حالة الجدل والارتباك شهدتها الأجواء الكنسية خلال عقد جلسات المجمع المقدس على خلفية الحرب الباردة التي قادها مطران المنوفية وأساقفة مغاغا والشباب وأسقف عام أمريكا مؤخراً بدعوى حماية الإيمان الأرثوذكسي، والتي كانت تنذر بأن يختتم المجمع المقدس جلساته هذا العام بنشوب صدام وانقسام بين الأساقفة وبطريرك الكنيسة، إلا أن الأخير نجح بحكمة شديدة في احتواء الأزمة وإعادة الهدوء للكنيسة. فقد انتهت الجلسة الختامية للمجمع المقدس بإصدار مجموعة من القرارات والتوصيات اعتبرها البعض خطوة ناجحة في تحقيق التوازن ومواصلة مسيرة الإصلاح الإداري التي يقودها البابا تواضروس الثاني، بينما وصفها آخرون بأنها تحمل قنابل موقوتة تهدد الكنيسة. وفي هذا السياق أعلن القس بولس حليم المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن المجمع المقدس برئاسة البابا تواضروس الثاني قرر الاعتراف بدير القديس هرمينا السائح بأسيوط، ودير السيدة العذراء والقديس مار يوحنا الحبيب بطريق الإسماعيلية وهما ديرين للرهبان، كما تم الاعتراف بدير السيدة العذراء ومار يوحنا الحبيب بأوهايو بالولايات المتحدةالأمريكية وهو دير للراهبات. وقال القس بولس حليم في بيان له إن لجنة شؤون الإيبارشيات الرئيسية أوصت بتأجيل تجليس الآباء الأساقفة الجدد فترة من شهر إلى ثلاثة أشهر حتى يتفرغ الأب الأسقف للدراسة وتبادل الخبرات، وكذلك إنشاء صندوق لرعاية الإيبارشيات ذات الاحتياج بحيث تشارك فيه كل الإيبارشيات بشكل اختياري، كذلك أوصت بوضع منهج تأهيلي للمكرسين والمكرسات (الخُدام) وتوجيههم إلى مجالات خدمية وتشجيعهم على الدراسات التكميلية، والدراسات العليا في مجالات خدمتهم. وأضاف أن لجنة الأسرة الرئيسية أوصت بضم منهج معهد كبار السن إلى معهد الرعاية، إلى جانب وجود دار لكبار السن في جميع الإيبارشيات وعمل اجتماع أسبوعي لهم بجميع الكنائس، ودراسة إضافة "تعهد العروسين" إلى صلاة الإكليل، فضلا عن إنشاء لجنة فرعية تختص برعاية المرأة بكل متطلباتها. بينما أوصت لجنة العلاقات والحوارات المسكونية بعمل خريطة مسكونية لكل العلاقات والحوارات مع الكنائس الأخرى، مع عمل سجل إلكتروني مبوّب لتوثيق نتائج الحوارات، فيما شملت توصيات لجنة العلاقات العامة الرئيسية، تسليط الضوء على الدور الوطني لآباء الكنيسة والإكليروس والعلمانيين وتأثيرهم في المجتمع من خلال مناهج التربية الكنسية والمنابر والميديا. لجنة إيمانية وقد جاءت القرارات الأخيرة لتمثل إضافة جديدة لسجل لبطريرك الذي نجح فى خلق توازنات داخل مجمع الكنيسة المقدس بالموافقة علي تأسيس لجنة إيمانية فرعية جديدة تتولى مراجعة الكتب والمحاضرات على أن يترأسها أحد أساقفة التيار التقليدى وهو الأنبا هدرا مطران اسوان. ووفقاً لهذا القرار يصبح للأنبا هدرا الحق فى مراجعة الأبحاث والكتب والمحاضرات التى تصدر عن الأطراف المختلفة التابعة للكنيسة القبطية إذ ينتمي المطران إلى التيار التقليدي والذي سبق ورفض فكرة قبول معمودية الكاثوليك دون فتح حوار لاهوتى معهم وهو نفس الموقف الذى يتبناه عدد من الأساقفة التقليديين فى قضيتى الإصلاح الدينى والعلاقة مع الكنائس الأخرى. ويأتي هذا القرار تعقيباً علي موقف الأنبا أغاثون اسقف مغاغة الذي أعلن عن إنشاء لجنة إيمانية