قدم جيمس ماتيس، الجنرال المتقاعد في سلاح البحرية الأمريكية والذي كان مسؤولا عن الإشراف على 20 دولة من دول الشرق الأوسط بصفته القائد السابق للقيادة المركزية، سلسلة من المحاضرات في جامعة كاليفورنيا في بيركلي مؤخرا حول ثروات الربيع العربى ، بحسب ما جاء في صحيفة بيزنس انسايدر. وركز الجنرال المتقاعد في حديثه على أسرار ما يحدث الآن في الشرق الأوسط خصوصا الشأن المصري والسوري، وكذلك التهديدات الصادرة من ايران، وقدم في تلك المحاضرات رؤيته الثاقبة لعلاقات دول الشرق الأوسط مع الجانب الأمريكي، كما تحدث مطولا عن التهديدات التي تحاك ضد الولاياتالمتحدة، والتحديات القائمة في الوقت الحالي. وبدأ الجنرال ماتيس حديثة بالتأكيد على أن التفاهم والتعامل مع هذه المنطقة من العالم يمكن أن يكون أمر محبط للغاية, محاولا كشف ما يسمى بثورات الربيع العربي. وقال ماتيس , إن الحدث الأكثر أهمية الذي يجتاح المنطقة الآن هو ما يسمى بثورات الربيع العربي، وفي شهادته في مجلس الشيوخ الأمريكي، والتى أعادها فى محاضراته , إنه غالبا ما كان يحذر الناس الذين يعتقدون أنها ثورات من أجل الديمقراطية، مؤكدا أنه علينا أن تأخذ هذا الأمر من حيث ما هو عليه في الواقع والحقيقة، وليس ما نتمنى نحن أن يكون عليه الأمر. وأوضح ماتيس أن الأمر في حقيقته، في اعتقاده، هو رحلة للإنتقال من مرحلة الظلم، والحكومات لا تستجيب لمطالب شعوبها، مع انهيار العقد الاجتماعي الأساسي بين تلك الحكومات والشعوب، لكنه ليس بالضرورة أن يكون اندفاعا لتلك الشعوب نحو الديمقراطية بنفس القدر الذي يود أن يراه البعض، وكذلك ليس من الضرورة أن يكون كما يريد الملايين من العرب أن يروا فيه تحقيقا وطريقا للديمقراطية. وتناول الجنرال ماتيس كل بلد أو حالة على حدة، وبدأ بمصر قائلا : إذا كنت تريد أن تعرف إلى أين يذهب الربيع العربي؟، فيمكنك أن تراقب مصر جيدا وبشكل وثيق، لكن يجب علينا أيضا أن نقبل إحتمالية أن يكون هناك بعض النكسات، مثلما حدث عند انتخاب جماعة الإخوان المسلمين ديمقراطيا أولا، ثم طردهم من السلطة بعد مرور عام من قبل أكبر مظاهرة حاشدة في التاريخ، والتي دعمتها وأيدتها القوات المسلحة, فقد صعد الجيش الى الساحة وسيطر على الوضع، وفعل ما يحلو للبعض أن يطلق عليه انقلاب عسكري بدعم من الشعب المصري، فإذا نظرتم الى ذلك الحدث وتلك النكسة في طريق الديمقراطية التي وقعت في تلك اللحظة، فأنا لا أبالغ في القول إنها أصبحت مشكلة حقيقية، بل أن المصريين ألقوا بالثورة خارج مسارها الديمقراطي، لكن يؤكد ماتيس أن الشعب المصري اذا ما أعاد العملية الديمقراطية بسرعة إلى الساحة السياسية، فيمكنهم أن يستعيدوا الديمقراطية كاملة مرة أخرى وأن يستعيدوا ثورة الربيع العربي الى مسارها المنشود. ويوضح ماتيس أن هذا التوتر الذي تراه يخرج من العشائر السنية والشيعية، يمكن القول انه يتم تغذيته بشكل كبير من قبل المتشددين في إيران, فالحقيقة أن إيران ترى نفسها بطلة وقائدة لكل الشيعة، وهم يبذلون قصارى جهدهم لزعزعة استقرار جزء كبير من دول الشرق الأوسط. ويشدد ماتيس على أن الجماعات الارهابية مستوحاة ويتم تمويلها من جانب الحكومة الايرانية، فهناك مثلا تنظيم حزب الله والإرهابيين المرتبطين به، وهم أعلنوا الحرب على الولاياتالمتحدة في وقت مبكر من الثمانينات، وعلينا أن نتذكر الهجمات على سفارة الولاياتالمتحدة في بيروت، وعلى ثكنة المظليين الفرنسيين وثكنات مشاة البحرية الامريكية لحفظ السلام في عام 1983. ويضيف ماتيس أن هذه الحركات الإرهابية بالطبع هي من قتلت رئيس الوزراء رفيق الحريري في لبنان، وقتلت السياح الإسرائيليين في بلغاريا، كما أنها حاولت قتل السفير السعودي عادل الجبير، في وسط