في سابقة تُعد الأولى من نوعها في تاريخ دولة إثيوبيا، عُين الدكتور آبي أحمد رئيسًا جديدًا للوزراء في البلاد، وبذلك أصبح أول رئيس حكومة مُسلم في إثيوبيا عبر تاريخها، ما أثار عدة تساؤلات حول موقف رئيس الوزراء الجديد تجاه بعض القضايا سواء تلك التى ترتبط بأوضاع المسلمين في هذه الدولة الإفريقية وكذلك تجاه سد النهضة الذي يعتبر أحد أهم أسباب توتر العلاقات بين القاهرةوأديس أبابا بين الحين والآخر. وكان الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، قد اختار الدكتور آبي أحمد المسلم الذي ينحدر من عرقية "أورومو"، رئيسًا جديدًا للوزراء، عقب استقالة هايلي مريم ديسالين، رئيس الوزراء السابق في الشهر الماضي، في محاولة لتمهيد الطريق لإصلاحات سياسية لمواجهة الاحتجاجات والمطالبات بالإفراج عن معتقلين من المعارضة. واختارت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، التي تتألف من 180 عضوًا آبي أحمد لخلافة هايلي مريم في رئاسة الائتلاف، من بين أربعة مرشحين، وكان الثلاثة الآخرون هم ليما ميجيرسا، رئيس منطقة "أورومو" التي تمثل أكبر مجموعة عرقية فى الائتلاف الحاكم، ونائب رئيس الوزراء السابق، وديميك ميكونين، الذى ينتمي إلى القومية "الأمهرية"، والثالث، ورقيني قيبو، وزير الخارجية الحالي. وكان هايلي مريم ديسالسن، من عرقية "ولايتا" الصغيرة، قد قدم استقالته الشهر الماضي بعد مظاهرات في ولايتي أوروميا وأمهرة، حيث يقول السكان إنهم يتعرضون لتهميش سياسي واقتصادي، خلال الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، جراء الضغوط الشعبية ضد النظام الحاكم منذ عام 2015 عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة بسبب نزاع بين المواطنين غالبيتهم من عرقية "أورومو" والحكومة حول ملكية بعض الأراضي، ولكن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف. ورغم أن الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية قد قادت البلاد إلى تحقيق نمو اقتصادي سريع في ثاني أكبر بلدان أفريقيا من حيث عدد السكان، لكنها واجهت انتقادات من الداخل والخارج بسبب طبيعة الحكم الاستبدادي. تاريخ نضالي ولد آبي أحمد، البالغ من العمر 42 عامًا، في منطقة "أغارو"، بمدينة جيما بإقليم الأورومو، من أب مسلم كان يعمل بالزراعة وأم مسيحية، وهو يتحدث اللغة الإنجليزية و3 لغات محلية إثيوبية (أمهرية وأورومية وتيجرينية)، وحصل على درجة الدكتوراه من معهد دراسات السلام والأمن "إيبس" التابع لجامعة أديس أبابا، عن حل النزاعات المحلية في البلاد، في أكتوبر الماضي. والتحق آبي، بالنضال المسلح عام 1990 مع رفاقه في الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، وهي إحدى جبهات الائتلاف ضد نظام حكم "منجستو هايلى ماريام" العسكري في الفترة من 1974 إلى 1991، حتى سقط حكم الأخير. وانضم آبي أحمد، رسميًا لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية عام 1991، في وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل رتبة عقيد عام 2007، ورغم تجوله ما بين المؤسسة العسكرية وتطوير إمكانياته العلمية والأكاديمية، فأنه في عام 2010، غادر وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية "إنسا" ليتفرغ للسياسة بصورة رسمية ومباشرة، كما أن المهام الأخرى التى تولاها كان يمارس السياسة بجوارها. وعمل آبي كعضو في الجبهة الديمقراطية لشعب "أورومو"، وتدرج إلى أن أصبح عضوًا في اللجنة المركزية للحزب، وعضوًا في اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم في الفترة ما بين عامي 2010 و 2012، كما تم انتخابه عضوًا بالبرلمان الإثيوبى عن دائرته في 2010. وخلال فترة خدمته البرلمانية، شهدت منطقة "جيما" بضع مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات، ولعب أبى أحمد دورًا محوريًا بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية ورجال الدين، في إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة. وفي عام 2015 أعيد انتخابه في مجلس نواب الشعب الإثيوبى، كما انتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية للجبهة الديمقراطية لشعب أورومو. وأسّس آبي أحمد، وكالة لأمن الشبكات والمعلومات، سعت لمراقبة الإثيوبيين العاديين، بمن فيهم المنشقين في أوروبا وأمريكا الشمالية، وبين عاميّ 2008 و2010، أشرف على توسيع عمليات البث الإذاعي والتلفزيوني في وقت تشتهر فيه إثيوبيا بانعدام الحريات الصحفية. وتولى آبى أحمد، وزارة العلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية، في الفترة من 2016 إلى 2017، قبل أن يترك المنصب ويتولى منصب مسؤول مكتب التنمية والتخطيط العمرانى بإقليم "أوروميا" ثم نائب رئيس إقليم أوروميا نهاية 2016. وسيكون أبي أحمد، أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو" حكم إثيوبيا منذ بداية حكم الائتلاف الذي بدأ قبل 27 عامًا، والأورومو هي جماعة عرقية تتواجد في إثيوبيا وشمال كينيا وأجزاء من الصومال، بتعدد 30 مليون متوزعين على جميع أنحاء العالم، ويشكلون واحدة من أكبر الأعرق في إثيوبيا، بحوالي 34.49٪ من عدد السكان وفقًا لتعداد عام 2007 في أثيوبيا. سد النهضة ويواجه خليفة ديسالين، تحديات كثيرة أبرزها ملف "سد النهضة" الأكثر تعقيدًا خاصة في ظل الرفض المصري لقيام السد، وفشل عدة جولات من المفاوضات في التوصل إلى اتفاق حول تلك الأزمة التي تتطلب من الوافد الجديد التعامل بنوع من الحكمة، خاصة أن اختياره رئيساً للوزراء تزامن مع بدء فعاليات الذكرى السابعة لوضع حجر أساس سد النهضة الإثيوبى، مطلع شهر مارس الماضي، لتستمر الاحتفالات في شتى أنحاء البلاد ويتم اختتامها مطلع إبريل الجاري. وتحتفل إثيوبيا كل عام لمدة شهر كامل، بذكرى وضع حجر أساس السد، ليتم اختتام تلك الفعاليات في موقع السد بإقليم "بني شنجول"، وتشمل تلك الاحتفالات كافة قطاعات الدولة، حيث يشارك بها الجيش والشرطة وجميع الوزارات ومؤسسات الدولة الإثيوبية، كما يتم خلالها جمع تبرعات المواطنين لبناء السد. وعقب مرور 7 سنوات على بدء تنفيذ إثيوبيا إنشاء سد النهضة، لا يزال حتى الآن الركود هو سمة المفاوضات الفنية، خاصة عقب استقالة "ديسالين" من منصبه، حيث طلب الجانب الإثيوبي تأجيل اجتماع "اللجنة التساعية" الذي كان من المفترض انعقادها يومي 24 و25 من فبراير الماضي بالخرطوم، إلى يومي 4 و5 من إبريل الجاري، وهي اللجنة التي وجهت الحكومة السودانية دعوة رسمية لمصر وإثيوبيا لعقدها، وتضم وزراء الخارجية والري ومديري أجهزة المخابرات بالدول الثلاثة لبحث أزمة سد النهضة الإثيوبي. وجاء هذا الإعلان عقب القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسي، والرئيس السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، على هامش قمة الإتحاد الإفريقي، نهاية يناير الماضي، حيث قررت القمة تشكيل لجنة تساعية لعقد اجتماع لتقديم تصورات للرؤساء خلال شهر لكيفية حل الأمور الفنية المتعلقة بسد النهضة الإثيوبى. كما أعلن عقب القمة الثلاثية، وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أنه تم الاتفاق خلال القمة الثلاثية بين مصر والسودان وأثيوبيا، على الانتهاء من الدراسات الفنية الخاصة بسد النهضة خلال شهر واحد، مضيفًا أنه لا يوجد طرف وسيط في هذه الدراسات في الوقت الحالي، كما أن مصر متمسكة بتنفيذ بنود اتفاق الخرطوم 2015، الخاص بإعلان المبادئ في التعامل مع بناء سد النهضة، باعتباره هو الركيزة الأساسية في التعامل مع الأزمة، بما يحقق مصالح الدول الثلاث. وفي سياق هذه التطورات التي سبقت استقالة "ديسالين".. هل سينجح "آبي" بعد توليه لمنصبه الجديد في تجاوز العقبات التي حالت دون اتفاق الدول الثلاث حول ملف سد النهضة.. أم سيسير على نهج سلفه؟.