مازالت ردود الفعل الغاضبة تتوالي بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس،حيث أعلنت عدد من الكنائس المحلية والعالمية رفضها للقرار، مؤكدة دعمها للحل السلمي والابتعاد عن التصعيد الذي ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة. وجاء قرار ترامب ليثير من جديد قضية السماح للأقباط بالحج وزيارة المقدسات الدينية في القدسالمحتلة والتي تواجه دائماً جدلاً واسعاً بين الأقباط والكنيسة منذ قرار البابا شنودة الراحل بالمقاطعة وحظر زيارتها. وقد أكدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن قرار الرئيس الأمريكي يتعارض مع كل المواثيق الدولية بشأن القدس، محذرة من أنه سيؤدى إلى نشوء مخاطر كبيرة تؤثر سلبًا على استقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل. ودعت الكنيسة إلى ضرورة الحفاظ على الوضع القانونى للقدس فى إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية فى هذا الشأن، مشيرة إلى أنها تقف فى صف الجهود الرامية إلى دفع عجلة السلام، وداعية إلى السير فى طريق التفاوض كسبيل أمثل لإقرار الوضع العادل الذى يتوافق مع الحق التاريخى لمدينة القدس وبلوغ لحل عادل وسلام شامل. من جانبه أوضح الدكتور القس أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية، أن القرار سيؤدى إلى زيادة التوتر بالمنطقة العربية، ويؤجج المشاعر العربية ولا يخدم قضية الحل السلمى وإقامة الدولتين، كما أنه يتعارض مع كل القرارات والمواثيق الدولية. وأضاف في بيان له "القدس عاصمة للأديان السماوية بأكملها وعاصمة لدولة فلسطين، وبالتالي من غير المناسب ما صدر من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وسيزيد من العنف والتوتر في المنطقة والعالم بأكمله". وتابع "هذا القرار أساء إلى مشاعر مئات الملايين من العرب مسلمين ومسيحين"، مؤكدًا أن القرار لن يغير من حقيقة أن القدس أرض محتلة يجب أن تعود إلى سيادة أصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن. ودعا زكي جميع دول العالم للعمل على حل القضية الفلسطينية والعودة إلى دائرة المفاوضات، والوقوف صفاً واحداً بجانب الجهود الرامية لتحقيق السلام العادل والشامل فى المنطقة، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الوضعية القانونية والدولية للقدس، مؤكدا أن القرار من شأنه تقويض عملية السلام فى المنطقة ومزيد من الإرهاب والعنف. وعبر الأنبا رفيق جريش، المتحدث الإعلامى باسم الكنيسة الكاثوليكية، عن رفض كنيسته وعلى رأسها البابا فرنسيس بابا الفاتيكان لما قام به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى ضرب بعرض الحائط مساعى السلام، دون أن يضع فى الاعتبار بابا الفاتيكان أو المسلمين أو كل الدول التى تدعو للسلام، أو حتى الإسرائيليين المؤيدين لعملية السلام، واتخذ قرار يخدم مصلحته ومصلحة اللوبى اليهودى بالولاياتالمتحدةالأمريكية. وأوضح جريش أن القرار سيخلف مزيداً من العنف والتطرف فى المنطقة، وقال"ما قام به ليس فى محله ولا وقته، فخضوعه لضغط اللوبى اليهودى أزمة سوف يجنى ثمارها الشرق الأوسط". وتابع "أكد البابا فرنسيس علي ضرورة التزام الجميع باحترام الوضع الراهن لهذه المدينة "كمدينة محتلة" وفقًا لقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة"، موضحًا أن القدس هى مدينة فريدة، مقدسة بالنسبة للعبرانيين والمسيحيين والمسلمين، حيث فيها يكرمون الأماكن المقدسة لدياناتهم، ولها دعوة خاصة إلى السلام. وقال الدكتور منير حنا أنيس، مطران الكنيسة الأسقفية بمصر، إن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يتسم بالتسرع وعدم الحكمة، وستكون له عواقب وخيمة. وأضاف "حل النزاع الفلسطينى - الإسرائيلى يجب أن يأخذ الأولوية فى الوقت الحاضر، وأن وضع مدينة القدس يجب أن يكون جزءا من الحل الشامل للنزاع". وأكد حنا أن هذا القرار يضعف الدور الذى يجب أن تقوم به أمريكا كوسيط لحل الصراع بين فلسطين وإسرائيل، لافتاً إلى أن حل الدولتين الذى يحظى بتأييد المجتمع الدولى هو الضمان لسلام شامل وعادل فى المنطقة كلها. يذكر أن الكنيسة الأسقفية أصدرت كتابا بعنوان "القدس لمن؟" قدمه الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية، والمطران منير حنا، الذى يتضمن الأدلة التاريخية لأحقية المسلمين والمسيحيين فى القدس، ويؤكدان أنه من الخطأ بمكان اعتبار هذه المدينة جزءاً من إسرائيل وحدها. من جانبهم أعرب عدد من بطاركة ورؤساء الكنائس المحلية فى القدس، عن استنكارهم لقرار ترامب وطالبوا فى خطاب أرسلوه للرئيس الأمريكى بالتراجع عنه، حيث إن أى تغيير مفاجئ سيخلف ضرراً بالغاً على المنطقة. وفي نفس السياق قال القس الدكتور أولاف فيكس