لم تكن استراحة عميد الأدب العربي طه حسين التي تقع في منطقة تونا الجبل الأثرية بالمنطقة الصحراوية الغربيةجنوب محافظة المنيا، مجرد مكانا عاديا طوال الثمانين عامًا الأخيرة، إذ ظلت شاهدة على أبرز الاكتشافات الأثرية التي ظهرت منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى كونها مقر استقبال " طه حسين " لسنوات طويلة خلال أجازاته الصيفية كل عام ، إذ عشق تلك المنطقة خاصة بعد الاكتشافات الهامة حينها على يد صديقه الدكتور سامي جبرة، إلا أن الإهمال بدأ يطولها في العقود الأخيرة دون أن تمتد إليها يد التطوير ، وسط وعود زائفة بتحويلها لمتحف يضم مقتنيات العميد. أنشأت الاستراحة في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي بعد أن قرر الدكتور سامي جبرة رئيس قسم الآثار بجامعة القاهرة أن يجعلها استراحة لعميد الأدب العربي وعميد كلية الآداب حينها بنفس الجامعة ليقضي فيها أجازته الصيفية كل عام ، وبالفعل تحولت الاستراحة لمقر استقبال طه حسين كل عام، الذي نجح في أن يحولها قبلة للمثقفين والأدباء العرب والأجانب من أصدقاءه ولرؤية ما هو جديد من اكتشافات المنطقة " تونا الجبل " وخاصة مقبرة إيزادورا ، التي كان يعشقها . تتكون الاستراحة من طابقين كان يقضي فيهام طه حسين فترة تتراوح بين شهر ونصف إلى 3 أشهر سنويا، إذ يوجد في الدور الأول غرفة وصالة كبيرة وحمام ومطبخ، وفي الدور الثاني صالة متوسطة وغرفتين وحمامين ، وتحاط بسور من الطوب اللبنى وحديقة صغيرة بها أشجار الكفور. الاستراحة استضافت أحد أشهر الأفلام المصرية حيث تم فيها تصوير جزءً من فيلم " دعاء الكروان " لأحمد مظهر وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، مما يؤكد أهمية المنطقة وحب العديد من الممثلين والمثقفين لها، رغم موقعها البعيد عن المدينة ووقوعها بالصحراء، كما ذكر العديد من الأثريون أن طه حسين كان يعشق المنطقة بشكل عام ، و كان دائم الاستماع لقصة العاشقين " إيزادورا وحابي " أصحاب أقدم قصة حب منذ 2000 عام والمدونة على مقبرة "إيزادورا" هناك ، والتي تدور قصتها بين " إيزادورا " ذات الأصول الإغريقية ونجلة الملك الحاكم في ذلك الوقت للإقليم، وأحد أفراد الجيش ويدعى " حابي " ، الذي يعد بالنسبة للعائلة الملكية مجرد فردًا من الشعب، حيث كانت تعيش مع والدها في قصر بالناحية الشرقية للنيل بالتحديد في منطقة الشيخ عبادة حاليًا، بينما يعيش محبوبها الضابط بالناحية الغربية لمدينة ملوي " الأشمونين" حاليًا، وبدأت قصة الحب بينهما حينما خرجت لمشاهدة الاحتفالات الخاصة برمز الحكمة " تحوتي " وكانت تبلغ من العمر16 سنة تقريبا، وأخذا يتقابلان لمدة 3 سنوات بالقرب من ضفاف النيل، وسط ترقب وخوف أن يراها والدها أو الحراس فتنتهي علاقتهما، وظل الأمر هكذا إلى أن وصلت الأنباء لوالدها بأنها تقابل أحد الضباط دون علمه، فطلب من الحراس بأن يتعقبوها ويمنعونها من مقابلة الضابط مرة أخرى، إلى أن قامت بالانتحار بإلقاء نفسها في النيل وفارقت الحياة حزنًا على حبيبها، وتم تحنيط جثتها وعمل مقبرة لها بمنطقة تونا الجبل، وتقع حاليا على بعض أمتار قليلة من استراحة طه حسين. ورغم القيمة التاريخية الكبيرة لاستراحة طه حسين ابن محافظة المنيا ، وهي آخر ما تبقى له في مسقط رأسه ، إلا أن الاستراحة تشهد تهميشا كبيرا دون الاستفادة منها ، وكذلك بدأت تظهر بعض التشققات داخل جدرانها. محافظ المنيا السابق اللواء عصام البديوي زار الاستراحة قبل رحيله عن منصبه بالمحافظة وعرض فكرة أن تتحول إلى مكتبة تضم كتبه ومؤلفاته العديدة ، إلا أن الفكرة لم تقابل التأييد لبعد الاستراحة، وتم استبدالها بأن تكون متحفًا لضم مقتنياته وصوره والتواصل مع أقاربه في القاهرة ، وأيضا يتم تجديدها على التراث القديم لاستقبال السائحين الدائمين لزيارة المنطقة خاصة بعد الاكتشافات الهامة في السنوات الثلاث الأخيرة ، إلا أن المحافظ تم تغييره ولم يُفتح الملف من جديد. كذلك حضر الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة السابق إلى منطقة تونا الجبل منذ عامين على هامش اكتشاف أثري جديد هناك مجاورا لتلك الاستراحة وعلى بعد أمتار قليلة منها ، وأعلن حينها عن النية لتحويل الاستراحة لمتحف يضم متعلقات طه حسين ويحكي حياة الأديب، دون أن يذكر التفاصيل، إلا أن ذلك لم يحدث، وأيضا غادر منصبه ولم يتحدث أحد عن تلك الخطة الموضوعة. الكثير من أثريي المنيا والعاملين بقطاع السياحة أكدوا ضرورة فتح الاستراحة من جديد وأن تعود لسابق عهدها كمنارة سياحية وثقافية لاستقبال المثقفين ، مناشدين المحافظ الحالي اللواء قاسم حسين بالتدخل وبدء تطوير الاستراحة ، خوفا من تهالك المبنى ويتم تحويله فيما بعد مخزنًا للآثار أو مكاتب إدارية مثلما حدث في مئات القصور والمبان التاريخية بالمحافظة في الآونة الأخيرة.