ألقى الدكتور علي جمعة، المفتي السابق، عضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، أمس الأربعاء، محاضرة بعنوان "الدين والتدين والدنيا"، ضمن فعاليات الموسم الثقافي لجامعة القاهرة، إذ قال "جمعة" إنَّه ينبغي علينا أن نفهم هذه المصطلحات، وأن نعرف أن الدين علم وأن التدين سلوك وأنه يجب أن يكون هذا السلوك مقيدًا بالذكر والفكر قال تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، كذلك يجب أن يكون منضبطا بالتخلية والتحلية؛ فنخلي قلوبنا من كل قبيح ونحليها كل صحيح، كما أنَّه لا بد أن يكون سلوكنا مقيدا بالأدب مع الله، وباتباع المحجة البيضاء التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر أنَّ الدين هو هذا الوضع الإلهي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى لأجل سعادة البشر، وهو قائم على عبادة الله قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وعمارة الأرض قال تعالى {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} أي طلب منكم عمارها، وتزكية النفس قال تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}، مؤكدًا أنَّ الدين علم وهذا العلم له علماءه، وأن الإسلام ليس فيه كاهن يستطيع أن ينشئ الأحكام إنشاءً. وأشار إلى أنَّ الإسلام قد أمرنا بعبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس؛ وهذه التزكية شرحها لنا القرآن الكريم على أبدع ما يكون في نظام أخلاقي فريد من خلال أسماء الله الحسنى التي تفوق في عدها كتاب ربنا المائة والخمسين أسما من اسماءه وهي صفات وصلت إلى الغاية فسميت بالأسماء، وأسماء الله الحسنى تمثل هيكل الأخلاق عند المسلمين. ونوَّه بأنَّه إذا انصلح التدين وأصبح على منهج الدين صلحت الدنيا، أما إذا فسد التدين يخفي وراءه الدين الصحيح، ويفسد الدين والدنيا معا؛ هذا الذي يحدث أمامنا والذي رأيناه في تجربة في حياتنا أن أناسا يسعون في الأرض فسادا بعنوان الدين وهم يرفعون هذا اللواء ويعتقدون في أنفاسهم أنهم هم الأولى وأنهم خلفاء الله في أرضه وأنهم ظل الرحمن. ولفت إلى أنَّ تطبيق ما ورد في الدين على الدنيا حتى يصحح التدين الصحيح، يحدث معه مشارب مختلفة وأفهام متعددة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالحنيفية السمحة والتيسير والرحمة للعالمين ونهانا عن التنطع والتشدد وعن الخروج عن الصراط المستقيم هذا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الخوارج وقد يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم الخاشعة الطويلة المستمرة إلا أنهم لا يعرفون صحيح الدين بل إنهم يشوهون الدين بالدين ولذلك استحق أن يكون من كلاب أهل النار، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد التحذير من هذا الصنف من الناس الذي يعكس الدين من أجل رفع راية الدين ويتوصل إلى مراده فيعبد الله كما يريد هو لا كما أراد الله كما فعل إبليس. وأوضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك لنا المحجة البيضاء ولها معالم حتى نتدين بموجبها، فإذا خرجنا عن هذه المحجة البيضاء فقد أخطأنا، مضيفًا: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بالصدام بل قال "إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوىً مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنكَ أَمْرَ الْعَامَّةٍ". وتابع: أمرنا أن نُربع على أنفسنا وأن ننسحب من الفتن، وهو الذي أمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وقال "الدين النصيحة" ولكن بشروطها وبكيفيتها وبوقتها وبأشخاصها وبمكانها فإن خرجنا عن ذلك فنكون قد خرجنا عن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن منهاجه القويم وعن وحي ربنا له ولذلك قال "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز العرش".. كثير من الناس يرى لنفسه حولًا وقوة ولكنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يكون في كونه إلا ما أراد.