بعد أشهر قليلة من انتهاء انتخابات الرئاسة قبل السابقة والتى فاز بها الرئيس المعزول محمد مرسى وبمجرد سطوع نجم المشير عبد الفتاح السيسى – فى ذلك الوقت - سارع عدد من رجال الجيش المتقاعدين إلى تأسيس أحزاب سياسية مدنية ذات توجهات ليبرالية. وبعد فوز السيسي برئاسة الجمهورية تزايدت وتيرة اتجاه العسكريين المتقاعدين لتأسيس أحزاب مدنية لتكون ظهيرا سياسيا للرئيس الجديد الأمر الذى أحدث حالة من الجدل داخل الساحة السياسية ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ. ويمكن القول إن بداية اتجاه العسكريين المتقاعدين إلى تأسيس أحزاب مدنية كانت مع الفريق احمد شفيق عندما إلتف حوله عدد كبير من السياسيين ودعوه إلى استغلال الكتلة التصويتية التى حصل عليها فى الإنتخابات الرئاسية قبل السابقة فى تأسيس حزب سياسى ينافس به فى البرلمان. وبالفعل أسس شفيق حزب الحركة الوطنية وبالرغم من ابتعاده عنه طول الوقت بسبب وجوده خارج البلاد فى فترة حكم الإخوان وحتى بعد إنقضاءه إلا أن كل قيادات الحزب يقرون ويعترفون بأن أى رئيس يأتى للحزب هو رئيس مؤقت لحين عودة رئيسه الفعلى الفريق شفيق. ومنذ أيام بدأ اللواء مراد موافى رئيس جهاز المخابرات العامة السابق فى الدعوة إلى تأسيس حزب سياسى جديد.. وأكدت مصادر مقربة أن هذا الحزب سيكون بمثابة ظهير شعبى للرئيس عبد الفتاح السيسى وأن عضويته تضم عددا كبيرا من العسكريين المتقاعدين. وقالت المصادر إن مؤسسي الحزب سيحرصون على عدم ضم أي من رموز الحزب الوطنى المنحل والمعروفين بفسادهم حتى لا يتم الربط بين الحزب الجديد والحزب المنحل على أن يفتح الباب أمام الجميع للإنضمام للحزب وفقاً لشروط النزاهة. وأوضحت المصادر أن الحزب سيخوض الانتخابات البرلمانية القادمة بهدف الحصول على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة حتى يكون هناك تناغم في إدارة البلاد بين مؤسسة الرئاسة والحكومة ومجلس النواب في ظل توزيع الدستور الجديد. وفى نفس الإطار يسعى الحزب الجديد للحصول على غالبية مقاعد المجالس المحلية المنتخبة بجانب المناصب التنفيذية بالمحليات والتي ستكون وفقا للدستور الجديد بالانتخاب أيضا على مستوى رؤساء القرى والأحياء والمدن. وعلى الصعيد ذاته يسعى الفريق سامى عنان رئيس الأركان السابق فى الجيش المصرى إلى تأسيس حزب سياسى جديد تحت مسمى "حماة مصر" على أن يتولى رئاسته.. ويسعى حزب عنان إلى خوض غمار الإنتخابات البرلمانية القادمة والحصول على نسبة من مقاعد البرلمان حتى يجد الرئيس السيسى مساندة قوية من العسكريين لقراراته داخل البرلمان. وفى سياق متصل أسس اللواء متقاعد عبد الرافع درويش حزب "فرسان مصر" الذي يضم كذلك عدداً من العسكريين المتقاعدين. وفى الإطار ذاته كون إئتلاف "عسكريون متقاعدون " حزباً سياسياً جديداً وأعلن العميد سمير راغب المنسق العام للإئتلاف أنه بناء على رغبة مجموعة كبيرة من أعضاء الائتلاف العام العسكريين المتقاعدين المصريين بالقوات المسلحة تقرر البدء فى تأسيس حزب سياسى باسم "حزب طلائع التحرير". وأكد راغب أنه المضى فى تأسيس فكرة الحزب حتى يتمكن الضباط العسكريون من المشاركة الفعالة فى نهضة الوطن من خلال كيان سياسى قانونى يجمع العسكريين متقاعدين من جميع الفئات ضباط و ضباط صف والتمريض العسكرى و أسر العسكريين بالإضافة لمجموعة كبيرة من شباب الثورة والشخصيات العامة من المدنيين والإعلاميين دون إقصاء. يأتى ذلك فى الوقت الذى أبدت فيه أحزاب مدنية قائمة منذ سنوات رفضها تأسيس العسكريين لأحزاب مدنية لاسيما إذا كانت ستمثل ظهيرا سياسيا للرئيس السيسى من خلال سيطرتها على البرلمان القادم خاصة أن البعض رجح حصول تلك الأحزاب على نسبة كبيرة بمقاعده نظراً لحب المصريين الشديد للجيش وكل قادته وإقبالهم على اختيارهم فى اى انتخابات. كما تخوفت الأحزاب مدنية أيضا من استحواذ الأحزاب العسكرية على المعارضة السياسية فى المرحلة المقبلة بما يساعد فى تراجع دور الأحزاب المدنية واعتبراها