"احترامي لنفسي دفعني لاتخاذ القرار".. أحمد مرتضى منصور يعلن انسحابه من سباق انتخابات مجلس النواب    قدرة الردع والانتخابات البرلمانية والجبهة الداخلية    وزير المالية يعلن تفاصيل الحزمة الثانية للتسهيلات الضريبية    وزير الخارجية التركي يحذر: "اتساع الحرب في أوكرانيا أصبح مخيفًا"    العراق يفوز علي البحرين 2-1 في مستهل مشوارهما بكأس العرب 2025    الخارجية السورية: وفد سفراء مجلس الأمن يزور دمشق    بعد وفاة لاعب السباحة في بطولة القاهرة، أسباب إغماء السباحين داخل الماء    أوسكار رويز يعقد اجتماعا فنيا مع الحكام لمراجعة بعض الحالات    بالصور.. انهيار عقار مكون من 4 طوابق دون وقوع خسائر في الأرواح بأسوان    هيئة البريد تصدر طابعا تذكاريا بمناسبة مرور 130 عامًا على تأسيس دار الإفتاء    رئيس تحرير بوابة الأهرام: جولة الإعادة رسالة قوية بعدم التسامح مع التجاوزات    الصحة تحذر من حقنة هتلر: قد تؤدي للوفاة (فيديو)    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية بمحيط لجان انتخابية في جرجا    الأهلي يضع اللمسات الأخيرة استعدادا لقرعة بطولة أفريقيا لكرة السلة للسيدات    إندونيسيا ترسل سفنا حربية لدعم عملية توزيع المساعدات في آتشيه المتضررة جراء الفيضان    العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني أعلم أنك تسمعني في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    تصريح صادم من الكاتب أحمد مراد عن فيلم الست    ضبط سائق نقل لوضعه كشاف عالى الإضاءة خلفى بالسيارة    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    محافظ الجيزة يتفقد الموقف التنفيذي لتطوير حديقتي الحيوان والأورمان    مباحثات مباشرة لأول مرة بين إسرائيل ولبنان.. ما الهدف؟    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا ونستعد بقوة لمواجهة فلسطين    فيدريكو جاتي يغيب عن يوفنتوس بسبب إصابة الركبة    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    3 سنوات سجن للمتورطين في تزوير شيكات باسم الفنانة بوسي    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالزراعة: لا توجد دواجن مريضة في الأسواق.. واتهامات السردة إشاعات    المفوضية الأوروبية تتقدم باقتراح بشأن قرض لتمويل تعويضات لكييف    عاجل- الحكومة: 6.3 مليون مواطن استفادوا من خدمات هيئة الرعاية الصحية خلال 6 أشهر    ضبط 7 من سماسرة المال السياسي فى انتخابات النواب بسوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    التشكيل المتوقع لمباراة بايرن ميونخ ويونيون برلين في كأس ألمانيا    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رصدها كتاب جديد للباحث محمود خيرالله.. التاريخ السري ل"بارات" مصر
نشر في الموجز يوم 14 - 03 - 2016

لعبت دوراً فى الثورات المصرية وعبرت عن روح التسامح الشعبي وساعدت فى الحفاظ على مدنية الدولة على مدار 300 سنة
ريش.. أبوابه السرية كانت ملاذاً آمناً للثوار وفى "قبوه" طبعت منشورات ثورة 1919
الحرية.. شهد الاجتماعات السرية للضباط الأحرار ونضال الطلاب ضد نظام مبارك
كاب دور.. غنى فيه العندليب وجلس فيه رشدي أباظة وكان مقصداً ل"أصحاب الرؤوس الذهبي"
ستيللا: مخزن الأسرار الذي فجّر دموع الكبار
الشيخ على.. حكاية البار الذى أغلقه صاحبه يوم الجمعة تحت وطأة إحساسه بالذنب
إيليت.. أسسته الجالية اليونانية منذ 115 عاماً وتحول فى نهاية المطاف إلى محل "عصير قصب"
"جسدت بارات مصر حالة شرقية مصرية خالصة للاستمتاع والحكي وسرد القصص تعبيراً عن اللوعة والأسى الإنساني على نحو يعكس جانباً من الوجدان الشفاهي للمصريين الذي ولد مع ميلاد صورة المقهى فى الشرق كله حيث يحتفظ البار المصري بدرجة عالية من الخصوصية".. بهذه المقدمة ينطلق الباحث والكاتب محمود خير الله فى كتابه "بارات مصر.. قيام وانهيار دولة الأنس" الصادر عن دار "روافد" للنشر والتوزيع فى التأريخ لعدد من البارات الشعبية التى تعرضت للإندثار ولم يتبق منها سوى عدد ضيل ما زال يقاوم من أجل البقاء.
