"الشعب يريد إسقاط النظام" بهذه الجملة أنهى الكاتب صبحي موسى روايته "نقطة نظام" الصادرة مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية، وفيها قدم الكاتب جانبا من الأسباب التي دعت الجماهير للخروج إلى الشوارع والميادين مطالبة بسقوط النظام ، حيث اشتد الظلم على مختلف طبقات المجتمع، وكثر الفساد وتحلل الجهاز الاداري للدولة، وهو ما سمح بوصول عصابات المخدرات والسلاح والآثار إلى قرى الريف المصري، وسيطرتها عليه تحت مظلة شبه رسمية من الجهاز الأمني، مما أدى إلى انهيار البلاد وسرعة تداعي النظام بمجرد الخروج عليه. في هذه الرواية قدم موسى معادلاً فنيا للواقع المعاش، حيث افترض وجود قرية لا يعرفها أحد على الخريطة، يحدث بها انفجار عظيم يختفي على إثره حي الأثرياء الذين عادوا من الخليج ليبنوا بأموال النفط وثقافته بيوتا تشبه القصور والفيلات، لكن هذا الانفجار أعاد الحي إلى سابق عهده الذي تعرفه القرية جميعاً، حيث كان منطقة مهجورة لا يسكنها إلا الغجر والغرباء على القرية، تلك التي لها قوانينها الخاصة، إذ ا لا تستضيف الغرباء، ولا تجعلهم يطأون بأقدامهم أرضها الخضراء، لكن بعودة القادمين من الخليج وبنائهم في تلك الأرض المهجورة تضعف القوانين ويفسد النظام. تعد فكرة النظام هي الهاجس الرئيس لدى صبحي موسى في هذه الرواية، فهناك النظام السياسي بقواته الشرطية التي احتلت القرية عقب حدوث الانفجار، حيث قامت بعزلها عن العالم إلى أن تعرف الحكومة مصدر السلاح الأكثر خطورة عن غيره من الأسلحة، فبإمكانه أن يخفي منطقة كشارع قصر العيني بما فيه مجلس الوزراء ووزارة الداخلية ومجلس الشعب ومجلس الشوري وغيرهم. ومن ثم فحين وصل الخبر إلى رأس النظام السابق اتصل برئيس وزرائه قائلاً أن بلدا اختفت وهو لا يعرف، فأخذت الرتب تتدحرج على سلالم الوزارة مستقلة العربات الكبيرة في اتجاهها إلى القرية المجهولة، وفي الطريق يرسم قائد الحملة السيناريو المحكم الذي يطمئن رأس النظام ومن بجانبه قبل أي شيء، لكن الأحداث تتعقد وتتشابك ويضطر قائد الحملة للبقاء في القرية لمعرفة ما جري، فحسب قوله أن يتقاعد عن العمل ويعرف ما حدث في هذه القرية أفضل من أن يترقي وهو لا يعرف شيئاً، لكن صراع الحرس القديم والحرس الجديد في القاهرة يلقي بظلاله على القرية ومن فيها، فيضطر قائد الحملة إلى الهروب بنفسه من أجل تولي منصب كبير في العاصمة، تاركاً مصير القرية وأهلها في يد ضابط صغير. لا يتوقف موسى عند تقديم النظام على هذا النحو، فثمة نظام أكبر وأعمق وأقدم اختل توزانه في القرية، وهو نظام ملوك الليل والنهار، حيث قام التوازن بين وجود عدد من المتصوفة الذي يقومون بحماية أطراف القرية من شرور السحرة والمردة من الجن، هؤلاء الذين يسعون بقدر ما يمكنهم إلى الدفع نحو نهاية العالم، كي يأتي المهدي المنتظر وفقا للخطوات التي حددوها، بدءا من الذبيح الذي قتل في ملابس عرسه، وصولاً إلى الابن العائد إلى أهله فيجد نفسه فدية على أبواب المقابر، خطوات سبع حددها العرافون حتى يجيء زمن حسان أو نهاية الزمان، لكن المتصوفة يقاومون ذلك، فيستمر التوازن في القوي بين الطرفين إلى أن يظهر العائدون من الخليج، فيكثر الغرباء وتسيل الدماء وتظهر الفتن، وتتوالى العلامات، ومن ثم ظهور المهدي. لعب موسى في هذه الرواية على الفنتازيا كحل فني يمكنه من طرح ما يريده دون السقوط في محاذير التابو، سواء الديني أو السياسي، وكانت أولى خطوات الفنتازيا هي إيهام القارئ بأنه يريد أن يكتب رواية، لكنه لا يعرف كيف يكتب رواية عن أهله، وسرعان ما يجد القارئ أن الكاتب قد بدأ في كتابة الرواية، وأنه قد اصبح شخصية روائية، ويصبح لدينا عالمان أحدهما واقعي والآخر مكتوب، ويتداخل العالمان حتى تتماهى فى الحدود، ويصبح المتخيل هو الواقع والواقع هو المتخيل، فنجد أنفسنا في حالة من المتعة والدهشة والتوتر طيلة الوقت، حيث تتصاعد الأحداث ما بين الأهالي والعسكر، وما بين المتصوفة والسحرة، وما بين الكاتب والجميع، حيث لا يتوقف الرصد على ما جرى في القرية قديمة منذ ثورة يوليو، والاصلاح الزراعي وهيمنة قطاع الطرق على القرى في عصور الظلام، ولا حتى تحول تجار المخدرات إلى تجار سلاح وآثار بفعل عصر الانفتاح وانفتاح الانفتاح فيما بعد، ولكن يربط الكاتب كل ذلك بما يجري في القاهرة، سواء بالصراع بين الحرس القديم والحرس الجديد، ورغبة الرجل الكبير توريث نجله مقاليد البلاد، وفشل القبضة الأمنية في كثير من المواقف والأفعال، فضلاً عما يجري من الأحزاب وضعفهما، وما يجري من قبل الحركات الراغبة في التغيير وصولاً إلى الانفجار العظيم، حيث خرج الجميع يرددون الشعار الأثير "الشعب يريد إسقاط النظام". يذكر أن لصبحي موسى خمس روايات سابقة هي (صمت الكهنة، حمامة بيضاء، المؤلف، أساطير رجل الثلاثاء، الموريسكي الأخير)، وأن "نقطة نظام" عمله الثاني الذي يصدر عن المصرية اللبنانية بعد الموريسكي الأخير.