لم نراه كثيراً، ولم نسمع عنه إلا القليل.. فظهوره قليل، وحديثه أقل، بما لايتناسب مع موقعه كقيم لجماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، أي رئيسها والرجل الأول فيها، وبما لايتناسب مع مكانة وتاريخ هذه الجماعة، فقلما نراه إلا في مواقف قليلة كانت علي 3 مرات الأكثر من بعد قيام الثورة، الأولي كانت في ميدان التحرير أثناء إحدي المظاهرات التي نظمتها قوي تيار الإسلام السياسي احتجاجاً علي "وثيقة السلمي"، وثاني مرة عندما خرج ليلقي بيان الدعوة السلفية حول مرشح الرئاسة التي اختارت الجماعة تأييده، وكان الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، والمرة الأخيرة التي وجدناه فيها كان في اجتماع مغلق لأعضاء الهيئة العليا لحزب النور لحل أزمة الحزب الأخيرة. هنا نتحدث عن المرشد العام للسلفيين "علي الطريقة الاخوانية" المهندس محمد عبدالفتاح "أبوإدريس" الرجل الذي يميل أكثر للعمل الجماعي والاعتماد علي الفريق بكامله، وليس الأشخاص، والشيخ أبوإدريس يبلغ من العمر (58 سنة)، متزوج من سيدة واحدة، ولديه ولدان وبنت، ويعمل مديرًا لمركز الهدي للدراسات، لا يفضل الظهور الإعلامي بصفة شخصية، من طبيعته الخاصة أن يكون خلف الستار، ورغم ذلك لايعتبر نفسه بعيدًا عن المشهد، بل يقول إنه في قلب الحدث والمشهد دائمًا، تم اختياره رئيسًا للدعوة السلفية بالتصويت الحر المباشر مِن مجلس الإدارة الأول عند تأسيس الدعوة ككيان مستقل سنة 1979، ومِن مجلس الشوري العام في سنة 2011 بعد الثورة، حيث أصبحت الدعوة جماعة رسمية مشهرة باسم: "جمعية الدعاة الخيرية"، حيث رفضت "وزارة الشئون" إشهارها باسم: "الدعوة السلفية"؛ لوجود "فلول النظام السابق" في الوزارة إلي هذا التاريخ، وبعد الإشهار ووضع اللائحة الداخلية وخطة عمل لمدة عام، وهيكل إداري شامل تم عقد مجلس الشوري العام، وانتخاب مجلس الإدارة، وانتخاب الرئيس العام ونائبيه، تعرف علي الشيخ الدكتور "محمد إسماعيل المقدم"، حيث كانا زملاء في الثانوية العامة، ثم دخل المقدم كلية الطب، والتحق أبوإدريس بكلية الهندسة، وبدأ العمل في الدعوة في عام 1972، وأنشأ ما سمي "جماعة الدراسات الإسلامية في الجامعة" في صيف دراسة عام 1973-1974، وتم تبديل الاسم بعد ذلك إلي: "الجماعة الدينية"، حتي تعرف علي الدكتور "عصام العريان" في القاهرة، وانضم للعمل في "الجماعة الإسلامية"، ووقتها دخلت الجماعة انتخابات الاتحادات الطلابية، وظهر الدكتور "عبدالمنعم أبوالفتوح" كرئيس لاتحاد كلية الطب بجامعة القاهرة، والتقي أبوإدريس بالدكتور "سعيد عبدالعظيم" النائب الثاني لرئيس جماعة الدعوة السلفية، مع أحداث "الفنية العسكرية" حيث حدث تضييق أمني شديد عام 1974، ثم توإلي التعارف مع الدكتور "أحمد فريد"، وكذلك الدكتور "ياسر برهامي" وروي أبوأدريس أنه استمر مع البعض في العمل تحت مسمي: "الجماعة الإسلامية"، حتي نشب خلاف تسبب في سعيه إلي ترك الجماعة الإسلامية وأنشأ ما عرف وقتها ب "المدرسة السلفية"، وعمل تحت هذا المسمي، واستمر الباقون تحت المسمي الآخر حتي 1981، ثم بدأ الإخوان