أهمية التأريخ للبارات يلخصها "خير الله" فى أنها شكلت على مدار ثلاثة قرون في مصر – منذ نشأتها حتى الآن - قصص كفاح كبيرة عاشتها الروح المصرية المتسامحة من دون أن يتجرأ أحد على منحها القيمة التى تستحقها بسبب الدور الذى مثلته فى ترسيخ الدولة المدنية والحفاظ عليها من الإندثار والزوال.
وكما يقول المؤلف فإن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن تعترف الثقافة العربية – المتحفظة بطبعها – بأن حياة بعض البارات فى القاهرة وعواصم عربية أخرى جسدت رحلة كفاح طويلة عاشها روادها خلال القرن الماضى وأن بعض هذه البارات مثلت بوجودها الأصيل فى أعمق شوارع القاهرة مثلاً رحلة نضال ممتعة ضد دولة القمع وانتصاراً لدولة الحقوق والحريات.
جنود الاحتلال
خلال عقود الاحتلال الإنجليزي "1882.1952" وتحديداً فى مطلع القرن العشرين تأسس العشرات من البارات للتخفيف من الأعباء النفسية على الآلاف من جنود الاحتلال لكن فى الأربعينيات من القرن ذاته أنفقت شركات الخمور العاملة فى مصر أموالاً طائلة للدعاية لمنتجاتها واضطرت للمشاركة فى إنتاج أفلام سينمائية موضوعها رصد حروب الشرطة ضد تجارة المخدرات لتكريس الصورة الذهنية التى تعتبر تناول المسكرات فعلاً طبيعياً فى أغلب الأفلام السينمائية المنتجة فى النصف الأول من القرن العشرين أى فى العهد الملكي الشهير بالمستوى الرفيع فى ليبراليته والتى جعلت من الملك فاروق آخر حكام دولة محمد على رمزاً متجسداً للحاكم الذى لا يعرف أحد مدى صحة ما ينسب إليه من قضائه أياماً تحت تأثير الخمور حيث كان دائم التواجد فى أماكن احتسائها من الكازينوهات إلى المتنزهات هو وأغلب أركان حكمه وحاشيته.
ووفقاً لقانون العرض والطلب حققت هذه البارات مبيعات ومكاسب سمحت بتطور صناعة الخمور فى مصر منذ قرنين على الأقل وساعدت على استمرار القوة العاملة فى هذه التجارة لأطول فترة ممكنة بعضها توسع وازدهر وبعضها الآخر اندثر لكنها على الأقل بقيت موجودة ولو بحالة رثة مستمرة لعشرات السنين بل وتطور بعضها مع العصر من مجرد "بوظ" - جمع "بوظة" – يباع فيها الشعير المُسكر إلى بارات شعبية بعضها يدور فيه العزف والرقص إلى اليوم وبعضها الآخر لا يقدم سوى المشروبات الكحولية المصرية بعضها فى شوارع وسط القاهرة وبعضها الآخر فى شوارع مدينة الإسكندرية.
الأبواب السرية
يرصد "خير الله" تاريخ " كافيه ريش" باعتباره واحد من المقاهي والبارات التي لعبت أدواراً عظيمة وملهمة فى تاريخ مصر عبر انحيازها الدائم إلى جانب الثوار في أيام الثورات المصرية الكثيرة حيث كان ملاذاً آمناً لبعض الثوار وساهم في كتابة شئ من النجاح لهذه الثورات وهو ما حدث مع ثورة 1919 وتكرر بالوتيرة نفسها وعلى المقاعد ذاتها قبل 5 أعوام فى ثورة 25 يناير وتكرر ثالثاً قبل نحو 3 أعوام فى ثورة 30 يونيو.
العمالقة كلهم جاءوا وسهروا وضحكوا فى "ريش" من الكُتاب توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ويحيى الطاهر عبد الله وغالب هلسا إلى الشعراء أمل دنقل ونجيب سرور إلى الفنانين محمد عبد القدوس وفاطمة اليوسف ومحمود المليجى ورشدى أباظة وعادل إمام.
