بعد هروب قيادات الإخوان خارج مصر زادت الخلافات بينهم بعد سعى العديد منهم تحقيق مصالح شخصية على حساب شباب الجماعة انضمام العديد من شباب الإخوان إلى الحركات السلفية والجهادية يؤكد أن الجماعة فقدت السيطرة على قواعدها الخلافات لم تقتصر على القيادات خارج السجون بل هناك العديد من الصراعات بين الموجودين خلف القضبان للانفراد بالحكم أثناء عهد المعزول فى محاولة منه لوضع النقاط على الحروف وكشف حقيقة الصراع الدائر الآن داخل جماعة الإخوان المسلمين , أكد الباحث "صمويل تادرس"، الزميل في مركز أبحاث هدسون الأمريكي، أن الرئيس الإخواني محمد مرسي كان واثقا حتى الساعات الأخيرة من أن الجيش لن يقم بعزله، فهو بنفسه قد اختار قائد الجيش، وبذل ما بوسعه لاسترضاء المؤسسة العسكرية في الدستور الجديد، ورغم مأن الجيش أعلن مهلة الثماني والأربعين ساعة، فقد ظلت الجماعة تؤكد لمناصريها عبر حسابها على التويتر أن المعارضة تُريد أن تفسر إنذار الجيش بأنه محاولة لعزل الرئيس. وأضاف "تادرس" في تحليل له بعنوان "انقسام الإخوان المسلمين" والذي يحاول من خلاله استشراف مستقبل الجماعة بعد الانقسامات والصراعات الداخلية التي شهدتها في الأيام الماضية , أنه مع اقتراب الثلاثين من يونيو2013، وفي خضم التحضير لمظاهرات المعارضة كانت الجماعة قد حشدت أنصارها في ميداني النهضة ورابعة في القاهرة على ثقة من قدرتها على الحشد الأكبر، متوقعة إقبالا ضعيفا على المظاهرات المعارِضة. وبعد عزل مرسي، قام الإخوان بحشد أنصارهم للاعتصام في ميداني رابعة والنهضة مع أعضاء من جماعات إسلامية مختلفة، وقد كان لاختلاط الجماعات الإسلامية وتياراتها المختلفة أثره في طبيعة الخطابات، حيث كان المتحدثون يعبرون باللغة الإنجليزية عن صراعهم للحفاظ على الديمقراطية ضد الانقلاب العسكري، على حد وصفهم. بينما آخرون يعبرون بالعربية عن صراعهم بلهجة عنيفة تنذر بتصاعد العنف، ولم يقتصر الأمر على هذه الخطابات، ولكن هناك شواهد أخرى كانت نتيجة للارتباك والتخبط الجلي، فبعد محاولتين للتوسع في الاعتصام ظلت الجماعة على موقفها، وقد زعم البعض رؤية ملائكة نزلت في الساحة مثل رؤية جبريل، وغيرها من الروايات التي تبث روح الفرحة وتنذر بالنصر، والتي كانت تنتشر بسرعة البرق بين المعتصمين، ومن بين هذه الروايات أن قائد الجيش الثاني الميداني يرفض التظاهر ضد "مرسي" وأنه سوف ينشق عن الجيش مع مجموعات كبيرة من الجنود والضباط، وظلت هذه الشائعات تزداد مع استمرار ترديد هذا الشعار الذي أعلنوه وهو "الانقلاب يترنح". وأضاف الباحث , أن انعزال الإخوان اجتماعيا بدأ منذ ثورة 30 يونيو وزاد حدةً في المرحلة التي تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة، وقد ساهم في هذا الانعزال الخطاب الذي كان يتبناه الإخوان خلال فترة حكمهم القصيرة، ولم تستطع الجماعة إلا الاعتماد على التيارات الإسلامية، والاصطفاف معها، أما على مستوى القيادات العليا والوسطى فقد قاموا بالهرب عبر ليبيا والسودان. ورأى" تادرس" أنه مع مرور الوقت وإقامة أفراد الجماعة في قطروتركيا، تغير تفكيرهم، ولم يعد تركيزهم منصبا على ما أطلقوا عليه "الانقلاب"، وهو ما لم يوافقهم عليه كافة أعضاء الجماعة، ومن ثم بدأت الضغوط الداخلية تزداد على القادة مطالبين بإيجاد طريق للإطاحة بنظام الحكم، وعودة مرسي من جديد. وفي ديسمبر عام 2013، أعلن النظام أن جماعة الإخوان "إرهابية"، فيما أعلنت المملكة المتحدة عن فتحها تحقيقا للاستفسار عن جماعة الإخوان ومؤسساتها، ومما زاد الأمر سوءًا مطالبة قطر قادة الجماعة بمغادرة أراضيها في سبتمبر 2014. وعلى صعيد آخر، في يونيو 2014 استولت الدولة الإسلامية "داعش" على ثاني أكبر مدينة في العراق، وهي الموصل، مما كان ينذر بتطورات جديدة حول العالم؛ فلأول مرة تتمكن جماعة إسلامية من تحقيق ما فشل الآخرون من