يعملون فيما عرف ب "التيار الإسلامي"، حتي تم تغيير اسم المدرسة السلفية إلي "الدعوة السلفية" في 1982، وبدأت في الإسكندرية وتم الاتفاق علي أن يكون اسم رئيسها "قيم الدعوة السلفية"؛ بمعني "ناظرها"، وهو الوحيد الذي حمل هذا اللقب حتي الآن. رفض أبوإدريس ورفاقه الانضمام إلي جماعة (الإخوان المسلمين) متأثرين بالمنهج السلفي الذي وصل إليهم عن طريق المطالعة في كتب التراث الإسلامي، ومجالسة شيوخ السلفية السعوديين خلال رحلات الحج والعمرة، ثم تأثرهم بدعوة محمد إسماعيل المقدم، الذي كان قد سبقهم إلي المنهج السلفي من خلال سماعه لشيوخ جمعية أنصار السنة المحمدية منذ منتصف الستينيات، وقراءاته لكتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبدالوهاب وغيرهم. وبمرور الوقت تكونت النواة الأولي للمدرسة السلفية في الإسكندرية، بعد انسحاب هؤلاء الطلاب المتأثرين بالمنهج السلفي من الجماعة الإسلامية التي هيمن عليها طلاب الإخوان وفرضوا منهجهم، حيث شرع محمد إسماعيل في تأسيس النواة الأولي للسلفيين من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس في مسجد "عمر بن الخطاب" بالإبراهيمية، وكان هذا الدرس بمثابة الملتقي الأسبوعي لهذه المجموعة الصغيرة إلي جانب حلقة أخري بمسجد "عباد الرحمن" في "بولكلي" صباح الجمعة. ويعتقد قيم الدعوة السلفية أن العمل الجماعي ضروري، ولكنه في نفس الوقت يختلف مع الإخوان في مسألة البيعة، ووصف ثورة 25 يناير بالزلزال الهائل، ويري أن الزلزال تم بأقل قدر مِن الخسائر، ويعتبر أن "حزب النور" الذراع السياسية للدعوة السلفية، المعبِّر عن رؤيتها السياسية، وقيادات الدعوة السلفية مرجعيات شرعية لحزب النور، وأن الحزب يسعي لتطبيق الشريعة الإسلامية، ويحافظ علي الضوابط القانونية التي تنظم العمل السياسي والحزبي، ويعرف الدعوة السلفية بأن هدفها الأول العمل الدعوي التربوي البنائي، و إعداد جيد للمجتمع لتطبيق الشريعة. وقيل عنه إنه يشبه الملا محمد عمر، زعيم حركة طالبان الأفغانية، الذي لم تجد له وسائل الإعلام العالمية في جعبتها سوي صورة "يتيمة" لا يعلم أحد أين ولا كيف التقطت له، يبثونها مع كل خبر أو تقرير يأتي علي ذكره، رغم أنه زعيم أعتي حركة مسلحة في العالم كبدت الأمريكان خسائر فادحة، ويري المراقبون أن "أبوإدريس"، ليس خطيبا مفوها، ولا كاتبا يسبر الأغوار، ولا يبدو أنه ممن يلتف حوله المريدون. كتب أحد شباب السلفيين علي موقع "فيس بوك" يصف حيرته أمام هذا الرجل، يقول: "لم اقرأ له ترجمة حتي الآن، ولم أجد له كتابًا أو مقالاً أو درسًا مسجلاً، أو نشاطا معروفا، قول المقربين من "أبوإدريس" إنه شخصية إدارية، أكثر منها دعوية، وصاحب كاريزما عالية، وهو أيضا باحث معمق في العلوم الشرعية، ما دعاه إلي أن يؤسس "مركز الهدي للبحوث والدراسات"، وهو معروف بتواضعه وبعده عن الظهور ولذلك لا يعرفه الكثيرون من الشباب. وقيم الدعوة السلفية واحد من أكثر الذين تعرضوا للتضييق والمطاردة من قبل جهاز أمن الدولة المنحل، وكانت أبرز تلك المحطات متمثلة في القضية التي لفقت له ولعدد من