أكد معهد "ستراتفور"، الأمريكى للدراسات الاستخباراتية والأمنية، أن كل المؤشرات تشير إلى أن مصر فى طريقها لأن تصبح مركزًا استراتيجيًا للغاز الطبيعى فى منطقة الشرق الأوسط، شريطة أن تعيد ترتيب "البيت الداخلى". ونشر المعهد تقريرًا عن الاكتشافات الهائلة للغاز الطبيعى فى شرق البحر المتوسط، خلال العقد الأخير، والتى كان لمصر منها نصيب الأسد، ففى منتصف العقد الماضى أصبحت مصدرًا للغاز إثر سلسلة من الاكتشافات البحرية، أوصلت صادراتها إلى 20 مليار متر مكعب فى 2009. وأشار إلى أنه من العوامل المؤهلة لمصر، لتحقيق هدفها كمركز للغاز الطبيعى: البنية التحتية الهائلة وسوق الاستهلاك الكبير، ما يجعل أى مشروع لتطوير إنتاج الغاز الطبيعى مجديًا اقتصاديًا، لكن التقرير يستعرض ما أصاب الاستراتيجية المصرية من تراجع فى السنوات الأخيرة، وهو ما قابلته الحكومة بإجراءات إصلاحية منذ 2014 لاستعادة المبادرة مرة أخرى. على سبيل المثال، وقعت مصر نهاية أغسطس عقد إنشاء خط أنابيب للغاز مع قبرص لربط حقل الغاز البحرى القبرصى أفروديت مع السواحل المصرية، لكن المشروع بحاجة لتأمين التمويل ليصبح جاهزا بحلول 2020، ويرى المراقبون أن العقبة الرئيسية أمام طموحات مصر الغازية هى مستويات الدعم لاستهلاك الغاز الطبيعى محليًا، فمنذ 2008 ثبتت مصر سعر الغاز عند 2.65 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو سعر يناسب المستهلك المحلى لكنه يشكل عقبة أمام دخول الاستثمارات الأجنبية فى القطاع. وأضاف المعهد أنه أصبح على المستهلكين للغاز لأغراض الصناعة دفع سعر 7 دولارات للمليون وحدة كما بدأت الحكومة تسديد مديونياتها لشركات الطاقة، البالغة 6.3 مليار دولار عام 2013، وبدأت الإصلاحات التى أطلقها الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى بتغيير المدفوعات للشركات مقابل الغاز الطبيعى فى 2014. ويضيف تقرير المعهد الاستخباراتى، أنه مع اكتشاف حقل "ظهر" اتفقت الحكومة المصرية مع شركة إينى الإيطالية على دفع ما بين 4 و5.88 دولار للمليون وحدة، ما جعل إينى تسرع فى عمليات تطوير الحقل ليبدأ فى إنتاج 10 مليار متر مكعب العام المقبل، و28 مليار متر مكعب حين استكمال مرحلته الثانية فى 2019، كما بدأت شركة "بى بى"، تطوير مشروعين لها فى دلتا النيل بمصر وتسريع عملياتها البالغة كلفتها 12 مليار دولار، ويفترض أن يضيفا 12.4 مليار متر مكعب من دلتا غرب النيل و3.1 مليار متر مكعب من مشروع أتول. وفيما يرى التقرير أن زيادة الاستهلاك المحلى، كفيلة بامتصاص أغلب الإنتاج الجديد، إلا أن مصر تمتلك فى المقابل ميزة مهمة، تكمُن فى توفر منشآت تسييل الغاز لديها، وسرعة تطوير حقولها البحرية أكثر من إسرائيل وقبرص، وهو الأمر الذى دفع شركة "نوبل إنرجى"، التى تطور حقل تامار وحقل ليفياثان البحريين الإسرائيليين، إلى بدء مشاورات مع مصر والأردن لتوسيع نشاطها، وخصوصًا بعد اكتشاف مخزونات مصرية جديدة، فضلا عن انعدام العقبات الإدارية والبيروقراطية التى تواجهها فى تطوير المشروعات الإسرائيلية. وسلّط المعهد الضوء على العقود التى وقعتها شركة نوبل، مع مصر والأردن، ومنها عقد غير ملزم مع شركات "بى جى جروب"، "رويال داتش"، لإرسال 7 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، ولمدة 15 عاما، إلى منشأة تسييل الغاز فى إدكو بمصر، كما وقعت عقدا مع شركة دولفينوس القابضة المصرية لتصدير 4 مليارات متر مكعب من الغاز، لمدة بين 10 إلى 15 عاما. وقال المركز البحثى، إن الاتفاق الذى أبرمته مصر مع قبرص بشأن أنبوب جديد الغاز الطبيعى يمكن أن يعيد الحياة إلى هذا القطاع فى قبرص، إضافة إلى استحواذ شركتى "شل" و"بى جى جروب" على نسبة 35% من حقل أفرودايت، التى تعتبران أن الحقل يشكل مصدرا محتملا لمحطة تسييل الغاز فى إدكو. جدير بالذكر أن وزير البترول طارق الملا، أعلن فى منتصف أغسطس المنقضى، أن مصر ستزيد إنتاجها من الغاز الطبيعى بحلول 2020-2021، مؤكدًا أن إنتاج مصر من الغاز سيصل إلى أكثر من 7.5 مليار قدم مكعب يوميا. كما تجدر الإشارة إلى أن شركة "شل"، نجحت فى تحقيق كشف جديد للغاز بمنطقة امتياز شمال علم الشاويش بالصحراء الغربية، وهو الكشف الذى تقدّر الكميات المبدئية فيه بحوالى نصف تريليون قدم مكعبة من الغاز مع احتمال وجود احتياطيات أكبر، ليكون بذلك الكشف الغازى الثانى منذ 2015، بعد أن أعلنت شركة إينى الإيطالية نهاية أغسطس من العام الماضى، عن اكتشاف حقل "ظهر"، الذى يوصف بأنه أكبر حقل غاز فى التاريخ، بالبحر المتوسط، إذ إن المعلومات الأولية توضح أنه يحتوى على احتياطيات أصلية تقدر بحوالى 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى.