أكد القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين السيد عبدالستار المليجي في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان "اختطاف الثورة آخر العمليات الفاشلة للتنظيم السري" أن هناك فرقاً كبيراً بين التنظيم السري لجماعة الإخوان والجماعة نفسها، مشيرا إلي أنهما كانا في صراعات تاريخية منذ الأربعينيات بسبب خلافات فكرية ورغبة التنظيم في السيطرة علي الجماعة. وأضاف "المليجي" في كتابه الذي يسرد فيه التاريخ الأسود للتنظيم السري منذ نشأته وحتي الآن- أن التنظيم استطاع أن يسيطر علي مكتب الإرشاد وحاول بعد الثورة أن يفرض سيطرته علي الحكم بمصر إلا أنه فشل في الأمر. وأوضح أن حسن البنا المؤسس الأول لجماعة الإخوان حاول خدمة الدعوة وفق مفهومه للإسلام وكون هيئة تأسيسية للجماعة وفق احتياجاته وأهدافه ولكن كيف بدأ التنظيم السري من داخل الإخوان؟ أضاف المليجي أن آلية نشأة هذا التنظيم كانت كالتالي : مع زيادة عدد أعضاء الجماعة رأي أحد الأعضاء أن الدور المنوط به لا يروق له وتحدث عما في داخله لأحد المقربين له فوافقه نفس الشعور فصارا اثنين ثم أربعة ثم زاد عددهم، وبعد ذلك بدأوا عقد لقاءات خاصة بهم واتفقوا علي أن يكون لهم أمير أو مسئول ولائحة خاصة بهم مع مجاراة الجماعة وعدم إعلامها بذلك جزئيا أو كليا لتكون هذه "العصابة" وفقا لتعبير المليجي أول خلية للتنظيم السري الخاص داخل جماعة الإخوان المسلمين، مع العلم أنه ليس من المهم أن يكون هذا التنظيم مسلحاً أم لا فأمر السلاح هو أهون المطالب لمن أراده وليس المهم الطبيعة الفكرية لهذه العصابة فهم يخدمون فكرتهم الخاصة ويكرسون لها كل جهدهم سواء كانت تكفيرية اعتزالية أو تكفيرية عسكرية كما أنهم سخروا كل إمكانيات الجماعة المتاحة لهم لدعم مواقفهم وتنميتها وتغليبها علي ما عداها. وبهده البداية البسيطة كما يقول المليجي بدأ التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين ونما وتولد كالدود وتسلح ثم "إنسعر" وأحدث في جسد الوطن والإخوان أيضا وفقا للكاتب طعنات وجروحاً وعاهات. وأضاف المليجي أن مجموعة التنظيم السري كانت تؤمن بأن دماءها أنقي من غيرها وان عقولهم أذكي وقدراتهم التنظيمية أكثر دقة وبراعة أي أنهم كانوا يرون في أنفسهم "شعب الله المختار بالإسلامي "، كما أنهم لا يحبون النور ويعشقون العمل في الظلام فكانوا ينشطون بالليل وتكثر فيه مؤامراتهم. وأوضح المليجي أن الطعنة الأولي التي وجهها التنظيم السري للجماعة إلي الوطن كانت حادثة اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان في 22 مارس عام 1948، ثم حادث السيارة الجيب في 15- 11-1948 مما ترتب عليه صدور قرار حظر الجماعة ومصادرة ممتلكاتها. وكانت الطعنة الثانية عندما تم تكليف طالب في العشرين من عمره كان منضما للتنظيم بقتل رئيس الوزراء النقراشي وترتب علي ذك القبض علي آلاف الإخوان والمواطنين والزج بهم في السجون ثم قتل حسن البنا وذلك لإنهاء دور الإخوان تماما وشل حركتها لمدة عام ونصف قبل اختيار مرشد جديد