قبو "الكافيه" كان مخبئاً لسعد زغلول ورفاقه إبان ثورة 1919 ولا يزال يحتفظ بأبوابه السرية من بينها باب سري خلف البار تكرر فى غالبية الأفلام البوليسية القديمة يلتف دائرياً لينفتح ويقود مباشرة إلى شارع هدى شعرواي.
وما يزال القبو يحتفظ أيضاً بالمطبعة القديمة وهى التى وفرها المالك اليونانى القديم للبار لسعد ورفاقه من الثوار حينما بدأو يدرسون طبع المنشورات ضد الاحتلال الإنجليزي فى مكان آمن وسط القاهرة فكان قبو ومطبعة "كافيه ريش" هى الطريقة التى اعلنت بها ثورة 1919 مطالبها للعالم.
الأرض التى أقيم علها "ريش" كان يحتلها قصر الأمير محمد على توفيق قبل هدمه وبيعها إلى باغوص باشا نوبار حتى آلت ملكيتها فيما بعد إلى الشركة العقارية المصرية التى باعتها بدورها.
وبحسب الروايات فان عائلة يهودية تسمى "عادا" هى التى تولت بناء العمارة التى تضم الكافيه وأول من قام بتأجيره هو برنارد ستنبرج فى الفترة من 1908 إلى الفترة 1913 ثم انتقلت الإدارة وعقد الإيجار إلى الفرنسي "بير ريسينيه" بين عامي 1914 إلى 1916 لتنتقل إلى اليوناني ميشيل مخالي بوليتيس صاحب العصر الذهبي للكافيه حيث شهد أزهى فتراته ونشاطاته الثقافية والفنية على الإطلاق.. وقد بدأ "بوليتيس" نشاطه على مسرح ومقهى "ريش" حيث أجرى تغييرات كبيرة ليعيد افتتاحه عام 1923.
أما اليوناني واسيلي مانولاكيس المالك الرابع للمقهى فقد تولى الإدارة بين عامي 1932 و1942 وبعده الإنجليزي جورج واسيلي إلى العام 1960 وهو العام الذى تقدم فيه عبد الملاك ميخائيل صليب والد مجدى لشراء المقهى ليكون أول مصري يمتلكه ويديره.
الحس الشعبي
ويتطرق المؤلف إلى بار الحرية مشيراً إلى أنه واحد من البارات القليلة التى تمتعت بالحس الشعبى فى الوقت الذى اعتبرت فيه دليلاً نخبوياً على ممارسة الحرية حيث تحول على مدار تاريخه ومنذ تأسيسه منذ ثمانية عقود لميدان واسع لمواجهة الطغاة حيث احتضن من ثاروا ضد فساد حاشية الملك فاروق الأول ومن رفضوا القبضة الأمنية النافذة لنظام ما بعد ثورة يوليو.
افتتح "الحرية" فى يونيو عام 1936 بعدما اتفق "يوسف أفندى" الموظف فى شركة تقسيم الأراضي مع صديقين له على إنشاء المقهى برأس مال 350 جنيهاً ووقع الاختيار على منطقة باب اللوق التى كانت شبه خالية من السكان وكان ميدانها يسمى "ميدان الأزهار".
تأسس المقهى على الأرض التي كانت تضم بيت الزعيم أحمد عرابي ملهم جميع الثوار المصريين ومن هذا البيت خرج عرابى مع مؤيديه على قصر عابدين ضد الخديو توفيق وبعد فشل الثورة ألقى القبض على عرابى حيث تم نفيه الى "سيلان" وهدم بيته وتم بناء عمارة جديدة على الطراز الإنجليزي وفى طابقها الأرضي تأسس مقهى الحرية.
تعثر المقهى فى سنواته الأولى إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية وأنقذته حيث ازداد عدد جنود القوات الإنجليزية فى مصر والذين فضلوا الجلوس فى "الحرية" لانخفاض أسعاره نسبياً وجودة مشروباته وهى السمعة التى انتقلت فيما بعد إلى الأجيال اللاحقة فقد زارها أهل الطبقة الوسطى والتجار وعرف الباشوات والبكوات ورجال الشرطة والجيش والفن والثوار طريقهم إليها إلى أن استقر الأمر فى الثمانينيات من القرن الماضي إلى اعتبارها مقهى ذات أغلبية شبابية وباتت بعد ثورتي يناير ويونيو تضم غالبية من الثوار الذين وجدوا فيها ملاذاً آمناً خلال شهور الثورة المصرية الدامية.
