في ظل الأزمات الداخلية والانشقاقات التي يشهدها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على يد الرئيس رجب طيب أردوغان، وبسبب الممارسات الخاطئة والأكاذيب التي يقوم بها، يسعى عدد كبير من المنشقين عن الحزب لتأسيس حزب جديد، مما يثير مخاوف الحزب الحاكم الذي أصبح على وشك الإنهيار. وتداولت الصحف التركية ووسائل الإعلام أخبار عن جود انشقاقات في صفوف الحزب الحاكم، تطفو إلى السطح أكثر فأكثر، خاصة بعد خسارة حزب أردوغان في الانتخابات المحلية التي جرت باسطنبول للمرة الثانية. وقالت صحيفة "هابرلر" التركية، إن علي باباجان، نائب رئيس الوزراء التركي السابق، التقى أردوغان قبيل انتخابات اسطنبول ومنحه تقريرًا شاملا، تحدث فيه عن المشاكل التي يواجهها الحزب الحاكم في تركيا، وأكد نيته مغادرة الحزب في القريب العاجل وتشكيل حزب جديد، الأمر الذي اعتبره كثيرون ضربة قوية لأردوغان، باعتبار باباجان من مؤسسي هذا الحزب. ولا يتوقف الأمر على باباجان، إذ تناقلت وسائل الإعلام، ومنها موقعى "خبر ترك"، و"ترك برس"، أن وزير الخارجية السابق، داوود أوغلو، والوزير السابق، محمد شمشك، والرئيس التركي السابق، عبد الله جول، من المرجح أن يشكلوا حزبًا جديدًا أو أكثر من حزب. وكشفت أيضًا صحيفة "يني تشاج" التركية، عن انشقاق نحو 80 نائبًا برلمانيًا في حزب العدالة والتنمية سينضمون لحزبي داود أوغلو وباباجان، المقرر تأسيسهما الفترة المقبلة. وفي هذا الصدد، قال الكاتب والباحث التركي، جاهد طوز، إن أمر تشكيل الحزب الجديد طرح خلال العامين السابقين، لكن الأسماء الواردة كانت تنتظر الوقت المناسب، ومع الانتخابات السابقة جاء ذلك الوقت، ولهذا فإن تأسيس الأحزاب بات أكثر حضورًا ومعقولية، ملمحًا إلى أنه قد يكون هناك حزب أو حزبان. ووجه أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق والحليف الوثيق لأردوغان، انتقادات شديدة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد هزيمة الحزب المؤلمة في انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول. وخسر الحزب منصب رئيس بلدية كبرى المدن التركية، أمام حزب المعارضة الرئيسي لأول مرة منذ 25 عامًا، وذلك بفارق كبير خلال إعادة الانتخابات، وكان الحزب خسر في الانتخابات الأصلية بفارق ضئيل. وقال داود أوغلو، خلال فعالية أقيمت في إقليم "إلازيج"، كانت هناك حكومة تفي بكل وعودها متأخرًا، أنه ينبغي على هؤلاء الذين تسببوا في تراجع مبادئ الحزب أن يدفعوا الثمن، مضيفًا: "عندما نخسر انتخابات أول مرة بفارق 13 ألف صوت وفي المرة الثانية بفارق 800 ألف صوت، فإن المسئول عن ذلك ليس رئيس الوزراء الذي فاز بفارق كبير في البرلمان خلال الانتخابات العامة العام الماضي، ولكنهم الذين تسببوا في تراجع كبير للخطاب والإجراءات. وبدا أن الناخبين يحملون حزب العدالة والتنمية الحاكم مسئولية الركود الاقتصادي الذي أسفر عن انخفاض قيمة الليرة بنسبة 30% العام الماضي و10% إضافية هذا العام. وقال داود أوغلو: "نواجه مشكلات اقتصادية مثلما واجهنا في عام 2008، حينئذ كان في القيادة أشخاص على دراية بالاقتصاد وكانت هناك رؤية". ويتهم الحراك الانشقاقى الرئيس التركى باتباع سياسة الزعامة الأحادية على رأس الحزب والدولة، فهو لا يستهدف المعارضين له فحسب بل المؤيدين، ووفقًا لموقع "أحوال تركية" لا يسمح أردوغان لمؤيدى الحزب بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم الخاصة، وتتم معاقبتهم في اللحظة التي ينتهكون فيها الخط الذي رسمه أولئك الذين في السلطة. وقال الصحفي التركي، أتيان محجوبيان، المستشار السابق لداود أوغلو: "الجميع يرون جيدًا أن تركيا لا تدار بالشكل اللائق، وهناك بعض