لها. وكانت الطعنة الثالثة عندما نجحت الجماعة بالكاد في اجتياز محنتها واختيار مرشد من خارجها ليقوم بقيادة سفينتها فكان أرباب التنظيم السري له بالمرصاد فحاولوا إقصاءه بالقوة وفشلوا وكانت موقعة تاريخية مشينة حين تجمع الإخوان في مواجهة التنظيم الخاص بأسلحتهم النارية لولا تدخل العقلاء وسحب الأسلحة والمسلحين من المركز العام للجماعة. ولم يجد المرشد الجديد مفراً من أن يقاوم التنظيم السري بنفس أسلوبه فشكل لنفسه تنظيما سريا مسلحا بقيادة يوسف طلعت، حتي أن هذه التنظيمات أفسدت الاتفاقات التي توصل إليها المستشار حسن الهضيبي مع الثورة بأن يسير كل من الإخوان والثورة في طريقه ولا يعترض أي منهما الآخر. وأصر التنظيم علي القيام بعمليات ضد الثورة الوليدة التي شارك فيها بعض قيادات الإخوان وكانت من أحلام حسن البنا وفقا للمليجي. وكانت الطعنة الرابعة عندما ذهبت مجموعة من التنظيم السري واقتحمت مطار القاهرة بقوة السلاح زعما منها بأن المرشد مهدد بالاعتقال فور وصوله للبلاد وتمكنوا من اختطافه من الطائرة ونقله للمركز العام ثم لاذوا بالفرار، ثم توالي عدد من العمليات في أماكن متفرقة بمصر تلتها سنوات المحنة التي استمرت لمدة 20 عاما كاملة ابتعد الإخوان خلالها عن المشهد. أما الطعنة الخامسة فكانت عندما تجمع نفر ممن يحملون نفس أفكار التنظيم السري وبدأوا التدريب بهدف قلب نظام الحكم وقتل الرئيس، حيث قام بقال بسيط بقرية سنفا بالدقهلية بشراء قنبلة يدوية من قروي ساذج كان قد سرقها من أخيه المجند بالجيش الذي سرقها بدوره من وحدته العسكرية لتبدأ محنة عام 1965 والتي أعدم في أعقابها ثلاثة من قيادات الإخوان بينهم سيد قطب بالإضافة إلي اعتقال حوالي ثلاثين ألفاً ممن يعتنقون فكر الجماعة وبعد أن تم فتح السجون عام 1975 عاد التنظيم السري من جديد وبدأ نشاطه بنفس الأفكار ونفس الطريقة ليدخل الإخوان في نكبة مستمرة حتي الآن. وقال المليجي: إنه كان يؤمن بأن هذا التنظيم الذي ينمو مثل "الدود" سوف ينتهي مع أول محراث يقلب الأرض ويعرضها للشمس وأن ثورة 25 يناير هي هذا المحراث الكاشف، موضحا أنه مع هذه الحقائق التاريخية الدامغة فإنه يؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين شيء والتنظيم السري شيء آخر يختلف عنها تماما إلا أن الإخوان وقعوا في شرك التنظيم السري أربع مرات علي مدار تاريخهم ، حيث تشكل التنظيم السري للمرة الأولي بقرار من المرشد العام حسن البنا وهو في الخامسة والثلاثين من عمره عام 1941 ووضع علي رأس التنظيم الشاب محمود عبدالحليم وكان مهندسا زراعيا من الإسكندرية ولكنه استقال من هذه المهمة لأسباب خاصة لم يوضحها في كتاباته ثم حل محله موظف بوزارة الزراعة يدعي عبدالرحمن السندي. وكان مبرر تكوين هذا التنظيم وقتها هو حماية الدعوة من خصومها، ولكن انتهي أمره بالتمرد علي الجماعة ومقاتلتها والخروج عن قواعد الدين والقانون ثم مقتل البنا كرد فعل علي مقتل النقراشي واختفي مؤقتا بقرارات الفصل التي صدرت عن المرشد الجديد حسن الهضيبي، وكان من بين من