لا فرق بين نظام سياسى فاسد ونظام سياسى أحمق.. فالنتيجة واحدة.. فالحماقة أخت الشر.. كلاهما إخوان.. هكذا قال الإغريقي «سوفوكليس».. وقد خيروا حكيما بين حاكم غبى وحاكم شرير فاختار الشرير، فلما تعجبوا قال: «فى الحماقة شر مستور لا أول له ولا آخر».. خرج علينا دكتور محام من قيادي حزب الأخوان مستهلا كلامه فى معرض تبرير قرار الرئيس مرسي بالإعلان الدستوري العجيب بان الرئيس باعتباره الحكم بين السلطات فإن من حقه أن يحاول حماية مؤسسات الدولة وتحصين قراراته ضد الطعن عليها..! وهذه الجملة على قصرها تحتوي على كم من المغالطات القانونية تبين بوضوح كيف يتم التلاعب بعقول البسطاء من الناس هذه الأيام.. فمن المعروف أن رئيس الدولة فى النظام الجمهوري هو جزء من السلطة التنفيذية وليس حكما بين السلطات كما ادعى المحامي وإنما الحكم بين السلطات هو الدستور و القانون وحينما تحاول سلطة أن تجور على سلطة أخرى فأن القانون والقانون فقط هو المرجعية التى يمكن الرجوع عليه حتى ولو كان محل النزاع رئيس الجمهورية نفسه إذ كيف يكون الرئيس حكما ومختصما فى نقس الوقت..! وهناك مبدأ فقهي وقانوني وسياسي أصيل استقر فى وجدان المشرع من أن "من لا يحاسبه أحد،فسد" حتى ولو كان نبيا مرسلا فالأنبياء كانوا يعلمون أن الله يراقبهم ويحاسبهم على أعمالهم وأن الناس من حولهم أيضا يراقبون ما يفعلون وينقدونه إذا لزم الأمر ولذلك فقد ظهر هذا المبدأ فى دساتير العالم كلها شرقها وغربها وقديمها وحديثها حينما نصت على قاعدتين قانونيتين هامتين وهما أساسيين لنجاح أي نظام سياسي وهما "المحاسبة والتوازن" Checks and Balances المحاسبة تعني قدرة النظام على محاسبة جميع أفراد وهيئات ومؤسسات الدولة على أفعالهم من أول رئيس الجمهورية حتى أصغر موظف فى الدولة والتوازن يعنى الفصل التام بين السلطات وخلق حالة من التوازن بينهم بحيث لا تطغى سلطة على أخرى.. ونظام "المحاسبة والتوازن" يجب أن يوضحه ويحميه الدستور ففى هذا النظام تصبح كل سلطة قادرة على تقييد سلطات الفروع الأخرى (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وبهذه الطريقة تضمن الدساتير ألا يصبح طرفا أقوى من الطرف الآخر أو أن يحاول أن يتغول عليه.. أذن فى نظام "المحاسبة والتوازن" يقوم كل طرف بمحاسبة الأطراف الأخرى حتى نصل فى النهاية إلى نوع من التوازن بينهم ..كيف يعمل نظام"المحاسبة والتوازن"؟ عملية إنشاء قانون جديد تمثل التطبيق العملي لمبدأ "المحاسبة والتوازن" ففى البداية تقدم السلطة التشريعية مشروع بقانون ويتم التصويت عليه فى مجلس النواب..بعد ذلك يرفع مشروع القانون إلى السلطة التنفيذية وحينئذ يمكن لرئيس الجمهورية أن يوافق عليه إذا وجده يحقق مصالح الشعب فيصبح قانونا معمولا به أو لا يوافق عليه ويصدر "فيتو"فيعود مرة أخرى لمجلس النواب..ولكن السلطة التشريعية يكون لها فرصة أخرى فى حالة الفيتو فيمكن لها مع عدد كبير من أصوات مجلس النواب (عادة أكثر من الثلثين) أن تتخطى رفض أو فيتو الرئيس والسلطة التنفيذية وتمرر المشروع و يصبح المشروع قانونا.. وحينما يصبح القانون واقعا ..يصبح من الممكن أيضا أن يعترض الشعب على هذا القانون الجديد بأن يلجأ إلى المحاكم التى هى جزء من السلطة القضائية..فإذا شعر بعض الناس أن القانون الجديد غير عادل فيمكنهم فى هذه الحالة رفع دعوى قضائية ويقدم المحامون الدفوع المناسبة فى مقابل الردود من الدولة ويحكم القاضي على أساس أي من الطرفين استطاع أن يقنع المحكمة ويقدم أدلة على صحة طلباته..والجانب الذى يخسر القضية يستطيع أن يستمر أيضا فى الدعوى ويقيم دعوى استئناف إلى المحكمة الأعلى وقد يصل الأمر إلى أن يرفع الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا.. وفى المقابل إذا لم يلقى قرار السلطة القضائية القبول من السلطة التشريعية فيمكن للسلطة التشريعية أن تقوم بتعديل المشروع وتعاود الكرة مرة أخرى.. إذن هذا النظام يتيح رقابة متبادلة على أفرع النظام الثلاثة ويضمن الفصل بين السلطات وإمكانية تحقيق العدل بين الناس وعدم الاستبداد بالرأى وضبط الأداء بما يحقق المصلحة العامة.. أين مشروع الدستور الجديد من هذا النظام..؟ بعض الأمثلة للمواد المعيبة قد توضح لماذا جاءت هذه المسودة مسيسة لمصلحة حزب الأخوان ولتضمن له وحده فقط السيطرة على الحكم لسنين طويلة قادمة.. مفاجأة من العيار الثقيل فى مشروع مسودة الدستور العجيب..! المادة 132 تنص على أن الرئيس يراعي الحدود بين السلطات..كيف ذلك وهو جزء من السلطة التنفيذية ولم يفسر لنا واضعوا هذه المادة الخبيثة ماذا يحدث لو اختصم الشعب الرئيس فى أي من قراراته الإدارية وليست السيادية؟ لمن يلجأ..! إذا كان مشروع الدستور والإعلان الدستوري المعيب يحصنان الرئيس من المسائلة..أم ان واضعوا هذه المادة قرروا أن الشكوى لغير الله مذلة..! مادة 177 لا تعرض القوانين التى تعرض على المحكمة الدستورية للرقابة اللاحقة.. مادة 202 يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى.. وهو ما يعنى أن سلطة تشريعية (أو مجلس استشاري للسلطة التشريعية) سوف يعين ويعزل السلطة الرقابية المنوط بها مراقبة أعمال السلطة التشريعية وملاحقة أعضاءها إذا ثبت تورطهم فى قضايا فساد أو تربح أو إخلال بواجبات الوظيفة العامة..! وقد زاد الطين بلة هذا الإعلان الدستوري العجيب الذى أصدره الرئيس وقدم أنصاره تبريرات ضعيفة مستندة إلى أن الرئيس رجل طيب ولن يستخدم هذه الصلاحيات الأسطورية إلا فى أضيق الحدود مع أنه بدأ بتحصين قراراته ضد الطعن عليها حماية للجمعية التأسيسية ومجلس الشورى المطعون أساسا على دستورية القوانين التى تم تشكيلهما على أساسها.. متى يفيق المصريون..!!