الشرائح داخل العدالة والتنمية غير راضية بالمرة عن التعيينات التي تتم من خلال ممارسات بعيدة كل البعد عن معايير اللياقة والكفاءة". واعتبر المحلل السياسي التركي إلهان تانير، أن داود أوغلو ينتقم من أردوغان اليوم وبعد ثلاث سنوات من إقالته من قبل الرئيس التركي، مضيفًا أن هزيمة الحزب الحاكم في إسطنبول كشفت عن ضعف أردوغان أمام جميع حلفائه السابقين، بمن فيهم الرئيس السابق عبد الله جول، ونائب رئيس الوزراء السابق، علي باباجان. وأصدر داود أوغلو، مباشرة بعد هزيمة إسطنبول في أبريل، بيانًا طويلًا واتهم دوائر أردوغان بشكل غير مباشر بأنهم السبب في تدهور الوضع في تركيا. ويوجه داود أوغلو، الذي كان أحد مفكري الحزب وواضعي سياسات النجاح السابقة، نقده بشكل واضح لأردوغان والمسئولين الذي أحاط نفسه بهم، بعد أن تخلى عن شخصيات ذات خبرة وكفاءة كانت عارضت تعديل الدستور لإرضاء رغبة أردوغان في أن يتولى الرئاسة بعد أن استوفى حقه القانوني في رئاسة الوزراء. وعرف عن داود أوغلو، معارضته لمراكمة السلطات بيد أردوغان سواء في حزب العدالة والتنمية أو في الدولة، وهو أحد الخلافات الرئيسية بينهما، فضلًا عن اختلاف بشأن السياسات الخارجية، وفيما لا يتوقف أردوغان عن التورط في أزمات قريبة وبعيدة، وآخرها في ليبيا وقبرص، فإن داود أوغلو هو صاحب فكر تصفير الأزمات. وانتشرت شائعات عن أن داود أوغلو، سينضم إلى الحزب الجديد، لكن مصدرًا مقربًا منه قال إنه يعتزم اتخاذ خطوة جديدة لكنه لن ينضم حاليًا إلى حزب غول وباباجان، الذي يحمل أملًا في إمكانية إحداث تغييرات من داخل منظومة حزب العدالة والتنمية. وقال أندي بيرش، كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤشر آي.إتش.أس ماركت، وهو معروف بتعليقاته المتكررة على الأسواق والاقتصاد في تركيا، إن عودة باباجان إلى المشهد السياسي الوطني ستكون موضع ترحيب من قبل المستثمرين والأسواق الدولية بشكل عام. وذكر موقع "أحوال تركية"، أن باباجان يعرف على نطاق واسع بشعبيته لدى مؤسسات التمويل الغربية. ويواجه الاقتصاد التركي صعوبات عديدة منذ أن تولى بيرات البيرق، صهر أردوغان، مهام منصب وزير المالية والخزانة عقب انتخابات يونيو 2018 التي تم فيها انتخاب أردوغان. ولدى سؤاله عن كيف تنظر مؤسسات التمويل الغربية إلى باباجان، قال أندي بيرش: "لقد أظهرت تجربة باباجان حماسًا سياسيًا قويًا في مواجهة الضغوط لتبني المزيد من الإجراءات الشعبوية، ولقد كان باباجان هو الذي حاول كبح جماح قطاع البناء التركي مرة أخرى في عام 2015، واختلف مع أردوغان بشأن استقلال البنك المركزي". ويراهن محللون أتراك على أن المستقيلين من العدالة والتنمية، الذين غادروا بسبب تسلط أردوغان ورغبته في إحكام قبضته على كل شيء، يمكن أن يساعدوا في إعادة التوازن للمشهد السياسي من خلال تعديل القوانين للحفاظ على الديمقراطية. وقد تنجح المعارضة بالتنسيق مع المنشقين عن العدالة والتنمية في إنشاء كتلة معارضة في البرلمان لتمرير قرار لإجراء استفتاء جديد على النظام الرئاسي. وقال وزير السياحة والثقافة السابق أرطغرل جوناي، معلقًا على آخر التطورات السياسية التي تشهدها تركيا، "إنه خلف المظهر القوي للرئيس أردوغان هناك شخصية تعيش أضعف مرحلة في تاريخها السياسي وأكثر مراحلها عجزًا". وأضاف: "من ناحية قال الشعب "كفى!"، ومن ناحية أخرى هذه النتيجة تظهر أن حكم حزب العدالة والتنمية الذي استمر 17 عامًا يتجه نحو الهبوط". وكان أرطغرل جوناي، كشف مؤخرًا أنه كان يحضر اجتماعات علي باباجان الخاصة بحزبه الجديد، من حين لآخر، مؤكدًا أن تأسيس الحزب الجديد سيشهد انتقال عدد من قيادات العدالة والتنمية، وأن الحزب سيمثل جميع تيارات المجتمع.