تمر تونس بمرحلة سياسية عصيبة مع بداية حملة الانتخابات الرئاسية ستنطلق فى 15 سبتمبر الحالى فى ظل الانشقاقات الواسعة في صفوف الأحزاب الوسطية مثل "نداء تونس" ما يزيد التوتر والمخاوف على مصير البلاد خاصة بعد ظهور مساعي تنظيم "الإخوان" الإرهابي للسيطرة على الحكم من خلال دعم مرشحهم عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة . و يبدو أن الاخوان استغلوا حالة الارتباك للقفز على كرسى الرئاسة فهذه أول مرة ترشح فيها الحركة أحد أعضائها للرئاسة منذ انطلاق حركة الانتقال الديمقراطي عقب ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي. وكان مورو البالغ من العمر 71 عامًا، رئيسًا للبرلمان التونسي بالنيابة، منذ أن أصبح سلفه محمد الناصر، رئيسًا مؤقتا للبلاد بعد وفاة الرئيس التونسي الراحل باجي قايد السبسي في 25 يوليو الماضي.ويعد مورو الآن هو الرجل الثاني بعد راشد الغنوشي، في "حركة النهضة" التي تأسست عام 1981، وتسعى من خلاله جماعة الإخوان الإرهابية تكرار السيناريو المصري في تونس. معروف أنه بعد 9 أشهر من رحيل نظام الرئيس التونسي الأسبق زين الدين بن علي اقتحمت حركة النهضة الإخوانية الحياة السياسية التونسية، من خلال التسلق عبر الآليات الديمقراطية، واستحوذت على الأغلبية في الانتخابات التشريعية التي جرت للمرة الأولى بعد الثورة التونسية. ومن أبرز من تضمهم القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية كل من: منجي الرحوي "حزب الوطنيين الديمقراطيين"، وعبير موسى "الحزب الدستوري الحر"، ونبيل القروي "حزب قلب تونس"، وحمادي الجبالي "مستقل وقيادي إخواني سابق"، وحمة همامي "الجبهة الشعبية اليسارية"، ومحمد المنصف المرزوقي "حراك تونس"، وعبدالكريم زبيدي "وزير دفاع سابق". بجانب عبدالفتاح مورو "حركة النهضة الإخوانية"، ويوسف الشاهد "تحيا تونس"، وسليم الرياحي "حزب الوطن الجديد"، وحاتم بولبيار "إخواني سابق"، وسيف الدين مخلوف "إخواني". وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن التيارات الإخوانية والمتطرفة عززت الانقسامات داخل المجتمع التونسي، موضحة أن تلك الانقسامات غيرت في هيكل المشهد السياسي، حيث أن الوضع السياسي قبل الانتخابات انقلب رأسًا على عقب، موضحة أن هناك قضايا اجتماعية شائكة عاودت الظهور من جديد، لا سيما قضية الفقر وسخط الشعب تجاه النخبة. ورأت صحيفة "لوموند"، أن عدم توافق حزبي "تحيا تونس" و"نداء تونس" على مرشح واحد، يعزز من الانقسامات بينهما لصالح المرشح الإخواني عبدالفتاح مورو. ولد عبد الفتاح مورو في عام 1948، وتخرج في كلية الحقوق عام 1970، ثم عمل قاضيًا حتى عام 1977 الذي تحول فيه إلى ممارسة المحاماة. والتقى مورو براشد الغنوشي عام 1968، إذ انطلقا في العمل على تأسيس حركة إسلامية، بداية السبعينيات، قبل أن يعتقلا، عام 1973، وأقنع الرجلان عشرات المتعاطفين مع التيار الإخواني بتأسيس المنظمة الإخوانية سرًا، قبل الخروج إلى العلن عام 1981. ولكن المضايقات دفعت به إلى المنفى ثم إلى السجن، بعد عودته إلى تونس، ومع حملة قمع عنيفة شنها نظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، أعلن مورو تجميد عضويته في حركة النهضة. وبعد ثورة يناير 2011، رفض مورو العودة إلى الحركة وشارك مستقلًا في انتخابات المجلس التأسيسي، لكنه سرعان ما عاد إلى صفوفها نائباً لرئيس حزبها، في أعقاب مؤتمر عقد في يوليو 2012. وفاز في الانتخابات