أكدت صحيفة "ذي جلوب آند مايل" الكندية، أن الأزمات الأوروبية المتلاحقة التي أصابت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي تتزعم، بلا منازع، أوروبا حالياً، تشبه مياه فيضان جارف يتجه نحو قلعة أثرية. وتقول الصحيفة إن اطلاق مجلة تايم الأمريكية على ميركل لقب "شخصية العام" لم يشفع لها، كما لم يواسها، وهي تواجه احتمال ما يشبه الثورة داخل أوساط حزبها، حيث يعقد مؤتمره السنوي حالياً. جناح الشباب في الحزب المسيحي الديموقراطي يريد فرض حد أعلى لعدد اللاجئين المسوح لهم دخول ألمانيا، وتوقع كثيرون أن يؤيد 40% من أعضاء الحزب ذلك الاقتراح. وبالاستناد لتجارب سابقة، ستنجح ميركل في التغلب على التحدي السياسي الوشيك، ولكن المستشارة، بموقعها في وسط الوسط الأوروبي، تواجه معارك سياسية شرسة. وتلفت الصحيفة إلى صورة نشرت قبل عشر سنوات، وتظهر فيها ميركل وهي تقف في الوسط وسط منصة كبيرة فارغة، وقد رفع فوق رأسها شعار طبع عليه كلمة "دي ميت" - أي الوسط. وتقول الصحيفة إنه خلال تلك السنوات العشر، أصبحت المستشارة الألمانية، ومعها ألمانيا، تمثل وسط أوروبا، ومركزها السياسي والاقتصادي والديبلوماسي، بل والإيديولوجي. وحيث لم تكن ألمانيا هي التي أدارت أزمة الديون في منطقة اليورو وحسب، بل تصدت أيضاً للعدوان الروسي على أوكرانيا، واليوم تقوم بمعالجة أزمة اللاجئين في أوروبا. ولكن، كما تلفت الصحيفة، إلى أن أوروبا أخذت، في خضم تلك الأحداث، في الانزلاق بعيداً عن الوسط القديم. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "بيلد" الألمانية مؤخراً خريطة تحمل عنوان "جيران ألمانيا اليمينيين"، وتظهر ألمانيا متزعمة أحزاب الوسط في أوروبا محاطة بأحزاب يمينية سواء في الحكم، أو في طريقها نحو تسلم السلطة، في الدانمرك وبولندا وجمهورية التشيك، والنمسا وفرنسا وبلجيكا وهولندا. كما أن الوسط في ألمانيا بات يتعرض لتحديات كبيرة. ولكن، كما تشير صحيفة بيلد، وبالاستناد إلى استطلاعات الرأي، حصول حزب البديل من أجل ألمانيا (إي إف دي) على تأييد 8% من المستطلعين. وكان حزب إي إف دي دأب على ربط قضايا أوروبية بالهجرة، وخاصة لاتهام ميركل بجلب مسلمين منبوذين (إرهابيين) إلى قلب القارة. وترى الصحيفة أن مشاعر السخط التي تولدت حيال ميركل بعد سماحها لوصول قرابة مليون لاجئ ومهاجر في عام واحد إلى أوروبا، كانت السبب الرئيسي وراء تراجع شعبيتها، وأنها كانت ستبقى الامبراطورة صاحبة الكلمة الأولى في أوروبا، وما كانت لتواجه تحديات في الداخل الألماني، أو على المستوى الأوروبي، لو لا أزمة اللجوء. وتقول الصحيفة إنه حتى لو لم يكن ذلك التدفق الهائل للمهاجرين جاء نتيجة سوء تقدير من المستشارة الألمانية المعروفة بحذرها الشديد، فإنه شكل علامة فارقة في التاريخ الألماني. إذ لا يمكن لأحد أن لا تتحرك مشاعره وهو يرى كيف تحولت ألمانيا إلى الأرض الموعودة بالنسبة لمرْهقين وفقراء وجموع حاشدة قدموا لتنفس نسيم الحرية. فقد اتخذ تمثال الحرية لنفسه موقعاً مؤقتأً في برلين. ولكن، بحسب الصحيفة، بات من المفهوم والمعروف بأن الألمان العاديين يقولون "كفى، لا نستطيع تحمل ذلك العبء بمفردنا". فقد وصل مليون لاجئ، ومعظمهم يعانون من صدمات، وأتوا من ثقافات مختلفة، ووصلوا خلال عام إلى بلد لا يزيد عدد سكانه عن 80 مليون شخص. وباستثناء السويد التي استقبلت أعداد من اللاجئين، لم يقبل أي من شركاء ألمانيا الأوروبيين الآخرين إلا بدخول قلة من هؤلاء اللاجئين إلى بلدانهم. وتقول إنه حتى بالنسبة لدول غنية وحسنة التنظيم كألمانيا، فقد بدأت تشهد صدعاً جراء ضغط اللاجئين، ولا يمكن لها أن تواصل المزيد منهم. وتري الصحيفة، يجب الاستفادة من تباطؤ تدفق اللاجئين مع حلول الشتاء، ومن واجب أوروبا أن تعمل مجتمعة على محارب عصابات المهربين الذين يقودون أسر بأكملها نحو حتفها في عرض البحر، ولتوفير خدمات أفضل للاجئين مقيمين في دول مجاورة لسوريا، ولتحسين سبل إدارة الهجرة في جنوب شرق أوروبا، فضلاً عن العمل لعدم تحويل الاندفاع الكبير لضرب معاقل داعش بعد هجمات باريس إلى حرب شاملة، بل لوقف تلك الحرب. وفي نفس الوقت، تطالب الصحيفة ألمانيا بتأدية واجبها حيال اللاجئين الحاليين، والذين يشكلون واحد من كل 80 ألماني، وحتى لم يصل إليها لاجئ آخر. فإن تم دمج هؤلاء في المجتمع الألماني، ومعظمهم من الشباب الذين يتمتعون بطاقة وحيوية، ويستطيعون حل مشكلة ألمانيا الديموغرافية المزمنة، بحيث يغلب عدد المسنين على الأطفال والشباب هناك. وإن عجزت ألمانيا عن تأدية ذلك الواجب، فإنها تكون، برأي الصحيفة الكندية كمن عمل على تحول أقلية إلى مجموعة متطرفة قد يعمد بعض أعضاؤها لشن هجمات إرهابية، ولاستعداء المسلمين، وزيادة هوة انعدام الثقة بين غالبية السكان غير المسلمين، وبين الأقلية الإسلامية. ولكي تحقق ألمانيا نجاحاً على ذلك الدرب، ترى "ذي غلوب آند مايل" أن كل ما تحتاج إليه هو تعديل بعض أساليبها القديمة في التعامل مع الغرباء، والعمل على دمج القادمين الجدد، وتلك هي مهمة أنجيلا ميركيل. وتختم الصحيفة بالقول إن المستشارة الألمانية تستطيع طمأنة المجتمع الألماني بأن موجات الهجرة تحت السيطرة، وأن تعمل على قيادة هذا المجتمع نحو عملية دمج، غير مسبوقة، مدنية واقتصادية وثقافية للوافدين الجدد. وإن حققت ميركل ذلك الهدف، فإنها لن تكون جديرة بحمل لقب" شخصية العام" التي اختارتها مجلة تايم الأمريكية، بل قد يكسبها ذلك جائزة نوبل للسلام.