كشفت وثائق وبرقيات دبلوماسية، وسجلّات لاجتماعات حكومية رصدتها الbbc عن اتصالات مُباشرة وغير مباشرة بين «الخميني» والحكومة الأمريكية، قبيل الإطاحة بالشاه، وكيف استطاع «الخميني» إقناع الحكومة الأمريكية بتسهيل عودته إلى إيران، مؤكّدًا أن المصالح الأمريكية لن تتضرر من نجاح الثورة الإيرانية الإسلامية. يونيو 1963. «الخميني»، المعارض الصاعد لحكم الشاه «محمد رضا بهلوي»، آخر ملوك إيران، ألقى خطابًا ناريًا انتقد فيه الشاه وثورته البيضاء؛ البرنامج الإصلاحي الذي شمل برنامجًا لإصلاح الأراضي، ومنح النساء حق التصويت. اعتقل «الخميني»، وبدأت موجة من التظاهرات العنيفة التي استمرت لثلاثة أيام، وقمعها الجيش الإيراني. بحسب إحدى وثائق الاستخبارات المركزية، فإن «الخميني» أرسل رسالة إلى إدارة الرئيس الأمريكي «جون كينيدي»، أثناء تواجده تحت الإقامة الجبرية بطهران، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1963، بعد عدة أيام من إعدام اثنين من منظمي التظاهرات، وقبل زيارة الرئيس السوفييتي لإيران. أراد «الخميني»، وفقًا لتحليلات الاستخبارات الأمريكية في 1980، استغلال خطر التقارب السوفييتي الإيراني المحتمل للتأكيد لإدارة «كينيدي» أنّه لا مشكلة لديه مع أمريكا، وليس معارضًا لمصالحها، بل إنه يرى الوجود الأمريكي «ضروريًا» لمجابهة النفوذ السوفييتي والبريطاني. لكن «كينيدي» تم اغتياله بعدها بأسبوعين في ولاية تكساس، ولا ندري ما إذا كان قد رأى الرسالة قبل مقتله أم لا. وبعدها بعام واحد، خرج «الخميني» منفيًا من إيران، بعد هجوم آخر شنّه على الشاه، منتقدًا تمديد الحصانة القضائية لتشمل العسكريين الأمريكيين في إيران. يناير1979. خمسة عشر عامًا مرّت. استقرّ «الخميني» في باريس، واكتسب حراكه المناهض للشاه من الزخم ما يكفي للإطاحة بحكمه الشمولي. لكن «الخميني» كان يعلم جيدًا أن الولاياتالمتحدة لن تسمح بحدوث هذا، وخشي تدخلها في اللحظة الأخيرة بانقلاب يعيد الشاه مرة أخرى إلى سدة الحكم، كما حدث في عام 1953، بمساعدة الاستخبارات الأمريكية. وفقًا للتقرير، كانت الأمور في طريقها إلى الانفجار، والجانبين – رجال الحرس الملكي وأتباع الخميني – على استعداد للقتال حتى الموت. وحربٌ أهلية إيرانية لن تخدم مصالح الولايات المتّحدة الاستراتيجية، خاصة وأنها ستضع حيوات آلاف العسكريين الأمريكيين بإيران على المحك، وتهدد واردات النفط. هنا بدأت الولايات المتّحدة في التخلي عن الشاه تدريجيًا. في 9 نوفمبر 1978، أرسل «ويليام سوليفان»، السفير الأمريكي بإيران برقية إلى الحكومة، حذّر فيها من سقوط الشاه الوشيك، ونبّه إلى ضوروة إخراج الشاه وجنرالاته من إيران، ومحاولة عقد صفقة مع صغار قادة الجيش، وبالطبع، «الخميني». رفض الرئيس «كارتر» اقتراح «سوليفان» الجريء حينها، لكن بحلول شهر يناير، أدرك «كارتر»، بعد اجتماع مع نخبة من مستشاريه – ضرورة رحيل الشاه في «إجازة» من أجل تهدئة المعارضة، خاصة مع تواتر الأنباء عن انقلاب عسكري وشيك. رحل الشاه لقضاء «إجازته»، تاركًا خلفه رئيس الوزراء «شابور بختيار»، وجيش مشتّت قوامه 400 ألف عسكري. لم يحظ «بختيار» بالدعم لا من الشعب، الذي اعتبره عميلًا للشاه، ولا من الولايات المتّحدة، التي رأت وزارة خارجيتها حكومته «غير صالحة»، مع أنها دعمتها بقوة في العلن. قبل رحيل الشاه، أرسل «كارتر» الجنرال «روبرت هايزر» إلى إيران، ليخبر قادة الجيش الإيراني بألا يتسرعوا في الانقلاب على «بختيار». مع رحيل الشاه، ظهر اتجاه واضح في الإدارة الأمريكية إلى قبول التواصل مع «آية الله». في الواقع، كان هو البادئ بإرسال إشارات التعاون مع الحكومة الأمريكية، حين أخبر أحد زائريه بفرنسا، في 5 يناير (كانون الثاني)، أن الولاياتالمتحدة «لا يجب أن تقلق بشأن النفط. ليس حقيقيًا أنّنا لن نبيع النفط للولايات المتّحدة»، طالبًا منه إيصال تلك الرسالة إلى واشنطن. وبعد اجتماعات ومشاورات، خرجت السلطة الأمريكية بأنّه «انتقاصٌ من الخميني أن نعتبره مجرد رمزٍ يدعو إلى التعليم المنفصل، ومناهض لحقوق المرأة»، وهو ما قاله رئيس المكتب الاستخباراتي بوزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، «فيليب ستودارد». وبوجود «هايزر» في إيران، كلّفته الإدارة الأمريكية بإزالة التوتر عن قادة الجيش الإيراني، ودعتهم إلى الحديث مع رجال «الخميني»، وعلى رأسهم «محمد حسيني بهشتي».