأسابيع القليلة الماضية للسفارة المصرية تتضمن خدماتها وإمكانياتها في هذا الصعيد. أسباب عديدة وإذا كان هذا المنهج في التعامل مع الإدارة الأمريكية متبعا من قبل النظام المخلوع خاصة من رجال جمال مبارك الذين كانوا ينفقون ملايين الدولارات من خزينة الدولة من أجل الدعاية الزائفة وكسب ود الأمريكيين وتهيئة الأجواء لتقبل جمال مبارك رئيسا لمصر.. فما الداعي إذن لتعاقد القيادة السياسية الحالية معها؟ وما الداعي أيضا للتعاقد مع هذه الشركات بمبالغ خيالية في ظل الأزمة الراهنة التي يعاني منها الاقتصاد المصري الذي يحتاج لكل دولار من أجل عبور هذا النفق المظلم بدلا من إنفاقه علي حملات دعائية؟ الملاحظ أنه لا يمكن فصل هذا التوجه عن قيام وزارة الخارجية بإرسال مذكرة من خمس صفحات إلي السفارات المصرية بالخارج لتوضيح الأسباب التي دعت الرئيس مرسي لإصدار الإعلان الدستوري بعد تصاعد الانتقادات الدولية بعد صدور هذا الإعلان مساء الخميس قبل الماضي وكان أبرزها الانتقاد الصادر من الخارجية الأمريكية التي قالت علي لسان المتحدثة باسمها فيكتوريا نولاند "إن أحد تطلعات الثورة كان في ضمان عدم تركز السلطة بشكل كبير بيد شخص واحد أو مؤسسة واحدة"، مضيفة أن الولاياتالمتحدة تعتبر أن الإعلان الدستوري الذي أصدره "مرسي" يثير القلق لدي الكثير من المصريين ولدي المجتمع الدولي.. ومن هذا المنطلق طلبت الخارجية من مسئولي البعثات المصرية في الخارج ضرورة التوضيح لمسئولي الدول تبرير موقف الرئيس محمد مرسي من خلال التأكيد علي أن هذا الإعلان لا يضيف شيئا لسلطاته وأنه تم إصداره بعدما فشل في إعادة مجلس الشعب المنحل بحكم من المحكمة الدستورية العليا.. وأنه حاول استعادة مجلس الشعب لكن المحكمة الدستورية العليا التي عينها الرئيس السابق حسني مبارك هي التي رفضت ذلك ما دعا الرئيس إلي إصدار هذا الإعلان. وربما يأتي الإعلان الدستوري المؤقت الذي أعلنه "مرسي" وما تبعه من انتقادات دولية له دافعا أكثر لسعي نظامه إلي التعاقد مع شركات لوبي أمريكية لتحسين صورته وتبرير مواقفه مثلما كان الحال في عهد مبارك.. ولعل نظام مرسي سيكون مدفوعا في هذه الخطوة باعتبارات أخري عديدة أهمها إصلاح الخطأ الذي اقترفه مرسي في خطابه الأول بميدان التحرير بعد إعلان فوزه في انتخابات الرئاسة وأدائه اليمين الدستورية حيث تعهد بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن الذي يمضي عقوبة السجن مدي الحياة إثر إدانته بأعمال إرهابية.. وقد يكون لتعاقد القيادة السياسية مع هذه الشركات سبب آخر هو رغبة القيادة المصرية في تجميل وترويج مواقفها في أروقة الإدارة الأمريكية بما يضمن دعم واشنطن لإقرار صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض معه الحكومة المصرية القرض البالغة قيمته 4.8 مليار دولار.. إضافة إلي الرغبة في كسب تعاطف الكونجرس للحفاظ علي ما تتلقاه الخزانة المصرية من مساعدات أمريكية سنوية تبلغ 1.55 مليار دولار وكذلك دفع كاي جرانجر رئيسة اللجنة التي تشرف علي المعونات الخارجية بالكونجرس الأمريكي للإفراج عن 450 مليون دولار من المساعدات الأمريكية الإضافية التي قامت بحجبها ردا علي الاحتجاجات التي جرت خارج السفارة الأمريكية بالقاهرة بسبب الفيلم المسئ للرسول. نفس الشركات الغريب أن الشركات التي من الممكن أن يلجأ إليها نظام الرئيس مرسي لتجميل صورته هي نفسها الشركات التي كان يلجأ إليها نظام الرئيس السابق حسني مبارك بل وعدد من رموزه المحبوسين علي ذمة بعض القضايا مثل أحمد عز الذي ترددت أنباء عن تعاقده مع إحدي هذه الشركات من أجل كسب تعاطف الرأي العام الأمريكي معهم من خلال الدفاع عنهم في الكونجرس الأمريكي والتأكيد علي عدم عدالة القضاء المصري في محاكمتهم.. والغريب أيضا في نفس الإطار أن المجلس العسكري سبق وأن لجأ إلي هذه الشركات أثناء إدارته للبلاد بعد ثورة 25 يناير وحتي انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية وهذا ما أشار إليه الباحث والكاتب الصحفي محمد المنشاوي الذي يعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية في أكثر من معرض.. وبالطبع فإن المستفيد الوحيد من هذا الأمر هو شركات الضغط السياسي أو اللوبي الأمريكي التي تحصل علي ملايين الدولارات جراء هذا الأمر. ومن أهم الشركات التي من الممكن أن تتعاقد معها القيادة