مصر ليست فى لعبة ترفيهية، لكنها فى حرب حقيقية، هذا ما يعرفه جيداً كل مواطن مصرى يعيش على تراب هذا الوطن، ولكن إلى أى مدى ستكون مشاركة مصر فى تلك الحرب الدائرة فى اليمن وعلى الحدود السعودية؟ وهل ستشارك فى الحرب البرية؟! هذا هو السؤال الخطير الذى يشغل الجميع، بارك المصريون ضربات رجال البحرية المصرية للأسطول الإيرانى فى خطوات تأديبية تحذر الجميع بمن فيهم الحوثيون وإيران تحديداً من اللعب فى مضيق باب المندب وممر هرمز باعتبارهما منطقتين استراتيجيين يعبرهما 17 مليون برميل نفط يومياً.. ولكن هل يبارك المصريون حرباً برية بمشاركة مصرية؟! إن الصورة الحالية لتحركات جنرالات مصر وكبار قادة الجيش وبالمقابل تحركات إيرانوتركيا تشير إلى اقتراب ساعة الحسم البرية، كما تشير إلى أن مصر فى طريقها للمشاركة فى الحرب البرية، ففى خلال الثمانى والأربعين ساعة الماضية وبداية من صباح الخميس الماضى وحتى صباح السبت 11 أبريل، ظهرت تحركات مفاجئة على الجانب المصرى-السعودى-الباكستانى وعلى الجانب الإيرانى التركى حيث عاد وزير الدفاع والإنتاج الحربى الفريق أول صدقى صبحى والقائد العام للقوات المسلحة من الزيارة التى قام بها لمدينة إسلام آباد العاصمة الباكستانية، وبحسب بيان للقوات المسلحة والتى قام خلالها بالعديد من المناقشات بينه وبين كبار رجال الدولة ووزارة الدفاع الباكستانية على صعيد التعاون العسكرى وتبادل الخبرات العسكرية بين البلدين.. وبعدها قام وزير الدفاع المصرى صدقى صبحى بالتوجه إلى الرياض «الخميس» وتم الترحيب به واستقبله رئيس الديوان الملكى الأمير محمد بن سلمان ووزير الدفاع وعدد من كبار المسئولين، وعقد اجتماع بين الفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع المصرى والأمير محمد بن سلمان، وذلك لمناقشة المشاركات بين مصر والسعودية فى عاصفة الحزم، وكيفية التحالف العسكرى الذى يقوم بتخليص اليمن من الحوثيين المتمردين، ، وحضر الاجتماع من الجانب السعودى الفريق الركن فياض بن حامد الرويلى نائب رئيس هيئة الأركان العامة، والفريق أول ركن عبدالرحمن بن صالح البنيان رئيس هيئة الأركان العامة، والفريق ركن محمد بن أحمد قائد القوات الجوية، والأستاذ فهد بن محمد العيسى وهو مدير مكتب سمو وزير الدفاع. أما عن الجانب المصرى فقد حضر ملحق الدفاع المصرى بالسعودية العقيد محمد عبدالفتاح أبوبكر، والفريق رفيق رأفت عرفات وهو قائد القوة المصرية المشاركة فى عاصفة الحزم، واللواء عبدالمحسن الشبراوى وهو رئيس هيئة التسليح لقواتنا المسلحة المصرية. على الجانب الآخر مازالت إيران تسعى بكل قوة لاستعادة الإمبراطورية الفارسية على حساب العرب وتفتيت الدول العربية بزراعة الميليشيات وإثارة النزعات الطائفية وإشعال الحرب بين السنة والشيعة، وفى اليمن أيضاً، قامت إيران بإمداد المتمردين الحوثيين بالمال والسلاح وبالمعلومات الاستخباراتية. ويمكن القول إن كلاً من اليمن والسودان أصبحتا مراكز إقليمية بالنسبة لإيران وفى هذا الإطار جاءت استضافة طهران لرجب طيب أردوغان الذى قام بتوقيع عدد من الاتفاقيات بين تركياوإيران، ورغم ما أشيع عن تلك الزيارة بأنها محاولة إيرانية لتوسيط تركيا لتهدئة