سجنوا علي خلفية أحداث الأربعينيات بعض عناصر هذا التنظيم ومن بينهم مصطفي مشهور الذي أعاد تأسيسه في السبعينيات. أما التنظيم السري الثاني فشكله الهضيبي تحت ضغط الشعور بالخطر من جهتين الأولي كانت بقايا التنظيم السري المنحل والثانية مجلس قيادة الثورة الذي بدأ يطارد الجماعة لوقوع خلافات حادة بينهما, وكان يقود التنظيم السري الثاني صاحب ورشة نجارة يدعي يوسف طلعت، وانتهي بالقبض علي معظم أعضائه ثم القبض علي المرشد والإخوان وإعدام رئيس التنظيم عام 1954 بعد اتهامهم بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في حادث المنشية. والتنظيم الثالث بدأت فكرته في نهاية الخمسينيات وتشكل بداية الستينيات بقيادة تاجر حبوب من دمياط يدعي الشيخ عبدالفتاح إسماعيل وعاونه المهندس الزراعي محمد الشريف وكان هدفه قتل عبدالناصر ومعاونيه وقلب نظام الحكم بالقوة، وانتهي بالقبض علي أعضائه وإعدام رئيس التنظيم وسيد قطب واعتقال كل من شارك وباشر هذا العمل. وتشكل التنظيم السري الرابع في السجن عام 1973 وكان بقيادة الفيزيائي بالأرصاد الجوية مصطفي مشهور القادم من قرية السعديين مركز منيا القمح شرقية، واستكمل هذا التنظيم تشكيلاته فور خروج الإخوان من السجون عام 1975 بتجنيد الكثير من شباب الجماعات الإسلامية في فترة السبعينيات وبعد اكتشاف أمر هذا التنظيم من قبل عمر التلمساني وهروب مشهور للخارج عقب مقتل الرئيس أنور السادات، أيقن الأخير أن جهده للداخل تلاشي فواصل تجنيد المصريين في الخارج بالسعودية والكويت إلي جانب الطلبة المبعوثين للدراسة بالخارج في أوروبا وأمريكا وعاد مرة أخري عام 1986 ليكمل تحقيق أهداف التنظيم. وأوضح المليجي أن هذا التنظيم الرابع كان مغايرا للتنظيمات السابقة حيث كان يهدف إلي قلب نظام الحكم داخل الجماعة أولا ليستولي علي مقدراتها وممتلكاتها ويتخلص من ازدواجية القيادة ثم يأتي الهدف الثاني وهو استخدام الجماعة المختطفة للاستيلاء علي الحكم في مصر، وفقا لخطة التمكين التي تم ضبطها في المقر الأول للتنظيم وهي شركة سلسبيل عام 1992. وقال المليجي عن التنظيم السري الرابع نجح بالفعل في عملية اختطاف الجماعة ولكنه فشل فشلا ذريعا في إحداث تغيير في مصر، بعد أن لاحت له الفرصة بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011 حيث أحس المصريون بأنهم وقعوا في الفخ وبدأت مقاومتهم للمختطفين بعد أقل من عام. وواصل المليجي في كتابه بالتفصيل سرد كيف بدأ التنظيم السري الأخير وكيف تمكن من الجماعة؟ حيث قال إن أعضاء الإخوان المفرج عنهم من قبل السادات في فترة السبعينيات انبهروا بالصحوة الإسلامية التي شهدتها مصر في تلك الفترة خلال غيابهم وراء القضبان ووجدوا أن من واجبهم توعية الشباب الإسلامي بمفهوم الحركة الإسلامية وتعريفهم بأخطائهم وكان من ألمع القيادات وأكثرها جاذبية عمر التلمساني. وأشار المليجي إلي أن أعضاء الجماعة لم تكن تجمعهم طريقة واحدة أو ثقافة واحدة ولذلك يري المتابعون للإخوان أن الفروقات كانت واضحة بين الإخوان من محافظة لأخري