يعد منصب وزير الخارجية لأي دولة من المناصب الهامة جدا حيث أنه يعبر عن سياسة بلده وفي نفس الوقت يكون همزة الوصل التي تربطها بالعالم ،ولذلك يجب أن تتوافر فيه عدة صفات أولها المرونة والإطلاع الجيد على سياسات الدول الأخرى ،وقد يضطر في بعض الأحيان أن يصرح بأمور قد تناقض سياسة بلاده لكن لابد أن يتوفر فيه الأسلوب المقنع الذي يعمل دائما على التهدئة في وقت الأزمات ويعد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أكبر مثال لوزير خارجية ،ففي الوقت الذي تعمل بلاده على التصعيد في كل المنطقة يعد هو الوجه الوحيد المقبول في الحكومة الإيرانية حاليا نظرا لتصريحاته المتوازنة يرى كثير من المحللين أن محمد جواد ظريف كان أحد أسباب نجاح المفاوضات النووية ،نظرا لخبرته الطويلة في هذا المجال حيث شارك في عدد كبير من المفاوضات التي خاضتها بلاده طوال حياته المهنية ويبدو أنه يحتفى بهذا الأمر كونه شارك في هذا الانجاز التاريخي الذي من شأنه أن ينقذ بلده من انهيار اقتصادي كبير،حيث يترتب على هذا الاتفاق رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران الأمر الذي سيوفر لها مليارات الدولارات التي من شأنها أن تسهم في إنشاء مشروعات كبيرة تعمل على تحجيم البطالة والفقر اللذان ضربا البلاد وفي مقال له بصحيفة الجارديان البريطانية أوضح ظريف موقفه من الاتفاق النووي وتوقعاته للفترة المقبلة ملمحا بضرورة الضغط على إسرائيل من أجل توقيع مثل هذا الاتفاق، حيث قال إن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مؤخرا في فيينا، ليس سقفا بل أساسا صلبا ينبغي البناء عليه،موضحا أن خطة العمل المشترك الشاملة تعزز وضع إيران باعتبارها منطقة خالية من الأسلحة النووية، وآن أوان توسيع هذه المنطقة لتشمل الشرق الأوسط بأكمله وأشار إلى أن إيران ومجموعة القوى العالمية تمكنوا أخيرا من تحقيق الهدف المشترك المتمثل في تحويل البرنامج النووي الإيراني من أزمة غير ضرورية إلى منصة للتعاون في مجال عدم الانتشار النووي وأكد أن ضغط إيران من أجل فرض حظر على أسلحة الدمار الشامل في الدول الإقليمية المجاورة لا يزال ثابتا، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تلقت فيه طهران الدعم من بعض أصدقائها العرب في هذه المحاولة، رفضت إسرائيل التي تعد الموطن الوحيد للأسلحة النووية في الشرق الأوسط هذه المحاولات ، مشددا على ضرورة معالجة هذا التحدي في ضوء الاتفاقية النووية الإيرانية ولفت إلى أنه في مثل هذه الظروف، فإن الدول التي تمتلك هذه الأسلحة المدمرة بحثت هذه القضية بصعوبة، بل تنصلت تماما عن التزاماتها بشأن نزع السلاح في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي وسائر القوانين الدولية، مشيرا إلى أن الدول غير الأعضاء في المعاهدة أو إسرائيل التي لديها ترسانة نووية غير معلنة مصحوبة بعدم اكتراث بحظر الانتشار، هم وليس غيرهم، يضعون في جدول أعمالهم حملة تهويل غير منطقية ضد الاتفاق النووي مع إيران وأضاف ظريف أن خطوة صحيحة في مسار الاتفاق بين إيران كدولة لا تملك السلاح النووي ودول "5+1" التي تملك أغلب الترسانات النووية في العالم، من شأنها أن تبدأ حوارا لتأسيس معاهدة لتدمير الترسانات النووية والتي ينبغي أن تكون مدعومة بآلية قوية لاختبار المصداقية، مؤكدا أن معاهدة جديدة كهذه قادرة على إحياء معاهدة حظر الانتشار النووي المعروفة اختصارا باسم (ان.