لا تزال المباحثات مستمرة بين الدول الغربية للبحث عن أفضل طريقة للتخلص من تنظيم داعش الإرهابى، الذى أصبح يشكل خطرًا ليس بالهين على أمن تلك الدول. و حين قررت أمريكا التحدث عسكريًا فى العراق، كان أول من رحب بهذا القرار أبو مصعب الزرقاوى، زعيم تنظيم القاعدة بالعراق والذى خرج من عباءته داعش، واصفًا تدخل أمريكابالعراق 2003 ب"الغزو المبارك". وتجاهل البعض أقواله، بينما رفضها البعض الآخر، لكنه بهذا أشار إلى معتقد أساسى فى عقيدة تنظيم داعش، الذى يسيطر على مساحات شاسعة فى العراقوسوريا، مفادها أن التنظيم يعيش على أمل تحقق نبوءة أن الإسلام سينتصر بعد معركة مروعة بمجرد دخول الجيوش الغربية المنطقة. يجب أن يحدث ذلك الغزو، وفى هذه الحالة سيعلن التنظيم تحقيق نبوءة النبى "المزعومة"، وسيتمكن من تجنيد مزيد من الإرهابيين فى الوقت الذى يشهد فيه التنظيم انسحاب عدد كبير من عناصره. ويبدو أن هذه النبوءة واضحة وجلية لدى أوباما، ففى خطابه، الأحد الماضى، أكد أن الولاياتالمتحدة عليها أن تتابع "النصر المستدام"، عن طريق استمرار الغارات الجوية ودعم القوات المحلية فى المعركة ضد داعش بدلًا من إرسال جيل جديد من الجنود الأمريكيين للتورط فى حرب برية. وقال جان بيير فيليو، أستاذ دراسات الشرق الأوسط فى معهد العلوم السياسية بباريس إن داعش يريد أن ترسل الدول الغربية جنودها على أرض المعركة لتتحقق النبوءة. وكان فيليو قد ألف كتابًا بعنوان "نهاية العالم فى الإسلام"، الذى يكشف الأساس الذى بنيت عليها أيديولوجية الإرهابيين، وتابع "إنها رواية عاطفية وقوية للغاية.. تعطى المقاتلين المتوقع انضمامهم للتنظيم والحاليين شعورًا بأنهم ليسوا جزءًا من الصفوة فقط لكنهم جزء من المعركة النهائية". ويستخدم التنظيم دعاية تعج بنبوءات عن المعركة العظيمة الأخيرة التى ستمهد لنهاية الأيام، وأشار خبراء الإرهاب إلى أن هذه النبوءات أصبحت أداة أساسية وقوية يستخدمها داعش ليبيع لعناصره المحتملين وعداً بأن انضمامهم للتنظيم سيعطيهم فرصة مباشرة للمشاركة فى معركة ضد مصالح الغرب وسيجعل النبوءات الإسلامية تؤتى بثمارها. ويُعتقد فى أن الحرب ستكون فى "دابق"، أو "أعماق"، وهما قريتان صغيرات تقعا شمال سوريا، ويبدأ العد التنازلى لتحقق النبوءة بمجرد وصول القوات الأمريكية وحلفائها على أرض "دابق". ولذا أطلق التنظيم على الجريدة الرسمية له، التى تصدر شهريًا، "دابق"، كما أنه اختار اسم "أعماق" لوكالة الأنباء شبه الرسمية الخاصة به، والتى أعلنت الأسبوع الماضى مسؤولية التنظيم عن هجوم كاليفورنيا الذى أسفر عن مقتل 14 شخصًا. ففى العام الماضى، عندما أعدم التنظيم الإرهابى الرهينة الأمريكى بيتر كاسج، جندى بالجيش الأمريكى، كان يقصد أن يقوم بذلك فى دابق، وقال القاتل "نحن نذبح أول جندى أمريكى فى دابق.. ونحن متمحسون فى انتظار وصول باقى جيشكم". وبعض النظر عن إمكانية تحقيق القوات الغربية نجاحًا إثر التدخل على الأرض، إلا أن بعض المحللين حذروا من إمكانية استغلال هذا لصالح النبوءة المزعومة، وقالوا إنه لكى تكسر التنظيم عليك أولًا بفضح نبوءته، عن طريق الهزيمة العسكرية، مثلما حدث فى الرقة، بيد القوات المحلية، فى إشارة إلى العرب السنة. واقتربت إدارة أوباما من تنفيذ هذا، عن طريق تقديم الدعم الجوى للميليشيات فى شمال العراقوسوريا، وحققت هذه الاستراتيجية نتائج مختلطة، فأحرزت مكاسب فقط فى المناطق الخارجة عن معاقل السنة، التى يسيطر عليها داعش. وحتى الآن، تعتبر الميليشيات الكردية، الشريك الوحيد للولايات المتحدة، والتى على استعداد للقتال فى شريط من الأراضى شمال سوريا، ذات الأغلبية الكردية. ففى الشهر الماضى، كان التنظيم الإرهابى داعش يسيطر على سنجار بشمال العراق لأكثر من 15 أشهر، لكنه انسحب أمام القوات الكردية التى سيطرت على المدينة خلال 48 ساعة، بمساعدة الطائرات الأمريكية. وبعد شهر نجحوا فى التقدم خارج مدينة سنجار، وأعلنت قادتهم إن باقى المناطق ذات الأغلبية السنية العربية وليست الكردية، والنموذج ذاته حدث فى سوريا، فعندما وصلت القوات الكردية قرية عين عيسى، فى وقت سابق من هذا العام، التى تبعد 30 ميلًا شمال الرقة، قال المتحدث باسم القوات إنه "لم يكن من الملائم لنا أن نتقدم جنوبًا". وحتى الآن، لم تتمكن القوات الأمريكية وحلفائها من إيجاد قوة عربية سنية داعمة لها، وأشارت الصحيفة إلى فشل برنامج التدريب الأمريكى الذى كان يهدف لتدريب المعارضة السنية. وفى الأعداد الأخيرة لمجلة "دابق"، كشفت مقالة كتبها البريطانى جون أن داعش سيستمر فى التوسع فى الوقت الذى سيبقى فيه الغرب عاجزًا، والبديل الآخر تورط الولاياتالمتحدة فى حرب عن طريق تنفيذ هجمة مميتة على الأراضى الأمريكية.