السياسية الحالية "مجموعة بي إل إم" والتي كان لها باع كبير مع نظام مبارك وكذلك المجلس العسكري في هذا السياق وهذا ما أوضحه أيضا محمد المنشاوي حيث أكد في أكثر من معرض أن هذه المجموعة تتكون من شراكة بين ثلاث شركات بواشنطن هي "بوديستا جروب" التي يرأسها اللوبي الديمقراطي توني بوديستا و"مجموعة ليفنجستون" التي أنشأها عضو الكونجرس الجمهوري السابق من ولاية لويزيانا روبرت ليفنجستون و"موفيت جروب" التي يرأسها عضو الكونجرس الديمقراطي السابق من ولاية كونتيكت توبي بافيت.. وأوضح المنشاوي أنه خلال النصف الأول من العام الماضي حصلت "بي إل إم" علي 555 ألف دولار أمريكي من الحكومة المصرية.. ولم تغير شركات اللوبي خلال هذه الفترة من استراتيجياتها وإنما غيرت من أهمية نظام مبارك للمصالح الأمريكية إلي التأكيد علي التزام المجلس العسكري بالانتقال الديمقراطي. وأشار إلي أن الوثائق الأمريكية أكدت أن شركة "ليفنجستون" تلقت دفعتين ماليتين بتاريخ 23 فبراير و22 يونيو من العام الماضي قيمة كل منها 66 ألف دولار كما تلقت شركة "بوديستا" دفعتين بتاريخ 18 فبراير و16 يونيو قيمة كل منهما 93 ألف دولار.. أما شركة "موفيت" فلم تقدم إقراراتها المالية بعد. هناك أيضا شركة "كورفيس" التي تعد من إحدي كبريات شركات العلاقات العامة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن الممكن أن يلجا إليها نظام "مرسي" لتجميل صورته وهي شركة تردد أن رجل الأعمال أحمد عز سبق ان وقع معها عقدا في مارس الماضي بهدف إبراز قضيته في الإعلام الأمريكي وإطلاع كبار المسئولين الأمريكيين علي تفاصيلها والتنبيه إلي سوء حال القضاء المصري الذي يحاكم أمامه أحمد عز بعد ثورة 25 يناير. حقيقة الشركات ولكن ما هي حقيقة هذه الشركات؟ وما هي الخدمات التي تقدمها لمصر حتي تتحصل علي هذه المبالغ؟.. للإجابة علي هذا التساؤل يجب استعراض المعلومات المتاحة عن كل شركة علي حدة للوقوف علي علامات الاستفهام التي تدور حول هذه الشركات والتي تأتي علي رأسها شركة "ليفيجستون جروب" وهي إحدي الشركات التي تعاقدت مع السفارة المصرية في واشنطن خلال السنوات الماضية في ظل نظام حسني مبارك من خلال جماعة "بي إل ام " بواشنطن وكانت تقوم بتقديم الاستشارات السياسية للسفارة للتعامل مع مراكز اتخاذ القرار إضافة إلي تقديم المشورة بشأن السياسات الأمريكية محل الاهتمام والأنشطة في الكونجرس والفرع التنفيذي وتطور مشهد السياسات الأمريكي بوجه عام.. كما تقوم بالاتصال بأعضاء الكونجرس وطواقم عملهم ومسئولي الفرع التنفيذيين والمنظمات غير الحكومية للتنسيق بينهم وبين السفارة.. وتعد "ليفيجستون" من أنشط وأهم المؤسسات التي تعمل في مجال حشد التأييد للدول في واشنطن. ويرأس الشركة "روبرت ليفيجستون" وهو عضو جمهوري سابق في مجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكيين أي أنه يمتلك الجناح الثاني الكبير في السياسة الأمريكية وهو جناح الحزب الجمهوري وهذا ما يبرز أهميته وأهمية شركته في الإلمام بتفاصيل كثيرة تتعلق بالقضايا السياسية الدولية وبالتالي وضع التصورات المستقبلية والاستشارات اللازمة. أما شركة "بودستا جروب" ثاني شركات التحالف فمقرها في واشنطن وكانت تتعامل هي الأخري مع السفارة المصرية وهي شركة متخصصة في مجال الضغط علي دوائر صنع القرار في أمريكا من أجل اتخاذ قرارات بعينها لصالح الدول التي تتعاون معها. أما شركة "موفيت" ثالث شركات مجموعة "بي إل إم" فيرأسها "انتوني موفيت" وهو عضو ديمقراطي سابق وصف بأنه أهم عقل شهده الكونجرس عبر تاريخه نظرا لحكمته وسعة خبرته وحسن تقديره للأمور وكلها أشياء جعلته يحظي بتقدير الجانبين الديمقراطي والجمهوري.. وقد ظهرت براعته الحقيقية عندما تولي صناعة لوبي تركي في أمريكا في السنوات الأخيرة واستطاع أن يصنع صورة باهرة لديمقراطية النظام السياسي التركي علي الرغم من الأزمات التي كانت تطحنه ليلعب بذلك دورا مهما في زيادة قيمة تركيا كحليف استراتيجي واقتصادي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.. ونتيجة لأهمية هذا الرجل فقد عهدت مجموعة "بي ال إم" إليه برئاستها. الكارثة التي يعرفها الرئيس ورجاله الذين ذهبوا للتعاقد مع هذه الشركات ان اصحابها ذو اصول يهودية ويرتبطون بعلاقات قوية مع اسرائيل. والسؤال: هل ندفع المليارات من اجل ان يفوز بها اليهود.