الأوضاع مع السعودية إلا أن الواقع يؤكد استحالة ذلك، ويؤكد أن الزيارة جزء من خطة إيران التوسعية وخطوة جديدة لإعلان الحرب على العرب بتقريب تركيا. وفى أنقرة اشتعلت الأوضاع رفضاً لتلك الزيارة التى قام بها رجب أردوغان، وشنت الصحف حملة شرسة ضده واتهمته بالمشاركة فى فضيحة تركيا وتشويه صورتها وإهانة شعبها. كتبت صحيفة «يانى ميساج» التركية تعليقاً على زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لإيران، قائلة: «بعد رغبة العديد من نواب مجلس الشعب الإيرانى إلغاء زيارة أردوغان وتجاهل أردوغان لكل هذه الرسائل قام اليوم بزيارته الحاسمة». وأضافت الصحيفة، أنه بسبب هذه السياسة التى يتبعها أردوغان تفقد تركيا وضعها باستمرار فى السياسة الخارجية. فمن المفترض أن تركيا شريك فى تحالف عاصفة الحزم، ومع ذلك سمح رئيسها لنظيره الإيرانى حسن روحانى بأن يوبخه رافضاً الحرب ضد الحوثيين فى اليمن، وقال روحانى فى بيان مشترك بثه التليفزيون الرسمى: «تحدثنا عن العراق وسوريا وفلسطين.. كما أجرينا نقاشاً مطولاً بخصوص اليمن. وكلانا نرى أنه لابد من أن تنتهى الحرب هناك فى أسرع ما يمكن وأن يتحقق وقف كامل لإطلاق النار وتنتهى الغارات ضد اليمن». البيت الأبيض اكتشف خطورة المجوس فجأة!! البيت الأبيض ليس بعيداً عن كل هذا، فإذا كانت الأنباء تشير إلى اقتراب ساعة الحسم البرية فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأت فى تحريك الخيوط على طريقتها، فالبيت الأبيض الذى كان يقف ضد مصر ورئيسها الذى انضم إلى تحالف عاصفة الحزم بدون إذنها ورفض وصايتها على مصر، قررت فجأة دعم مصر ورئيسها!! وتخفف أوباما من موقفه العدائى تدريجياً حتى وصل إلى درجة غير متوقعة حين اتصل الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» بالرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» ليبلغه برفع الحظر المفروض منذ صيف 2013 عن طائرات إف 16 وصواريخ هاربون وسرعة إرسالها إلى مصر.. بجانب مواصلة تقديم المعونات العسكرية التى تصل إلى 1300 مليون دولار سنوياً. لكن المفاجأة الأمريكية الكبرى حدثت منذ ساعات قليلة «صباح الجمعة الماضى» حيث أبلغت الخارجية الأمريكية الكونجرس بصفقة صواريخ «هيل فاير» لدعم مصر، حيث صرح نائب المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية «جيف راثكى» بأن الخارجية الأمريكية أبلغت بصفقة محتملة من صواريخ من طراز «هيل فاير» لمصر بهدف دعم جهود الحكومة المصرية فى مكافحة التهديدات الإرهابية التى تواجه البلاد خاصة فى سيناء، فيما أكد المسئول الأمريكى أنه لم يتم بعد إبرام الصفقة وإنما تم إبلاغ الكونجرس فقط بالصفقة المحتملة وذلك وفقاً للقانون الأمريكى وقال راثكى إنه من السابق لأوانه الإعلان عن موعد التسليم. وأضاف أن هذه الصفقة المحتملة تأتى فى إطار التعاون مع مصر فى مجال مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى قرار الإدارة الأمريكية مؤخراً لرفع الحظر عن تسليم بعض الأنظمة العسكرية والاستمرار فى مطالبة الكونجرس بتقديم المساعدات العسكرية لمصر التى تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنوياً.. ولاشك أن تلك الخطوة