التيارات الإسلامية في الوصول إليه، وهو السيطرة على منطقة واسعة ليست في منطقة نائية، بل منطقة في قلب العالم العربي الإسلامي، ومن ثم بدا لشباب الجماعة أن العنف يمكن أن يكون سبيل لتحقيق أهدافهم. وألقى الباحث نظرة تاريخية على تطور الإخوان موضحا أن حسن البنا مؤسس الجماعة استطاع إنشاء هيكل تنظيمي مكّن من استمرارية الجماعة لعقود طويلة بعد وفاته، وقد كانت السمات الشخصية للبنا من العوامل التي أدت إلى الحفاظ على تماسك الإخوان، وبعد مجيء "سيد قطب" بدأت الجماعة تشهد انقساما داخليا خاصة ً بعد تبني بعض أعضاء الجماعة توجهًا جهاديًّا. وأشار الباحث إلى أن انقساما مماثلا يحدث حاليا داخل الجماعة ومن دلالاته في المشهد المصري الحالي، الانتفاضة السلفية، ففي نوفمبر 2014 نادت جماعة من السلفيين بحركة سميت "انتفاضة شباب المسلمين"، ورفعت الشعارات الإسلامية التي تنادي إلى التمسك بالهوية الإسلامية لمصر ضد الفكر العلماني. ووفقا ل "تادرس" فإن هذه الحركة لاقت صدى من خلال شبكات التواصل الاجتماعي من قبل شباب الإسلاميين، سواء من داخل جماعة الإخوان أو من خارجها، ومن ناحية أخرى كانت المظاهرات تهدد باتهام جميع جهود الإخوان بأنها غير إسلامية في الأصل، ومن ثم نادى بعض الإخوان بأنهم ضد "أسلمة" الاحتجاجات، فيما انضم لها البعض الآخر. ومن الدلالات أيضا صراع القيادات حيث اتجه الإخوان المسلمون إلى استبدال القادة المقبوض عليهم بالقادة الذين تمكنوا من الهرب خارج البلاد أو داخل مصر لأنه الطريق الوحيد لإعادة ترتيب الجماعة مرة أخرى، لذا عقدت الجماعة انتخابات في فبراير 2014 لتوكيل قيادات جديدة. ولكن "تادرس" يرى أن اللغز الأساسي يتمثل في "كيف تمكنت الجماعة في ظل هذه الظروف من إجراء انتخابات؟" خاصة مع عدم القدرة على جمع الناخبين في مكان واحد؟. ونقل الكاتب عن "محمود حسين" -الأمين العام للجماعة- الذي كتب عبر صفحته الخاصة أن محمود عزت قد تولى قيادة الجماعة، ولم تمر ساعات إلا ورد الجانب الآخر بإعلان "محمد منتصر" -المتحدث باسم الجماعة- على موقعها الرسمي بأن الجماعة تؤكد بقاء مؤسساتها المختارة من قبل الأعضاء في فبراير الماضي، والتي تُدير شئون الجماعة، وأضاف أن المتحدث الرسمي للجماعة ومنافذها الرسمية هم من يمثلون رأي الجماعة. وتلا هذا التصريح مداخلة هاتفية على قناة "الجزيرة" والتي أعلن فيها قائلا: "إذا رأيتم الجماعة تحيد عن المسار الثوري فلا تلتفتوا لها، ولا تتبعوا جماعة الإخوان المسلمين"، وبدا واضحًا أن صراع جماعة الإخوان لم يعد مقصورًا ضد النظام الحاكم، ولكن هو أيضًا صراع داخلي. وقال "تادرس" إن العديدَ من التساؤلات ظلت غامضةً والتي تمثلت في ، ما هي الأدوار التي يقوم بها أعضاءُ مكتب الإرشاد السابقون في الجماعة الآن؟ هل محمود حسين ما زال الأمين للجماعة؟ و ما هو دور المكتب الجديد في الخارج؟. ويوضح أن هذا الانقسام لم يعد يقتصر على أعضاء الجماعة في مصر، بل امتد إلى عدد من الدول الأخرى. ووفقا لتادرس فإن تبني العنف يعد من دلالات وجود انقسام داخل الجماعة ،حيث لم يقتصر الصراع الداخلي على اختيار القيادات فحسب، بل امتد ليشمل الاستراتيجية التي يجب تبنيها في مواجهة الدولة، فهناك فريق يؤكد ضرورة تبني مواجهة الدولة، و فريق آخر لا يزال يرفع شعار "قوتنا في سلميتنا"، حيث يرى هذا الفريق أن النظام المصري سينهار من تلقاء نفسه كنتيجة حتمية لما يصفونه بالتدهور الاقتصادي، وانعدام الأمن والسخط، ومن ثم يتوقع هؤلاء حدوث انقلاب داخلي وتدخلا من الغرب سيؤدي إلى أن تصبح مصر دولة فاشلة كليبيا والعراق. ويظهر هذا الخلاف بوضوح فيما أشار إليه القيادي الإخواني "عمرو دراج" المعروف بالإخواني المعتدل في الصحافة الغربية حيث قال إن "الدرس الذي تعلمته هو أن التغيير التدريجي لم يكن ليحقق الغاية منه"، وفي أول ظهور إعلامي اعتذر مدير مكتب