أحزاب "كرتونية" وهو ما يعيد للأذهان ما كان عليه الحال أثناء عهد الحزب الوطنى المنحل. من جهته قال اللواء حسام سويلم الخبير العسكرى.. من حق العسكريين المتقاعدين تأسيس أحزاب مدنية لأن صفة العسكرية قد انتفت عنهم بمجرد أن تركوا المؤسسة العسكرية والزى العسكرى وارتدوا الزى المدنى. وتابع .. لا يمكننا أن نجزم بأن هذه الأحزاب ستمثل ظهيراً سياسياً للسيسى لأن الفيصل فى هذا الأمر فى النهاية سيكون للشعب المصرى ففى إنتخابات الرئاسة على سبيل المثال كان السيسى مرشحاً عسكرياً فى حين كان صباحى ممثلاً للمدنية وقد حسم الشعب المسألة واختار المرشح الأنسب له. وأضاف .. الأمر لن يختلف كثيراً مع الأحزاب العسكرية التى ستعرض نفسها أمام الناس فى الإنتخابات البرلمانية المقبلة عن الأحزاب المدنية وسيكون على الشعب فى هذا الوقت أن يفصل بشأنها فإما أن يقبلها أو يرفضها خاصة أن أغلب شخوصها لن يكون معروفين بالنسبة للمصريين. وأضاف.. علينا أن نأخذ فى الإعتبار أن الرئيس السيسى كان وضعه مختلفاً نظراً لأنه كان يحظى بتأييد شعبى منقطع النظير لموقفه الهام فى ثورة 30 يونية والإطاحة بالإخوان. بينما رفض اللواء طلعت مسلم الخبير العسكرى تأسيس العسكريين لأحزاب سياسية وقال إنه على الرغم من كونهم عسكريين متقاعدين إلا أنهم يدعون لتأسيس أحزابهم الجديدة بطريقة فئوية وهو ما يرفضه القانون والدستور. وأضاف مسلم إن الحياة السياسية والأحزاب ترسم مستقبل الوطن ولا يمكن أن تقتصر فى تكوينها على أصحاب مهنة واحدة وأعتقد أن القائمين على هذه الأحزاب لن يقبلوا بعضوية غير العسكريين. وأكمل .. العسكرى المتقاعد يتحول لشخص مدنى بمجرد تركه للعسكرية ولا يمكن بطبيعته أن يتحول كظهير لأى شخص لأن القوة التى كانت بيديه قد زالت لكن له كل حقوق الأشخاص المدنيين فى الانتخاب والترشح والمشاركة فى الأحزاب السياسية لكن بصفة مدنية شريطة ألا أن تكون هذه الأحزاب مغلقة على العسكريين فقط. من جانبه يقول الدكتور وحيد عبد المجيد الباحث السياسى: لا جدوى من تأسيس العسكريين لأحزاب سياسية جديدة لأن الحياة الحزبية بشكل عام ستتراجع فى المرحلة القادمة ولن يكون لها أى دور يذكر. وأضاف عبد المجيد إن الانتخابات الرئاسية الأخيرة أكدت بالدليل القاطع أن الأحزاب السياسية لا دور لها على الأرض ولا يقبل عليها الناس ولا يتفاعلون معها لذلك من الممكن أن تدخل فى مرحلة انحدار لمدة عامين أو ثلاثة أعوام قادمة قد تحاول خلالها إعادة ترتيب أوراقها ليصبح لها تأثير يذكر على الشارع. وقال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية: من حق أى مواطن من الفئات الممنوعة من ممارسة حقوقها السياسية أثناء وجودها فى عملها سواء عسكريين أو قضاة أن يعودوا لممارسة هذه الحقوق فى حالة تقاعدهم أو تركهم للعمل وقد كفل الدستور ذلك. وأكد نافعة أن من حق العسكريين المتقاعدين تأسيس أحزاب أو جماعات سياسية طالما أنهم تقاعدوا خاصة أن القانون لا يمنعهم من ذلك فهذه حرية شخصية طالما أنهم يعملون وفق قواعد منضبطة وقوانين تنطبق على جميع الأشخاص المدنيين بالدولة خاصة وأن باب تأسيس الأحزاب مفتوح أمام الجميع طبقاً للدستور. وأضاف نافعة.. تأسيس العسكريين لأحزاب سياسية لا يمثل خطورة على الحياة الحزبية و السياسية فى مصر لأن الجماهير هى التى ستحكم على وجودهم بالنجاح أو بالفشل وفقاً لما سيرونه منهم. وأكمل.. بالطبع ستسعى هذه الأحزاب التى سيؤسسها العسكريون المتقاعدون لتكون ظهيراً سياسياً للرئيس السيسى لكننى أنصحه أن يعلن من البداية ابتعاده عن هؤلاء وأن يمنعهم من استغلال اسمه وسمعته خاصة وأنه ليس فى حاجة لذلك لأن لديه من الظهير الشعبى ما يكفيه ويغنيه عنهم وعن سواهم من المتملقين من أعضاء الحزب الوطنى المنحل. وتابع نافعة.. من حق هذه الأحزاب أن تعلن دعمها وتأييدها للسيسى لكن ليس من حقها أن تدعى أنها ظهيرا سياسيا له أو أنه ينتمى إليها وعليه بالضرورة أن يرد على ذلك رداً قاطعاً بأنه لا يريد دعمهم إذا ما تجاوزوا.