الخطيرة لا تشير فقط إلى ركوع إدارة أوباما أمام إرادة مصر وشعبها، لكنها فى الوقت نفسه تثير التساؤلات حول سر توقيتها وهل هى صفقة لدعم التحركات البرية لمصر وتشجيع تلك الخطوة!! ولا يمكن الإجابة عن هذا التساؤل إلا بالتساؤل عن مصالح أمريكا من تقليص وتقليم أظافر إيران قبيل الإعلان عن التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووى الإيرانى بين طهران ومجموعة ال«5+1» فى لوزان بسويسرا. إن البيت الأبيض يدرك جيداً خطورة التمدد الشيعى الإيرانى على دول الشرق الأوسط، كما يدرك أعضاء الكونجرس أن رفع الحظر عن إيران يعنى المزيد من السلاح الذى ترسله إيران إلى ميليشاتها فى الدول العربية، وما يعنى من سيطرة إيرانية تهدد النفوذ الأمريكى!! إنها حرب المصالح الكبرى التى يعرف قادة مصر أبعادها وخطورتها، أمريكا التى كانت ترى ما يحدث فى مصر انقلاباً وكانت تدعم جماعات العنف والإرهاب الإخوانية تعترف فجأة بشرعية الرئيس السيسى بل وتفتح خزائنها من السلاح والمال لدعمه ومساندته!! أمريكا التى كانت تعتبر إيران قبضتها لتفتيت العالم العربى وحافظت على دعم فكرة الإمبراطورية الفارسية، هى نفسها التى اكتشفت مدى خطورة التمدد الإيرانى على مصالحها فى الشرق، فمنذ أسابيع قليلة كان أوباما يقدم التهنئة بمناسبة عيد النيروز لطهران، باعتبارها دولة فارسية وليست إسلامية أو عربية، يكتشف اليوم أن هناك خطورة بالغة على مصالح أمريكا من تمدد الفرس!! ولم تكتف أمريكا بالإعلان عن صفقات الصواريخ لمصر، بل إنها أفرجت عن محاضر سرية لجلسات الكونجرس لفضح إيران وخططها التوسعية فى الشرق الأوسط، وحذر أعضاء الكونجرس الأمريكى من رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة حالياً على إيران بسبب أزمة برنامجها النووى، وأكدوا أن إيران تسعى لضرب استقرار الشرق الأوسط، من خلال الاعتماد على سياسة الانقسامات، واستغلال التوترات الطائفية، واللعب بنيران التطرف الدينى والحركات الإرهابية، والسعى لهز أركان النظام السنى الذى يتكوّن منه غالبية المسلمين فى الشرق الأوسط، لحساب حركات معارضة شيعية تحظى بالمال والسلاح الإيرانى. وقال أعضاء الكونجرس إن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئى ينظر إلى أمريكا على أنها «إمبراطورية» متداعية فى الشرق الأوسط، وأنها تنسحب تدريجياً منه. وطالب « سكوت مودال»، الخبير فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، صناع القرار فى أمريكا بتشكيل قوة دولية مهمتها شن حملة دولية لمواجهة أنشطة وتحركات الأجهزة والمنظمات التى تعمل فى إطار شبكة الحركة الإيرانية، كما لا بد أن تشن أمريكا «حرباً ناعمة» لمواجهة تحركات المخابرات الإيرانية وفيلق القدس وحزب الله، وغيرها من المنظمات الإيرانية. وحذر أعضاء الكونجرس من خطورة الحرس الثورى الإيرانى، مؤكدين أن المفاوضين الإيرانيين الذين يجلسون على الطاولة نفسها مع نظرائهم الأمريكان والأوروبيين فى النمسا ليسوا من يمسكون بخيوط السياسة الإقليمية الإيرانية، وليسوا من يحركون أحداثها. هذه الخيوط كلها تقع بين أصابع قادة الحرس الثورى الإيرانى، وفى مقدمتهم قائد فيلق القدس الشهير، الجنرال قاسم