شيوخ الدعوة عام 1994 وجري علي خلفيتها حل المجلس التنفيذي للدعوة السلفية، وحين أسس السلفيون معهد "الفرقان" لإعداد الدعاة قام أبوإدريس بتدريس مادة الفقه لطلابه، وله إلي جانب ذلك عدد من المؤلفات، منها: رسالة "علم التلاوة" في تجويد القرآن، ورسالة "وأقيموا الصلاة" في فقه الصلاة، ورسالة "في فقه الصيام". وله من التحقيقات تخريج أحاديث كل من الكتب التالية "فتح المجيد"، و"معارج القبول"، و"الكافي" وكتاب "فقه السنة" للشيخ سيد سابق. وعلي الرغم من قلة ظهور الرجل، الا انه استطاع إنهاء الأزمة الطاحنة التي تعرض لها حزب النور مؤخراً، وهو الذي استطاع أن ينتشل الحزب - الذي استطاع أن يحقق نجاحات كبيرة في فترة زمنية قصيرة - من براثن الانشقاق والزوال. وحرص أبوإدريس علي حضور مؤتمر مغلق لأعضاء الهيئة العليا لحزب النور، والهيئة البرلمانية التي تضم أعضاء مجلسي الشعب والشوري للحزب مؤخراً، علي الرغم من أنه ليس عضوا بالحزب علي حد تعبيره ولكنه قرر الحضور هو والمهندس عبدالمنعم الشحات المتحدث باسم الدعوة السلفية كمستمعين لأعضاء الهيئتين العليا والبرلمانية للحزب، ولكن الأزمة التي تعرض لها الحزب كانت تستحق منه تحركات سريعة، حيث كانت الأمانة العامة لحزب النور قد أعلنت في 26 من سبتمبر الماضي إقالة الدكتور عماد عبدالغفور من منصب رئيس الحزب، في وقت قالت "جبهة الإصلاح" الموالية لعبدالغفور "إنه لا يزال رئيسا للحزب، حيث إن لائحة الحزب الداخلية لا تتيح إقالة رئيسه إلا من خلال انعقاد الجمعية العمومية". وتعود جذور الأزمة إلي خلاف حول الانتخابات والاختبارات الداخلية للحزب ووجود شكاوي ضدها، مما أدي لإصدار الدكتور عماد عبدالغفور قرارا بإلغائها، إلا أن اللجنة المركزية للانتخابات أصدرت قرارها باستمرار الانتخابات بناء علي تعليمات الهيئة العليا. وبالفعل نجح "أبوادريس" في حل ازمة حزب النور، واستطاع أن يلم الشمل، ويعيد الأمور إلي نصابها، تم استيعاب أزمة حزب النور قبل ساعات من اجتماع للجنة شئون الأحزاب كان مقررا الأحد لحسم الصراع وكان من المتوقع بموجب ذلك أن يواجه الحزب خطر التجميد. وتم إصدار بيان أعلنت الهيئة العليا فيه انتهاء أزمته بإعادة الدكتور عماد عبدالغفور، الرئيس المقال، إلي رئاسة الحزب إلي حين انعقاد الجمعية العمومية الخميس المقبل، والتي بموجبها سوف يتم انتخاب الهيئة العليا والرئيس الجديد للحزب. وكان مجلس أمناء الدعوة السلفية قد اجتمع بجميع الأطراف "جبهة الإصلاح" الموالية لعبدالغفور، وجبهة "الهيئة العليا" المخالفة له ونجح في مساعي الصلح بينهما، وتقرر استكمال انتخابات الحزب الداخلية حسب الجدول الزمني المحدد سلفا، كما اتفقوا علي أن تفصل لجنة الشيوخ في كل الشكاوي التي تقدم إليها بشأن الانتخابات.. وهكذا كان دور الرئيس العام لجماعة الدعوي السلفية أو "قيم الدعوة السلفية" كما هو مقرر لديهم داخل الجماعة، ولكن علي الرغم من أنه الرجل الأول داخل الجماعة لكنه لايحب الظهور أو التعامل مع الواقع بهذا الشكل، بل إنه يفضل العمل الجماعي ولا يحب السيطرة كآخرين أقل منه في المنصب.