ولكن كان لابد من اتفاق علي طريقة للعمل، إلا أن البعض منهم عارض العودة للماضي كما عارض مجرد وجود مسمي الإخوان المسلمين أو أي تنظيم لهم وأعلن حربا علي التنظيم السري لما تسبب عنه من مآس تاريخية معروفة. والبعض الآخر رأي العودة إلي الجماعة كمؤسسة فكرية تمارس التوجيه بالكتابة والنشر والدراسة والحوار ومثل هؤلاء محمود عبدالحليم. ورأت مجموعة أخري أن إعادة تكوين التنظيم السري علي نفس النمط السائد في الأربعينيات هو الحل ومثل هؤلاء مصطفي مشهور وأحمد حسنين ومن تأثر بهما من تنظيمات 65. واتفقت الغالبية علي أن يتم العمل بين الشباب مع إصدار مجلة الدعوة وتأسيس دار نشر واعتبار الإخوان رافدا فكريا من روافد الصحوة، علي أن يكون هناك تنسيق بين الإخوان وليس تنظيما سريا أو علنيا وتبني هذا الرأي عمر التلمساني وأحمد الملط وجابر رزق ومحمد سليم وصلاح شادي ومحمد فريد عبدالخالق وباقي أعضاء الجماعة الذين بقوا في مصر في تلك الفترة. وبالفعل صارت الأمور في العلن ونال التلمساني ثقة جميع الأوساط الدعوية كالجامعات وجميع المؤسسات الدعوية الأزهر والجمعيات الخيرية كالجمعية الشرعية وجمعية الخلفاء الراشدين وأنصار السنة المحمدية، وقدم درساً كل ثلاثاء بمسجد الخلفاء الراشدين وشرع في تأسيس اتحاد للجمعيات الإسلامية وأصبح صديقا محببا للجميع وقتها حتي للرئيس السادات. وما حدث وفقا للمليجي أن الذين اعتادوا التنظيم السري لم يرق لهم فكر التلمساني وبالفعل بدأت فكرة تكوين التنظيم الخاص من جديد وبنفس شخصياته القديمة من تنظيم 65 واعترف المليجي أنه كان أحد من بايعوا مصطفي مشهور الذي أعاد هذا التنظيم ولكن بنية أنه كان يأخذ البيعة نيابة عن المرشد المعلن وقتها وهو التلمساني. وأوضح المليجي أن مع خروج أعضاء الإخوان من السجن وبالتحديد بعد أربعة أعوام بدأ الصراع بينهم وبين الجماعات الإسلامية التي كانت تعاني من إشكالية تركها قيادة الصحوة الإسلامية لجماعة الإخوان المسلمين، وانتهي الأمر بحادث المنصة وعودة الاعتقالات إلا أن عدداً كبيراً من أعضاء الجماعات قاموا بمراجعات فكرية لكن "السريين" من الإخوان لم يفعلوا حتي الآن. وأوضح المليجي أنه طوال فترة الصراع بين الإخوان والجماعة حاولوا مقاومة بعض الأفكار مثل تقصير الجلباب وإطلاق اللحي إلا أنهم لم يقاوموا فكرة مواجهة شباب الصحوة الإسلامية للسادات اعتقادا منهم أنهم قد ينجحون في قلب نظام الحكم وفي هذه الحالة لن يستطيع الشباب تحمل مسئولية القيادة وأن الأمر سيعود إليهم في النهاية وهذه العقيدة لا تزال موجودة بين قيادات مكتب الإرشاد حتي الآن. وتابع المليجي: بعد خروج الإخوان من جديد من السجون في منتصف الثمانينيات حيث كانت هناك حملة اعتقالات موسعة عام 1981، بدأت إرهاصات القلق تظهر علي أعصاب التنظيم السري لما شكله فريق عمر التلمساني في الجامعات والنقابات من نجاح وتحالفه مع حزب الوفد لدخول البرلمان، وبدأ "السريون" يعودون من الخارج إلا أنهم رفضوا الاندماج فيما هو قائم ونشروا مقولة "الحي أبقي من الميت " وكانت تعني