أجيال جديدة من نجوم مصر استمتعت بالشرب والتدخين والحكي فى مقهى الحرية من شيوخ التلحين الراغبين فى الاستماع إلى إيقاع الدنيا وعلى رأسهم الشيخ زكريا أحمد إلى كبار الباحثين عن النماذج البشرية من الفنانين أحمد رمزى وشكرى أباظة وشكرى سرحان وعبد السلام محمد إلى أشهر مخرجي السينما وصناعها فطين عبد الوهاب وحسن الإمام إلى أهم الرياضيين عبد الكريم صقر ومختار التتش إلى الضباط الأحرار صناع ثورة 23 يوليو خصوصاً الرئيس الراحل أنور السادات.
ووفقاً لمذكرات "ملك القطن" محمد أحمد فرغلي باشا التى حملت عنوان "عشت حياتي بين هؤلاء" فإن الضباط الأحرار اجتمعوا كثيراً فى مقهى الحرية واتخذوا منه عدة قرارات مهمة إبان حركتهم رافضين ممارسات الملك وحاشيته وراغبين فى طرد الاستعمار البريطاني من مصر عام 1952.
الرؤوس الذهبية
ويؤرخ الكتاب ل"كاب دور" لافتاً إلى أنه واحد من البارات الشعبية القديمة التى تمثل جانباً مهماً وحيوياً من جوانب الحياة الوجدانية للشعب المصرى والتى لعبت دوراً كبيراً فى جعل القاهرة فى مطلع القرن العشرين المدينة الأكثر جمالاً وسهراً وانفتاحاً على العالم وربما أكثر من القاهرة فى مطلع القرن الواحد والعشرين.
أنشئ البار فى ثلاثينيات القرن الماضي وحمل اسم "كاب دور" وهى كلمة فرنسية تعنى "الرأس الذهبية" وترجع تسميته بهذا الاسم إلى باشوات الزمن القديم الذين كانوا يحضرون إلى منطقة وسط القاهرة لزيارة المسارح والملاهي باهظة التكاليف ويتركون السائقين من ذوى "الرؤوس الذهبية" يذهبون إلى البارات الرخيصة فكانت التسمية دليلاً مبكراً على اقتراب البار من الشارع المصري وهى السمة التى حافظ عليها لنحو سبعة عقود وتركت آثارها على كل شئ فيه.
المبنى الذى يضم البار يبدو قديماً جداً من الخارج لكن من الداخل يبدو الديكور ذو الأسقف العالية منتمياً إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي حيث انتقلت ملكية البار إلى أحد المصريين وباتت خطوات الزبائن تعرف طريقها إليه خصوصاً أنه البار الذى كان يجلس فيه الممثل الراحل رشدي أباظة فى مطلع الخمسينيات.
مخزن الدموع
من بين أكثر بارات وسط القاهرة شعبية وانتشاراً فى أوسط المثقفين والأدباء والفنانين والسينمائيين ونفر من السياح الأجانب يبدو بار "ستيللا" أكثرها ارتباطاً بالوسط الثقافي على مدار العقود الستة التى عاشها "بار المثقفين" محتضناً كثيراً من أفكار القصائد وعناوين القصص والروايات وكتب النقد وأسماء الأفلام السينمائية والدرامية التى أنُتجت فى مصر والعالم العربى طوال النصف الثاني من القرن العشرين على الأقل وربما إلى اليوم.
"ستيللا" أنشأه رجل أعمال يونانى بعدما تزوج سيدة مصرية عام 1955 ليكون مخزناً للبيرة لكنه سرعان ما حوله إلى بار مازال الكثيرون يشيرون له باسم "المخزن" دون أن يعرفوا السبب فى هذه التسمية.
وكما يشير الكاتب فإن "المخزن" تحول لدلالات عديدة حيث كان البار بمثابة مخزن لدموع المثقفين فعلى كثير من مقاعده ومناضده جاء المثقفون وبكوا مثل الشاعر الكبير الراحل أمل دنقل والناقد الأدبي فاروق عبد القادر.
ولأنه من البارات القليلة التى نشأت وترعرعت بعد ثورة 23 يوليو 1952 فقد ارتبط "ستيللا" بالثورة وبالفكرة الوطنية المصرية كونه الأقرب إلى ميدان التحرير من ناحية والأرخص نسبياً من "كافيه ريش" القريب منه والذى كان رواده دائماً من الكتاب الكبار والأثرياء بينما كان "ستيللا" ولا يزال قريباً من جيوب المثقفين الصغار وقروشهم المحدودة.