تفانيت، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، في بيان له "على الولاياتالمتحدة أن تلعب دورًا محوريًّا في تشجيع ودعم المفاوضات البناءة بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل لإحياء عملية السلام"، مشددًا على أن فرض هذا القرار على وضع القدس لن يؤدي إلا إلى مزيد من خيبة الأمل وزيادة التوتر وتضاؤل الأمل في الحل السلمي للقضية الفلسطينية. وأضاف تفانيت "أن الكنائس الأعضاء بالمجلس، إلى جانب جميع المسيحيين في جميع أنحاء العالم، يتطلعون إلى مدينة القدس المقدسة باعتبارها موقع الحدث الأساسي في أصول إيماننا المسيحي" وتابع "أن مجلس الكنائس العالمي يعترف بالقدس كمدينة مكونة من ثلاث ديانات وشعبين"، مضيفاً "أننا جميعًا ندرك الأهمية المركزية والحساسية السياسية والاجتماعية والدينية الحادة لوضع القدس في أي سلام نهائي ومستدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين". حظر السفر من جانبهم تباينت ردود فعل الكنيسة والأقباط تجاه تداعيات قرار ترامب وتأثيرها علي قضية حظر سفر الأقباط للقدس المحتلة . وأكد المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية القس بولس حليم، أن موقف الكنيسة من رحلات الأقباط إلى القدس ثابت ولم يتغير، برفض الزيارة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الكنيسة تسمح فقط للحالات الكبيرة السن بالسفر إلى القدس لدوافع إنسانية، ولا تعطي تصاريح لغير ذلك. وقال نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان إن الكنيسة المصرية لن توافق أو تسمح لأي قبطي بمخالفة قرار البابا شنودة الراحل بحظر السفر أو الحج إلى القدس طالما استمر العدو الصهيوني في احتلال الأرض الفلسطينية وكل من سافر وأخذ تأشيرة الدولة العبرية هو الذي سيتحمل قرار نفسه، والكنيسة تخلي مسئوليتها وتنأى بنفسها عن هذه الممارسات الفردية. وكشف جبرائيل في بيان سابق له عن أعداد الحجاج المسيحيين إلى القدس خلال موسم الحج عام 2017، والتي بلغت نحو 15 ألف حاج، مقارنة ب 9 آلاف خلال موسم الحج لعام 2016. وأرجع جبرائيل ، ارتفاع أعداد الحجاج إلى حكم الدستورية العليا، والذي يسمح للمسيحيين بأجازة شهر مدفوعة الأجر مرة واحدة في العمر، من أجل أداء فريضة الحج، على الرغم من سريان الحظر البابوي بخصوص السفر للقدس. وفي السياق ذاته أدان محب شفيق الأمين العام للاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن القرار الأمريكي ، قائلاً إن التاريخ والجغرافيا والوثائق التاريخية والمعاهدات تؤكد أن القدس أرض فلسطينية وعربية، والمسجد الأقصي عربي وكنيسة القيامة عربية، والسيد المسيح ولد في فلسطين لأن اليهود لم يكن لهم دولة يوما ما. وطالب شفيق الرئيس ترامب بتحكيم صوت العقل وتعليق القرار الذي يقضي علي عملية السلام بأكملها ،داعياً الجامعة العربية وكل الدول العربية بالتحرك دولياً لمنع المساس بوضع القدس كمدينة محتلة. وأوضح أنه رغم مطالبته للكنيسة في السابق بالتراجع عن قرار حظر رحلات الحج إلي القدس نتيجة تغير الأوضاع عن وقت قرار البابا شنودة الراحل، إلا أن قرار الرئيس الأمريكي يدفعهم لدعم الفلسطينيين بالتمسك بقرار "شنودة". وقال "بعد قرار ترامب الأخير لا يمكن للكنيسة أن تتخذ هذه الخطوة خاصة وأن تأشيرات الحج تأتي عن طريق إسرائيل وهذا ما نرفضه". وأكد شفيق على أن رفض اتحاد الكنائس المصرية لقرار ترامب ومنع زيارة الاقباط للقدس سيشكل أداة ضغط علي أمريكا للتراجع عن قرارها. ديني وسياسي ومن ناحيته رفض كمال زاخر المفكر والباحث القبطى، ومنسق التيار العلمانى، الربط بين زيارة الأقباط للقدس وقرار الرئيس الأمريكي الأخير قائلاً إن قرار ترامب سياسى وزيارة القدس بالنسبة للأقباط شأن دينى ولا رابط بينهما، فرحلات الحج إلى القدس التي يقوم بها المسيحيون هي شعيرة مسيحية ولا علاقة لها بالسياسة أو التوترات بين الدول ومن ثم لا يجب الربط بين ما هو ديني وما هو سياسي. وأشار إلى أنه اعترض على قرار البابا شنودة برفض زيارة المسيحيين للقدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي وقت صدوره، لأنه لم يكن قراراً دينياً بقدر ما كان محاولة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لكى تحصل الكنيسة على أحقيتها فى دير السلطان، إضافة إلى أن القرار جاء فى وقت شهد تصاعد المواجهة بين البابا والدولة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وتم توظيف القرار فى هذا الصراع وهو ما سجله الإعلام فى الفترتين ما قبل الصدام، وما بعده. وتابع: يجب الفصل في تعامل الكنيسة مع القضية وعدم الخلط بين السياسة والدين فى سفر الأقباط للقدس للحج، فلا يجوز أن يتم حرمان المسيحيين من أداء فرائضهم.