التشريعية عام 2014 مترشحًا ضمن قائمة النهضة وفاز بمقعد أهله، لاحقًا، ليشغل منصب نائب رئيس مجلس النواب. ويستمر في تونس الجدل حول السباق الرئاسي المليء بالاضطرابات ما بين مرشح في السجن وآخر في المنفى وقيادات حزبية تهرب للخارج خشية التنكيل بها، وسط اتهامات لحركة النهضة الإرهابية وحكومة الشاهد بتعكير العملية الانتخابية. ومن جهته، حذر الباحث السياسي حمادي رديسي من سطوة الأحزاب المتطرفة والإخوانية على المشهد السياسي التونسي، قائلاً: "عندما ترى هذه الاتجاهات من الحكم الاستبدادي وهذا الانقسام في الساحة السياسية، لا يمكنك حقاً الحديث عن توطيد الديمقراطية في تونس". كما يتوقع ملاحظون للشأن التونسي أن ما تعيشه تونس خلال فترة الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها قد يفتح على كل الاحتمالات السلبية التي تضر بمسار الانتقال الديمقراطي في تونس. وانطلقت الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي بالخارج، وستتواصل إلى 11 من سبتمبر، وأفادت الهيئة العليا بأنها خصصت 310 مراكز اقتراع و391 مكتب اقتراع في مختلف الدوائر بالخارج، موزعة على قارة أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج. وتحدثت صحيفة "لاكروا" الفرنسية عن الوضع السياسي الحالي في تونس، مشيرة إلى أن التجربة الأولى لحزب "النهضة" الإخواني بتونس في السلطة قوبلت بالرفض، وواجهت معارضة واسعة وهو الأمر الذي منعهم من الانفراد بالسلطة. وقالت الصحيفة إنه منذ ذلك الحين يسعى الحزب الإخواني إلى مراقبة صورته لدى التونسيين، ويروج لنفسه بأنه حزب " ديمقراطي"، وليس حزبًا "إرهابيًا"، من أجل السيطرة على الحكم، موضحة أن الحركة الإخوانية أعلنت في عام 2016 أنها حركة مدنية باستثناء أي نشاط يتعلق ب"الوعظ الديني". وأضافت الصحيفة الفرنسية أن تونس تغلبت على الاضطرابات السياسية والاقتصادية والهجمات الإرهابية الدموية، وعليها النضال لعدم وصول التنظيم الإخواني الإرهابي الذي حظره الحبيب بورقيبة لإدراكه خطورته. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الانتخابات تعد من أهم الاستحقاقات الانتخابية في تاريخ تونس لكونها الانتخابات الديمقراطية الثانية بعد الثورة التونسية عام 2011، حيث تولى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الرئاسة كأول رئيس منتخب عام 2014. ونشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أيضًا تقريرًا بعنوان "تونس تواجه تشتتا سياسيا"، مشيرة إلى أن إجراء مثل هذه الانتخابات في تونس للاختيار بين الأيدولوجيات المختلفة يؤكد في حد ذاته إدراج البلاد في مسار ديمقراطي، رغم أنها تجرى في مناخ سياسي متوتر وضبابي، بل قلق في نظر العديد من التونسيين الذين كانوا يفخرون بالتطلع للمسار الديمقراطي. ونقلت الصحيفة عن أستاذ العلوم السياسية في تونس، حاتم مراد، قوله إن الرهان الأول لهذه الانتخابات يتمثل في القدرة على تحقيق استقرار المشهد السياسي في خضم عملية إعادة تشكيله بصعود أحزاب وانهيار شعبية أحزاب تقليدية أخرى، أما الرهان الثاني، فيتمثل في إمكانية إجراء انتخابات برلمانية في 6 أكتوبر المقبل. وقالت صحيفة "لوموند" إنه من بين المرشحين ال26 للرئاسة التونسية، لم تتوفر في أي مرشح ما يسمى "الشخصية الشعبية" أو "المناهضة للأنظمة" كما لم يسجل أي مرشح اختراقًا في استطلاعات الرأي على خلفية من عدم الثقة تجاه الحزبين المتنافسين "نداء تونس" وحزب "النهضة".