واشنطن العاصمة على بعد أقل من ميلين من البيت الأبيض، وقد تمت الموافقة على هذه العملية على أعلى المستويات في طهران في محاولة لقتل ذلك السفير، فالسفراء هم رجال ونساء يعملون من أجل السلام، وهذا الذي حدث يظهر مستويات التهور التي يمكننا أن نتوقعها من الايرانيين. ويستمر الجنرال ماتيس في تحليلة للوضع السوري فيقول إنها حرب أهلية بين الفصائل السنية والشيعية، وقد تم اللعب بها في أسوأ طريق ممكن أن تصل اليه، لكن السبب الوحيد الذي يجعل الأسد لا يزال في السلطة هو إيران، ولو أنها لم تستمر في تقديم الدعم له، لكان الأسد قد أصبح في خبر كان منذ سنوات. ويوضح ماتيس أن تنظيم القاعدة أعلن الحرب على الولاياتالمتحدة في منتصف التسعينات، وقصف سفاراتها في شرق أفريقيا، وهاجم المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن باليمن، وأسقط برجي التجارة في نيويورك، وقتل أحمد شاه مسعود، زعيم التحالف الشمالي الأفغاني في اليوم السابق لهجمات 9/11. وقد تضررت القيادة المركزية لتنظيم القاعدة بشدة من قبل الحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، لكن خلاصة القول هي، أن أي شخص يقول إنه استطاع القبض على قادتها أو أنه قد هزم القاعدة، فسوف أكون متشككا للغاية في كلامه. فهذه المجموعة لا تزال تحتفظ بملاذات آمنه في منطقة وعرة من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية وللقبائل في باكستان، وعلى الرغم من قيادتهم قد عانوا في ظل الحملة الأمريكية القوية عليهم، إلا أنه لايزال هناك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والذي وصفه ماتيس بأنه "الفرع الأكثر نشاطا لاستهداف أمريكا الآن". وهم الذين حاولوا اسقاط طائرة فوق مدينة ديترويت يوم عيد الميلاد قبل بضع سنوات، كما أنه في الصومال، هناك حركة "شباب المجاهدين"، وقد كانت قوات الاتحاد الافريقي فعالة جدا في مكافحتهم، وتم مساعدتهم وتدريبهم من قبل القوات الخاصة الأمريكية وغيرها، ولقد هاجموا الحركة والقوا برجالها خارج معظم معاقلهم، وهم الآن في حالة فرار، لكنهم لم يتم القضاء عليهم بعد حتى الآن. ويضيف الجنرال أنه في غرب العراق، هناك عودة لمقاتلي القاعدة والذين جاء معظمهم من سوريا، وهناك في مكان ما بين خمسة وعشرة الاف عنصر لتنظيم القاعدة يعملون هناك في الوقت الراهن. إنها حالة فوضى حقيقية، ولمن يقول إنه قد غلب تنظيم القاعدة، فمرة أخرى أعتقد أن هذا الكلام من السابق لأوانه للغاية. ويشير ماتيس إلى أن خلاصة القول, أن الوضع الراهن بين الفلسطينيين وإسرائيل ليس دائم، ونحن لا يمكن أن نستمر لدينا هذه المشكلة وننقلها إلى أطفالنا، لكن فرصة إيجاد حل الدولتين يتراجع بشدة. والمشكلة مع جهود وزير الخارجية جون كيري الآن هي أن أطراف النزاع في السلطة الفلسطينية وإسرائيل لا تريد الحل بقدر ما يفعل هو، وسوف يستغرق الأمر بعض التفاوض البارع لتقريب وجهات نظر كليهما. ونحتاج أيضا أن نتذكر، ان ايران لا تهتم بأي قدر بمشكلة الفلسطينيين لكنها تستخدم هذه القضية لتأجيج الوضع في المنطقة. ويختتم ماتيس حديثة بالقول: في حين نجد مشاكل لا تعد ولا تحصى في المنطقة، فلابد بالنسبة للولايات المتحدة أن تظل تعمل، ليس فقط لمواجهة التهديدات، ولكن أيضا لدعم الدول الصديقة الذين قدموا الدعم للجيش أو للدبلوماسية الامريكية لسنوات عديدة، وهذا يشمل البحرين وقطر والكويت والسعودية وإسرائيل، موضحا أن الفراغات في هذه المنطقة عندما تمتلأ، فإنها لا تمتلأ دائما بالعناصر الإيجابية أو بعناصر الاستقرار، ونحن لن نكون قادرين على وضع غطاء فوق رؤوسنا والاختباء من العالم، فكل ما عليك فعله هو أن تنظر الى الفراغ في سوريا ونرى كيف يمكن أن تصبح الأمور سيئة غدا؟!.