فرعية داخل ايبارشيته قبل أيام من عقد جلسات المجمع. انتشر نهاية الأسبوع الماضي علي صفحات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" خطاب موجه إلى المجمع المقدس بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وموقع من كل من وكان الأنبا بنيامين مطران المنوفية والأنبا موسى أسقف الشباب والأنبا أغاثون أسقف مغاغا والأنبا مايكل الأسقف العام بالولايات المتحدةالأمريكية قد وجهوا خطاباً إلى المجمع المقدس طالبوا فيه بحماية الإيمان الكنسي من التعاليم المغلوطة التي انتشرت خلال الفترة الأخيرة بين أبناء الكنيسة. وقال الموقعون في خطابهم إن هناك ملاحظات على بعض فروع الإكليريكيات، والمراكز التعليمية الحديثة، ومناهجها، وبعض الأساتذة الذين يقومون بالتدريس فيها، سواء داخل مصر أو خارجها، وخاصة ما يسمى ب"مدرسة الإسكندرية"، وهذا يحتاج لمواجهة وعلاج، وفى مقدمة التعاليم الخاطئة، التي يتم تدريسها إنكار الخطية الجدية، وما ترتب عليها من نتائج لآدم وكل نسله، إنكار الفداء والكفارة والموت النيابى، إنكار وجود جهنم، والعقوبة، والعقاب الأبدى. ولفت الخطاب إلي الهجوم على تاريخ الكنيسة، وكل آباء ومعلمى الكنيسة المعاصرين، المشهود لهم أمثال البابا شنودة الثالث، والأنبا غريغوريوس، والأرشيدياكون حبيب جرجس وأمثالهم، وأيضا الهجوم على الرهبنة القبطية ومؤسسيها، والأديرة والآباء الرهبان، بصورة مهينة غير مسبوقة، بكل وسائل الإعلام المتنوعة. ترجمة واقعية من جانبه أعرب كمال زاخر المفكر القبطي عن سعادته بالقرارات التي صدرت عن المجمع المقدس والتي اعتبرها ترجمة واقعية لما سبق وأن طرحه من خلال كتابه الأخير "الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد؟" والذي سبق وهاجمه البعض وانتقده، وقال إنه اقترح في كتابه تأسيس مركز أبحاث أكاديمى يضم المتخصصين والباحثين عند أعلى نقطة فى الكنيسة، يعكف على وضع دستور يحدد ويقنن ويوثق الإطار العقائدى للكنيسة ومصادره المعتمدة لديها، وكذلك أبعاد وفلسفة الطقوس الكنسية وتحقيقها على المصادر الآبائية السليمة، إضافة إلى توثيق القوانين الكنسية التى تقبلها الكنيسة، علاوة على العلاقات البينية داخل الكنيسة، وتقنين العلاقات (الكنسية الكنسية) بين الكنيسة القبطية والكنائس والمذاهب المسيحية الأخرى، وتحديد مسارات العلاقات مع الأديان الأخرى ومع المجتمع العام. وفي سياق مختلف استنكر المهندس نادر صبحي مؤسس حركة "شباب كريستيان" أحد البنود التي تضمنتها توصيات المجمع المقدس والتي نص على أنه "في حالة الاحتياج إلى استثناءات لقوانين الكنيسة والتقليد المقدس نتيجة احتياجات رعوية بكنائس بلاد المهجر يجب على الكاهن الرجوع إلى أسقف إيبارشيته ويمكن للأسقف الرجوع إلى قداسة البابا." وقال صبحي: نطالب المجمع المقدس بتوضيح لهذا البند الكارثي الذي ينذر ببداية شق صف الكنيسة الأرثوذكسية، مشيراً إلى أن البند يقول أن من يحتاج لاستثناء من قوانين الكنيسة وتقليدها (المقدس) نتيجة احتياجات رعوية يتوجه للكاهن ثم للأسقف وإن استدعي الأمر للبابا وبدون أي مرجعية للمجمع المقدس ولم يتم توضيح كسر أي قانون ومخالفة أي تقليد! وطالب صبحي أساقفة المجمع المقدس بضرورة إصدار بيان رسمي للتوضيح و الرد علي ما صدر من قرارات للمجمع .