بي.تي) بالنسبة للدول المالكة للسلاح النووي واختتم ظريف مقاله بالقول إن إيران وبالطاقات الوطنية التي لديها وباعتبارها رئيسا حاليا لحركة عدم الانحياز، مستعدة للتعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق هذه الأهداف، وتدرك جيدا، أنها قد تتعرض لعقبات عديدة من قبل المشككين بالسلام والدبلوماسية، ورغم ذلك علينا أن نبذل جهودنا في مسار الإقناع والإصرار مثلما بذلنا في فيينا وإضافة إلى كونه مفاوض متميز فهو يمثل الوجه الآخر لطهران الذي يعمل على التهدئة خلافا لسياسة التصعييد التي تقودها في الشرق الأوسط،على الرغم من أنه يحاول تجاهل العديد من الحقائق ،فعلى سبيل المثال أكد في أحد تصريحاته أنه مستاء جدا لما يحدث في اليمن على الرغم من ان بلاده تدعم الحوثيين باعتراف من عدد من المسئولين ويحرص ظريف في إطار عمله كوزير للخارجية على التواصل مع جيران بلاده من الدول الأخرى مع حرصه على التقرب من الشيعة في الشرق الأوسط وقام ظريف بجولة في الخليج شملت الكويت وقطر في محاولة منه لتهدئة دول مجلس التعاون حيال الاتفاق النووي ،حيث يرون أنه يضر بالشرق الأوسط ككل ويعمل على الإخلال بموازين القوى ،لاسيما وأن طهران تتدخل في شئون الدول العربية بشكل مخيف لاسيما في الفترة الأخيرة،ويخشى قادة الخليج من أن المليارات التي ستتوفر للجمهورية الإسلامية بعد رفع العقوبات عنها بموجب الاتفاق النووي سوف يتم استخدامها لزيادة دعم الجماعات الإرهابية ولاسيما الشيعية منها ورد ظريف على بأن بلاده تدعم العراق في حربها ضد داعش على اعتبار أن التنظيم ينتمي إلى الطائفة السنية،لكن رغم ذلك لم يصدر أي بيان يؤكد على أن طهران ستشارك في الحرب ضد داعش ،وبالطبع تجاهل أن يحدد وجهة دعم بلاده فيما يحدث في اليمن يذكر أن ظريف سياسي وأكاديمي إيراني، يشغل منصب وزير الخارجية، ويعد من صلب نظام الثورة، ومن مؤيدي الدبلوماسية العلنية، وقد عمل نحو ربع قرن في الأممالمتحدة قاد فريق بلاده المفاوض مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني، ويتميز بالحنكة والبشاشة وهدوء الأعصاب رغم وجوده بين مطرقة الضغوط الداخلية وسندان العقوبات الخارجية ويرى المتابعون أنه توج أعواما من التفاوض باتفاق تاريخي في 14 يوليو 2015 مع مجموعة "5+1". ولد محمد جواد ظريف عام 1960 في طهران عاصمة إيران، ونشأ في أسرة متدينة. وحصل على شهادة دكتوراه في القانون الدولي من جامعة دينفر في كولورادو بالولاياتالمتحدة، كما يحمل درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سان فرانسيسكو تولى ظريف عدة وظائف رسمية وعلمية، فقد عمل ضمن الوفد الإيراني في الأممالمتحدة حيث أصبح سفيرا خلال 1989-1992 ثم في 2002-2007، وفي أثناء عمله هناك عين نائبا لوزير الخارجية مارس التدريس بجامعة طهران العامة في مجالات الدبلوماسية والشئون الدولية اعتنق فكر الثورة منذ الشباب حين أصبح وهو في الولاياتالمتحدة عضوا في الجمعية الإسلامية الطلابية، والتقى هناك شقيق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان رئيسا بين عامي 1989 و1997، ومسئولين آخرين في الجمهورية الإسلامية وفي 1980 وإثر قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيرانوالولاياتالمتحدة بعد احتجاز رهائن في السفارة الأمريكيةبطهران، كُلف بإغلاق القنصلية الإيرانية في سان فرانسيسكو بوصفه مستشارا فيها وطوال حياته المهنية خاض ظريف الذي قال إنه درس العلاقات الدولية ليخدم بلاده بشكل أفضل أحداثا مهمة في تاريخ بلاده، وشارك منذ نهاية ثمانينيات القرن العشرين في كل جولات المفاوضات الدولية التي خاضتها الجمهورية الإسلامية، وجعلته خبرته الدبلوماسية الطويلة يعتاد المفاوضات المتعددة الأطراف فقد كان عام 1988 مع الرئيس حسن روحاني ضمن الفريق المكلف بالتفاوض للتوصل إلى وقف لإطلاق النار أيام الحرب مع العراق، وساهم في مفاوضات للإفراج عن الرهائن في لبنان في تسعينيات القرن العشرين ونجح ظريف في إقناع النظام الإيراني بمساعدة الولاياتالمتحدة ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة وفي عام 2003 كان إلى جانب روحاني مجددا عندما تولى منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، ووافق الأخير على تعليق تخصيب اليورانيوم وتعزيز المراقبة الدولية للمواقع النووية الإيرانية، وهو الاتفاق الذي انتقده الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بعد وصوله إلى الحكم في 2005، وأعاد إطلاق البرنامج النووي الإيراني. دفعت إقامة ظريف الطويلة في الولاياتالمتحدة المعسكر المحافظ في إيران إلى معاداته ومهاجمة ما وصفته ب عصابة نيويورك التي تضم دبلوماسيين ليبراليين وموالين لأمريكا، حسب تعبيرهم. وبعد أن أقاله الرئيس نجاد في 2007 انضم إلى مركز الأبحاث الإستراتيجية الذي كان يترأسه حسن روحاني. وفي أغسطس 2013 اختاره روحاني إثر تسلمه رئاسة البلاد في نفس الشهر لحقيبة الخارجية، بعد موافقة أغلبية ساحقة من نواب البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون، وذلك لمهاراته الخطابية وإتقانه اللغة الإنجليزية وفي سبتمبر 2013 كلفه روحاني بإيجاد مقاربة جديدة للمفاوضات النووية مع الغرب التي وصلت إلى طريق مسدود،لرفع العقوبات التي تخنق اقتصاد البلاد و توصل في نوفمبر 2013 إلى اتفاق نووي مرحلي مع ممثلي مجموعة "5+1" الغربية، وهو الاتفاق الذي حدد مهلة زمنية يتوصل الطرفان بانتهائها إلى اتفاق نهائي وشامل بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكن هذه المهلة تم تمديدها عدة مرات بعد مفاوضات شاقة استمرت حوالي 18 شهرا، توصلت إيران والدول الكبرى يوم 2 أبريل 2015 في مدينة لوزان السويسرية إلى اتفاق إطار لحل ملف البرنامج النووي الإيراني وهو ما مهد لتسوية المشاكل العالقة وفي 14 يوليو 2015 في العاصمة النمساوية فيينا، أعلن عن الاتفاق النووي الذي وصف بالتاريخي، ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية وقبولها زيارة مواقعها النووية وعب الاتفاق صرح ظريف بأن الاتفاق ليس مثاليا بالنسبة لأي طرف، لكن هذا ما استطعنا تحقيقه، وهو هام للجميع، مضيفا أنها صفحة أمل جديدة فتحت مع الاتفاق ونظرا لقدرته على التواصل مع الجميع يتمتع ظريف بشعبية كبيرة في بلاده خاصة بين الشباب والمثقفين، حيث حقق كتاب سيرته الذاتية "السيد السفير"، مبيعات عالية. ويعتبر هو الوزير الوحيد الذي لديه حساب على تويتر وصفحة رسمية على فيسبوك، في حين أن أبرز شبكات التواصل الاجتماعي تخضع للرقابة في إيران والمعروف عنه أنه يهتم كثيرا بمظهره وأناقته، وهو متزوج وأب لولدين