أن العمل بالأحياء مع التنظيم السري أفضل من العمل بالنقابات والجماعات والمؤسسات العلنية، ووضع هذا التنظيم هدفا محددا بإضعاف فريق التلمساني والترتيب لانتخابات مخططة تعطي للمبعوثين والمتسعودين والخلايجة المجندين للتنظيم السري مشروعية تنظيمية للقيادة. وأوضح المليجي أنه فور اكتمال طلائع الغزو المعد في أوروبا وأمريكا والسعودية والكويت واليمن تم تشكيل فريق مصغر منهم تحت لافتة "شركة سلسبيل" بمجلس إدارة مكون من أحمد عبدالمجيد بصفته مالك الشركة الأم في لندن، وخيرت الشاطر رئيس مجلس الإدارة وحسن مالك عضواً ومحمد إبراهيم عضواً إضافة إلي عدد من الإخوان بكل محافظة وتأسس فرع للشركة في المنيا تحت قيادة محمد سعد الكتاتني وكمال الفولي ليكونا مسئولين عن التسويق لأفكار التنظيم السري في الصعيد. وبدأ هذا التنظيم بجمع معلومات تفصيلية حول جميع الإخوان وتم تسجيلها في كروت باسم كل عضو، وجمعت المعلومات في شركة سلسبيل دون أي علم من مكتب الإرشاد أو العاملين معه وفقا للمليجي. وقال المليجي إنه تم الاعتماد علي جهل العديد من الأعضاء الجدد بالجماعة بالصراع القديم بين مكتب الإرشاد والتنظيم الخاص ، وبدأ تشكيل الجماعة بما يتوافق مع التنظيم الجديد مع تجاهل الفريق الذي عمل في السابق مع عمر التلمساني. وفي بداية التنظيم السري في الثمانينيات تم اعتبار مصطفي مشهور المرشد الحقيقي أما محمد حامد أبوالنصر فكان صورة مرشد أو مرشد صورة وهو نمط التفكير السائد في كل التنظيمات السرية منذ الأربعينيات ثم السبعينيات. وكان جهاز أمن الدولة يتعقب القائمين علي شركة سلسبيل وتركهم يعملون بدأب في جمع المعلومات التي عجز هو عن جمعها عن الإخوان وعندما اكتملت عمليتهم تقدم ضباط بقيادة العقيد محمد قمصان وقبضوا علي المتورطين مرة واحدة و لم يتم تقديمهم للمحاكمة في قضية سلسبيل الشهيرة لأنه تم اعتبار أصحاب الشركة "شاهد ملك" نظرا لما جمعوه من معلومات جليلة لأمن الدولة. وقال المليجي إن قيادات التنظيم السري ركزت علي بعض الإدارات داخل الجماعة بحجة أنها كانت غير راضية عن التنظيم الخاص لاستمالتها وبالفعل تم التركيز علي قسم الطلبة منذ عام 1982 ونجح التنظيم في سلب قسم الطلاب تماما عام 1988 حتي كان المصدر الرئيسي مصدرا لشباب التنظيم. ومع مرور الوقت قرر مكتب الإرشاد فصل قيادة قسم الطلاب علي أن يتولي مهدي عاكف إدارته، وتم إبلاغ الجميع أن عبدالمنعم أبوالفتوح سيكون مسئولا عن قسم النقابات المهنية دون أي مبررات مقنعة، وبذلك تم توجيه قسم الطلاب لتتناسب أفكاره مع التنظيم الخاص. وقال عبدالستار المليجي إنه بعد أن تم إبعاده وغيره من قيادات قسم الطلبة من أمثال عبدالمنعم أبوالفتوح وأنور شحاتة وأبوالعلا ماضي ومحمد عبداللطيف وصلاح عبدالكريم وحسام حسين، مما دفعهم للاتجاه إلي النقابات وبالفعل حققوا نجاحات كبيرة حتي صدر قانون 100 لسنة 93 ليترتب عليه قضية النقابات عام 1995 وتقديمهم لمحاكمات عسكرية مع آخرين، وبالطبع انحسر نشاطهم واستغل التنظيم الخاص الفرصة ليحل محلهم في النقابات وملأ المواقع الفارغة بعناصره. ولم يكتف التنظيم الخاص بالسيطرة علي قسم الطلبة والنقابات ولكنه بحث عن السيطرة علي مكتب الإرشاد وبدأوا يغيرون من الدوائر الانتخابية للمكتب، وبدأ التسويق إلي أن المرشد أبوالنصر مريض والقيادة الحقيقية في يد مشهور ودعوا للقاءات "الشُعب" بشكل مفاجئ وعلي طريقة أمن الدولة كما يقول المليجي حيث تم إعطاء العضو ورقة مكتوباً عليها مطلوب حضورك مع تحديد المكان والزمان. وتمت الانتخابات في غرف صغيرة وفي دقائق معدودة في عام 1994 مما أسفر عن مجلس شوري أغلبه من جيل السبعينيات، لكن مصطفي مشهور الذي أشرف علي هذه العملية بأكملها لم ينجح في انتخابات شعبته وتم محاكمة المسئول عن ذلك. وبنفس الطريقة كما يقول الكاتب تمت انتخابات مكتب الإرشاد حيث تم تحديد أكثر من موعد لها وتم إلغاؤه إلي أن تم تحديد يوم الخميس الموافق 17 يناير 1995 وهناك توالت المفاجآت، حيث إن مجلس الشوري المنتخب والمكون من 85 عضوا أضيف عليه بالتعيين 30 عضوا، وتم إعادة الانتخاب بين عضو تنظيم 65 محمود عزت وخيرت الشاطر ورسب الأخير ولم يستطع الانضمام لمكتب الإرشاد إلا بوفاة أحد أعضائه. وحسب المليجي لم يجتمع مجلس الشوري منذ هذه الانتخابات ولا مرة واحدة وكأن مهمته انتهت بمجرد انتخاب مكتب الإرشاد، حتي في القرار الوحيد بضرورة السير في إجراءات قانونية لإشهار حزب سياسي يمثل الإخوان وهو الأمر الذي اعتبره مكتب الإرشاد غير ملزم إلا أن المليجي يري أن مكتب الإرشاد رفض تأسيس حزب سياسي لأنه كان تحت سيطرة التنظيم السري الذي لا يستطيع العمل في ظل أي قانون. وفي عام 1995 تعرض قيادات مجلس الشوري ومكتب الإرشاد للمحاكمات العسكرية فاستغل الأمر أعضاء التنظيم السري وبدأوا يحلون محل القيادات التي دخلت السجون، وبالفعل نجح التنظيم للمرة الأولي في السيطرة علي مكتب الإرشاد ، وفور وفاة أبوالنصر تمت أغرب مبايعة في التاريخ أطلق عليها تاريخيا مبايعة "المقابر" حيث أصبح بموجبها مصطفي مشهور مرشدا للإخوان ولم يعد من وقتها مرشد الإخوان مجرد صورة وتولي بنفسه أمر التنظيم الخاص. ورأي المليجي أن هذا التنظيم حارب أعضاء الإخوان الحقيقيين الذين لم يكن لهم يد فيما اقترفه "الخاص " سوي صمتهم الذي فهم علي أنه رضا بما يفعله. وحاول المليجي تقديم شرح وافٍ لكيفية اختطاف الثورة من قبل التنظيم السري، حيث بدأ توضيح موقفهم من النظام الأسبق فمنذ أن تأسست حركة كفاية عام 2003 وظهرت للمرة الأولي في 12-2-2004 ارتجف التنظيم وبدا ينشر حولها الأكاذيب وصدرت تعليمات داخلية بمحاصرتها، حيث رأي التنظيم أنها قد تسحب البساط من تحت قدميه وستتسبب في حرج لهم أمام الشعب المصري وكانت المشكلة بالنسبة للتنظيم الخاص مع حركة كفاية بأنه لا يمكن وصفها علي أنها حركة عنصرية أو حزبية أو أيديولوجية فهي حركة مصرية بامتياز وعندما اتسع نطاقها ونجحت فكرتها والتف الجميع حولها تحولت كراهية التنظيم لها إلي أفعال معادية. وأعلن مكتب الإرشاد عن تأسيس حركة موازية لتمتص تطلعات الشباب داخل الجماعة الذي بدا معجبا بما