الشيخ على
وينتقل الكاتب إلى استعراض أهم البارات الشعبية فى الإسكندرية إلا أنه يلفت إلى أن المحافظة الساحلية كانت قلعة "صناعة الخمور" فى مصر حيث تضم مقار أربعة شركات للخمور تتبع "شركة الكروم" للكحول المملوكة للدولة أهمها شركتا "جناكليس" و"بولوناكي" فى منطقة الحضرة ومصنع "كاتيماتس" فى منطقة النزهة ومصنع "زنوسي" بمنطقة الرمل وهناك حى جناكليس فى منطقة الرمل أيضاً نسبة إلى نيكولا بيراكوس الشهير ب"جناكليس" مالك مزارع العنب ومصانع التقطير الشهيرة الذى كان يونانياً يعيش فى الإسكندرية ومن أوائل سكان الحي العريق.
"الشيخ على".. اسم لبار هو الأقدم فى مصر كلها يقع فى مدينة الإسكندرية ما زالت بقاياه موجودة تتحدى الزمن تأسس عام 1900 على يد شريكين يونانيين وثالث فرنسي نجحوا فى اختيار مكان تجارى محض.
لا يزال البار يفرض وجوده ويحظى بزبائن أفضل قليلاً مما يحظى به أى بار سكندري حتى لو كان حديث الطراز وعلى البحر مثل "ايثاكا" لكن "الشيخ على" هو واحد من أكثر محال الإسكندرية كثافة نظراً لأن أفواج السياح القادمين من الغرب المتوسطي باتوا يعتبرون هذا البار قطعة أثرية خالدة فى مصر.
ولكن لماذا "الشيخ على"؟.. تساؤل فرض نفسه على ذهن الكاتب الذي ذهب يبحث عن سبب تسمية بار يقدم الخمور والبيرة بهذا الاسم إلا أنه توصل إلى بعض ممن قالوا له إن المالك المصري الذي اشترى البار فى الستينيات من القرن الماضي من ملاكه الذين كانوا حتى هذا الوقت من الأجانب حيث كان اسمه بار "كاب دور" إلا أن المصرى كان مصمماً على إغلاقه كل يوم جمعة ربما تحت وطأة الإحساس المؤقت بالذنب لذلك أطلق عليه الناس هذا الاسم.
عصير القصب
"ايليت" اسم لبار يقع فى شارع صفية زغلول قرب ميدان محطة الرمل وكان دليلاً على قوة الجالية اليونانية فى الإسكندرية. عاش هذا البار الذى تأسس على طراز خاص نحو 115 عاماً منذ تأسيسه إلا أنه تعرض فى السنوات الأخيرة لضربات موجعة حينما تم التفريط فى جزء من المطعم القديم لصالح "محل عصير" وهو ما ينهى أسطورته الأثرية.
وكما يسرد "خير الله" فإن البار كان فى البدء عبارة عن "كوخ" أسسته مدام "إيليت" كمطعم فى أوائل القرن العشرين ولم يكن مطعمها الشهير فى قلب الإسكندرية كما هو الآن محاطاً بسياج خشبى بل كان عبارة عن "كراسي" مرصوصة فى الشارع تمت إحاطتها بالأسوار الموجودة الآن منذ ما يقرب من 50 عاماً على يد مدام "كريستينا كوستانتينو" المستأجرة للأرض من الكنيسة اليونانية مالكة الأرض وكانت تديره مع زوجها "ميخال" اليوناني.
بداية النهاية لهذا البار كانت مطلع عام 2010 حينما تم رفع دعاوى قضائية من قبل أحد المحامين وكيلاً عن "أليكس ديمتري فيليب ماثيوس" ابن مالكة المحل الراحلة ضد إدارة المحل بسبب ما اعتبره تخريباً وإهداراً لقيمته الأثرية النادرة وإغلاقه بدعوى التجديد لعدة شهور قبل أن يتم اقتطاع أجزاء منه لصالح محلات أخرى.
لم يعد أحد يتذكر أيام مجد هذا البار التى عرف فيها هذا المكان ابتسامات النجوم من عينة يوسف شاهين وعمر الشريف حينما كان الجلوس فى "إيليت" نوعاً من الفخامة لا يعرف لذتها سوى أهل الفن والأدب والمشاهير والملوك من الروائى العالمى نجيب محفوظ إلى كوكب الشرق أم كلثوم والملكة فريدة والملكة ناريمان وزوجها ومن المغنى اليونانى السكندرى ديميس روثوس إلى الفنانة الفرنسية مصرية الأصل داليدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.