سليمانى، وهو القائد الذى رأى أن بداية إنهاء النفوذ الأمريكى فى المنطقة تبدأ من العراق. والسؤال: لماذا اكتشفت أمريكا خطورة إمبراطورية الفرس الآن؟!.. وهل هناك رغبة أمريكية فى التخلص من إيران بإشعال الحرب فى الدول العربية وتوريط مصر؟! الدور الخطير لجماعة الإخوان نحن إذن على أبواب حرب برية كبرى فاللقاءات المصرية- السعودية-الباكستانية تشير إلى ذلك خاصة أن المشاركين فى اللقاء كبار القادة ومنهم الفريق رفيق رأفت عرفات وهو قائد القوة المصرية المشاركة فى عاصفة الحزم، واللواء عبدالمحسن الشبراوى وهو رئيس هيئة التسليح لقواتنا المسلحة المصرية. نعم.. نحن نواجه سرطان الفرس المجوسى القادم والمدعوم بمباركة من جماعة الإخوان الإرهابية بكل أسف منذ ثورة 25 يناير، حيث ازداد التقارب الفعلى بين جماعة الإخوان وإيران، من خلال توجيه آية الله على خامنئى، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية فى إيران تحية إلى ثوار التحرير، واصفاً إياهم بأنهم أبناء حسن البنا، وهى إشارة صريحة وقوية إلى طبيعة العلاقة بين أبناء البنا وأبناء الخمينى، وقال: «نحن والإخوان أصدقاء، ونقوم بدعمهم، وهم الأقرب إلينا عقائدياً بين جميع الجماعات الإسلامية». نعم.. إن مشكلة العرب مع إيران أكبر بالطبع بكثير من تمددها الحالى فى اليمن، فالممارسات الإمبراطورية الطائفية فى الشام والعراق تقود المنطقة إلى الاشتعال، ولم تعد إيران تخفى مشروعها التوسعى وقد تناولت فى مقال سابق تصريحات على يونسى مستشار الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، الذى قال إن إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً!!.. وهى مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما فى الماضى، وذلك فى إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية قبل الإسلام التى احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها!! ومشكلة إيران كما لخصها البريطانى مايكل إكسورثى فى كتابه «إيران.. إمبراطورية العقل» تتلخص فى إدراكها لذاتها باعتبارها مركزية ثقافية ولغوية مرتبطة بجنس الفارسيين وحدودهم التاريخية. ولكن هل يعنى كل ذلك أن نتورط فى الحرب البرية وفى تلك الظروف التى تعيشها بلادنا؟!.. قرأت عشرات التحليلات للخبراء العسكريين ورأيت أن معظمها يدعم فكرة المشاركة فى الحرب البرية لكسر وتحطيم الأسطورة الفارسية التى تريد من اليمن بداية لبناء إمبراطوريتها، ولكننى لا أميل إلى مشاركة مصر فى الحرب البرية رغم إدراكى لخطورة التمدد الشيعى، وأظن أن قادة مصر الذين شاركوا فى لقاءات ثنائية مع الجانب الباكستانى والسعودى يدركون ذلك ويعرفون مدى خطورة خوض حرب برية فى تلك الظروف، ويعرفون أن الولاياتالمتحدة تسعى منذ فترة للزج بمصر فى حروب وخلافات سياسية كبيرة، وأعتقد أن الزيارة لم تكن لتمهيد الأجواء لمشاركة مصرية فى الحرب البرية بقدر ما كانت تبادلاً لوجهات النظر وإغلاق الثغرات المتوقعة فى حال دخول ومشاركة القوات الباكستانية فى الحرب على الحوثيين فى اليمن، الأمر الذى أدى بمصر للعودة لتدقيق الأمور العسكرية والسياسية مع باكستان حتى لا تحدث ثغرات تضر بمصر وعلاقتها بالدول الأخرى.