الإرشاد الجديد عن تبني الجماعة المنهج الإصلاحي. بينما نشر عبد الرحمن البر مفتى الجماعة مقالتين بعد أشهر من الصمت التام، تناولت الأولى أن مرسي هو الرئيس الشرعي، وضرورة القصاص ممن وصفهم بقادة الانقلاب، وأوضح أيضًا أن النظام هو الذي أراد العنف، وهو السبب وراء الهجمات الإرهابية التي تم التخطيط لها لإلقاء اللوم على الإخوان، وجاءت المقالة الثانية التي ناقشت أن النظام هو الذي دفع الثوار للعنف من أجل إقناع الرعاة الدوليين لمواجهة الإرهاب. على الجانب الآخر، نشر نائب المرشد محمود غزلان- المتحدث الرسمى للجماعة- مقالا بعد شهور من الصمت تناولت أن الإخوان المسلمين يريدون السلام، ويرفضون العنف والاستبدادية والفردية والتكفير، ثم نشر مقالتين بعد ذلك بيومين تغير من مضمون رسالته السابقة بأنه لا يمكن الاعتماد على السلام في مواجهة العنف، وهذا لا يكون سلامًا بل ذلا وخضوعًا وتخليًا عن طريق الجهاد. وأشار الباحث إلى أن قيادات الجماعة اضطرت إلى السماح لبعض الجماعات الخاصة بالقيام بهجمات بسيطة، ولكن يبدو أن هذه الحسابات لم تكن دقيقة، حيث إن العنف قد خرج عن السيطرة، وأصبح الشعار "كل ما هو دون الرصاص فهو سلمي". وأضاف أن جماعة الإخوان قامت بتشكيل "التحالف الوطني لدعم الشرعية" كمظلة للأحزاب المعارضة للنظام الجديد ، والذي يضم أحزاب الوسط، والوطني السلفي، والبناء والتنمية، والأصالة، والفضيلة، وأحزابًا أخرى صغيرة، ولكن بمرور عدة أشهر بدأ التحالف ينهار بخروج معظم الأحزاب. كذلك أقامت الجماعة "المجلس الثوري المصري" الذي ضم عددًا من الوجوه غير الإسلامية من أجل تحسين صورة الجماعة في نظر الغرب، فكان هذا المجلس يُفيد الجماعة في تأمين اجتماعاتها في واشنطن في يناير 2015 وممارسة ضغط على النظام من الخارج والذي كان يعد على رأس أولويات الجماعة. وقد كرس الإخوان طاقة كبيرة لبناء بنية تحتية لهم في وسائل الإعلام لتوصيل رسائلهم للمصريين والغرب، حيث إنهم لم يعتمدوا فقط على قناة الجزيرة، لكن اعتمدوا أيضًا على قناة مكملين في 2013 ، وقناة رابعة في ديسمبر 2013، وقناة الشرق في أبريل 2014، وقناة مصر الآن في أغسطس 2014، وقد كانت الجماعة قد أنشأت "مرصد الشرق الأوسط" في عام 2009 للتركيز على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبعد 30 يونيو تحول للتركيز على مصر لعرض آراء الجماعة وتوصيلها للغرب. وكذلك كانت جماعة الإخوان في حاجة ماسة لتنظيم المغتربين بعد أن غادر الآلاف من أعضائها من مصر، لذا ركزت في البداية على توفير سكن وفرص عمل لهم حتى استقرت الأوضاع في الخارج، فتحول التركيز لخلق الهياكل اللازمة لتنظيم الجهود الدولية؛ حيث قامت بإنشاء هيئة جديدة أطلقت عليها "المكتب الإداري للمصريين في الخارج" في يناير 2015 تكونت من ثلاثة أعضاء من تركيا، وعضوين من قطر، وعضو من ماليزيا، وعضو من السودان، وترأس المكتب أحمد عبد الرحمن الذي أعلن في لقائه الأول على قناة "الجزيرة" في 22 أبريل أن المكتب سيكون المسئول عن إدارة الأزمة الراهنة التي تواجهها جماعة الإخوان في مصر. ومن ناحية أخرى بدأت الجماعة في محاولة استرضاء الجبهة السلفية، واستضافة رموزها على قنواتها الفضائية، وذلك من أجل تشكيل حلفاء من جبهات إسلامية مختلفة من جديد. واختتم "تادرس" تحليله بأن المعركة الحالية التي تسعى الجماعة إلى دخولها مع الدولة هي معركة صفرية، والأمر ذاته ينطبق على صراعها الداخلي، ومن الممكن أن ينتج عن كلا الصراعين تفكك الجماعة، وعلى الرغم من عدم وضوح المآلات التي يُمكن أن تصل إليها الجماعة الآن فإن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا هو ما قاله الصحفي عبد الرحمن يوسف نجل الشيخ يوسف القرضاوى : "إن السؤال ليس ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين ستتغير، ولكن كيف ستتغير وما مدى هذا التغير؟".