حققته "كفاية" وأطلقوا علي حركتهم اسم "قوم يا مصري" وكانت مولودا مشوها حيث لم تكتب لها الحياة أكثر من شهور وبعد ذلك طالبت الجماعة بالانضمام للحركة بشرط المشاركة في المظاهرات بلافتات تخص أفكارها وتنظيمها، مما تسبب في فتنة داخل الحركة ورفع الناصريون صور عبدالناصر وغيرهم رفع صور جيفارا وآخرون رفعوا أعلاما سوداء وخضراء وبذلك بدت "كفاية" غير قادرة علي لم شمل المصريين وفشلت رغم محبتها في قلوب الجميع في هذه الأثناء. ووفقا للمليجي بينما كان الجميع مشغولا بتحديد موقع له في التليفزيون كانت الثورة تغلي في صدور الشباب وبالفعل نجح في إشعال الثورة في 25 يناير عام 2011 ولكنه فقد الخبرات الكبيرة مما سهل عملية دخول عناصر أخري تستعد لجني حصاد الثورة وبدأت عملية اختطاف الثورة بلقاء جمع محمد مرسي ومحمد سعد الكتاتني ومحمد بديع برئيس المخابرات الأسبق عمر سليمان يوم 1 فبراير عام 2011 وتم الاتفاق علي أن يسحب الإخوان أنصارهم من الميدان مقابل السماح لهم بحزب سياسي وعدم التعرض لتنظيمهم السري والإفراج عن مديري التنظيم المسجونين خيرت الشاطر وحسن مالك، وبعد الاتفاق تم الحلف علي المصحف بعدم إثارة الموضوع في مكتب الإرشاد لتأكدهم بأن أبوالفتوح علي الأقل سيعارض، ولكن انكشف السر بزلة لسان وسربت المخابرات الأمر بهدف شق صف الإخوان. وكالعادة تصرف الذين عقدوا الاتفاق مع نظام مبارك والمعتصمين في الميدان بوجهين مختلفين وبسياسة إمساك العصا من المنتصف فكان ممثلوهم في الميدان يتبنون خطاب الثورة بينما قادتهم في الخفاء ينسقون مع أعدائها, حتي أنه كان هناك اقتراح بإقناع الثوار بأن يتنازل مبارك لنائبه عمر سليمان عن الحكم ولكن الثوار رفضوا الأمر وبعد يوم 11 فبراير لم يمانع أعضاء مكتب الإرشاد من عقد صفقة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي أدار البلاد بعد مبارك وكانت أول معالم الاتفاق هي التعديلات الدستورية وبعدها صارت الأحداث تتوالي بشكل سريع حتي تم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في 24 يونيو 2012 بفوز محمد مرسي ومنذ اللحظة الأولي للرئيس الإخواني وجد المصريون وفقا للمليجي أنه لا يلتزم بقوله كثيرا فبعد أن كان ممتنعا عن الحلف باليمين أمام المحكمة الدستورية بعد حل مجلس الشعب حلف اليمين أمام القضاة وأيضا جمهور عريض بجامعة القاهرة وفي ميدان التحرير، ولم يستطع مرسي أيضا تحديد الجناة في حادث رفح الذي راح ضحيته 19 ضابطا ومجندا مصريا كما وعد، وقامت جهات عديدة بتقييم أداء مرسي خلال 100 يوم الأولي من حكمه حيث كان وعد بحل مشكلة رغيف العيش والأمن والوقود والنظافة والبطالة لكن الأيام مرت دون حل لهذه المشكلات، وراحت مجموعات التنظيم السري تقدم مبررات لهذا الإخفاق بينما اعتبرت القوي الوطنية أن هذا الأمر ينم عن ضعف الرئيس وهشاشة مشروعه الانتخابي واستمر مرسي في أخطائه دون أن يقدم اعتذارا للشعب المصري مما أدي إلي زيادة حدة الغضب عليه بمرور الوقت وفشل التنظيم السري في إكمال خطته باختطاف الثورة والتمكين من مصر كلها.