إصلاح الباطن ونعني به في المقام الأول إصلاح قلب الإنسان ونفسه وروحه وما تحويه من المعاني الربانية الحسنة كالإخلاص والإيمان واليقين والتوكل والصبر والإنابة والخشوع والخضوع. فالقلب محل نظر الله تعالي وإذا صلح صلح سائر الجسد وإذا فسد فسد سائر الجسد - لابد أن يُعطي الأهمية العظمي والأولوية الكبري في تحقيق معني الاستقامة والإصلاح. وليس هذا تهوينا من شأن الظاهر أو دعوة لإهماله أو التخلي عنه بل من باب وضع كل في موضعه ومكانه المناسب. روي البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ. وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ ¢.پ وتزكية القلب والنفس لها ثمرة عظيمة في حسن خلق الإنسان وتحليه بمكارم الأخلاق ونبيل الصفات.. فعن أبي الدرداء. قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة". وَحسن الْخلق علي ثَلَاث منَازِل: أول منزلَة مِنْهَا أَن يحسن خلقه مَعَ أمر الله تعالي وَنَهْيه فَإِذا أحكم هَذَا تخطي إِلَي الْمنزلَة الثَّانِيَة وَهُوَ أَن يحسن خلقه مَعَ جَمِيع خلقه علي سَبِيل المساعدة والمقاربة والمساهلة واللين والرفق والمواتاة والمواراة ومعاشرة الْجَمِيل فَإِذا حكم هَذَا تخطي إِلَي الْمنزلَة الثَّالِثَة وَهُوَ أَن يحسن خلقه مَعَ تَدْبِير الله تَعَالَي فِي كل أُمُوره فَلَا يُرِيد إِلَّا مَا يُرِيد الله وَلَا يَشَاء إِلَّا مَا يَشَاء الله. فإذا حقق الإنسان هذه المراتب الثلاثة من مكارم الأخلاق اسْتكْمل حسن الْخلق واستراح قلبه واطمأنت نَفسه واستقامت جوارحه وَألقي إِلَي الله بيدَيْهِ سلما وَوَجَد ربه سبحانه كَافِيا كَرِيمًا مولي وناصرا فَنعم الْمولي وَنعم النصير. إن الإنسان الذي جاهد نفسه وزكاها واستقام علي أمر الله ونهيه. وحسُنَ أمرُه وخلقُه. لن يكون أبدا مندفعًا ولا منفعلًا ولا خاضعًا لفعل الناس فيه بل يقابل الحسنة بالحسنة والإساءة بالحسنة كذلك. لقد ربي رسول الله صلي الله عليهم أصحابه الكرام علي تزكية بواطنهم وقلوبهم ونفوسهم وأرواحهم فإن هم فعلوا ذلك وجاهدوا في الله تعالي حق الجهاد حسنت أخلاقهم وعم الكونَ خيرهم .. فطغيان إصلاح الظواهر وتنميقها مع إهمال البواطن وإن خربت لهو من الداء الوبيل الذي يدمر التدين ويحيد به عن الوضع الرباني الإلهي. ومن الظواهر السلبية للأسف الشديد خلط كثير من الناس من غير قصد بين الدين باعتباره وحيا إلهيا. والتدين باعتباره كسبا بشريا مما أدي إلي ضبابية في الرؤية. وتشوش في فهم الدين. كما أن صورة الدين الجميلة قد يلحقها شيء من التشوه بسبب ممارسات بعض المتدينين غير اللائقة. أو البعيدة عن الدين. مما يولد نفورا عند كثير من الناس. ومن ثم اتهاما للدين. والدين من ذلك براء. وإنما العيب في الناس لو كانوا يفقهون.فالعيب في المتدين الممارس الذي نفر بسلوكه وفتن الناس في دينهم. لقد بين المولي سبحانه في آيات كثيرة أن أعمالنا لا تزيد في ملكه شيئا وأن معاصينا لا تنقص من ملكه شيئا. فالمسئولية في الأعمال شخصية بحتة لا تتعداها لا إلي الدين ولا إلي المُلك ولا إلي الملك سبحانه.