أربعة أعوام مرت علي آخر انتخابات رئاسية أجراها حزب الوفد في تجربة شهد لها الجميع بالديمقراطية فاز خلالها الدكتور سيد البدوي الرئيس الحالي للحزب علي منافسه الأقوي محمود أباظة رئيس الحزب الأسبق وزعيم تيار الإصلاح داخله والذي كان أحد أهم الأشخاص الذين أطاحوا بنعمان جمعة من رئاسة الحزب. وبالرغم من أن المنافسة في هذه الانتخابات كانت بين سلاح المال متمثلاً في البدوي رجل الأعمال المعروف وبين التاريخ الوفدي والنضالي في الحفاظ علي الحزب متمثلاً في شخص أباظة إلا ان الوفديين كانوا قد بدأوا يضيقون ذرعاً بمجموعة أباظة التي تولت زمام الأمور في الحزب ولم تضف له شيئاً بل علي العكس قللت من أسهمه وتوسموا خيراً في البدوي الذي عاد للحزب بعد إنقطاع طويل دام لهذه الأعوام الأربعة اعتراضاً منه علي الطريقة التي طرد أباظة ورجاله نعمان جمعة من الوفد في يوم يعتبر فضيحة كبري في تاريخ الوفد الطويل لذلك قرروا ترجيح كفة البدوي علي أباظة. وقبيل إغلاق باب الترشيح لهذه الانتخابات بساعات قليلة قرر فؤاد بدراوي الذي كان ينتوي الترشح عدم ترشحه في مواجهة البدوي معللاً ذلك بأن المرحلة آنذاك كانت تحتاج لتكاتفهما معاً من أجل مصلحة الوفد وانضم بدراوي إلي البدوي وكأنهما كونا فريقاً أو قائمة انتخابية بعد أن اتفقا علي توزيع الأدوار وعلي أن يصبح بدراوي سكرتيراً عاماً للحزب. وأجريت الانتخابات وحصد البدوي رئاسة الحزب بينما منح بدراوي منصب أحد نوابه ومنير فخري عبدالنور وزير الصناعة والتجارة الحالي منصب السكرتير العام إلا أن مرور الأيام وتوالي الأحداث واختيار عبدالنور لوزارة السياحة من قبل ثم الوزارة الحالية الآن مكن بدراوي من اقتناص منصبه. وبعد أشهر قليلة وبالتحديد في مايو المقبل ستجري الانتخابات مرة أخري علي رئاسة الحزب وفقاً للائحة اللهم إلا إذا اتخذت الهيئة العليا قراراً في القريب العاجل بتبكير موعد الانتخابات بسبب استحقاقات خارطة الطريق ومساهمة الحزب في تنفيذها وهو الأمر الذي تعكف لجنة داخل الحزب علي دراسته الآن. وبالرغم من الموقف الجريء الذي اتخذه بدراوي في الانتخابات السابقة إلا أنه علي مايبدو أن حلم العائلة بالإبقاء علي رئاسة الحزب في شخص ينتمي إليها كان ومازال يراوده حيث اتخذ بدراوي قراراً جريئاً أيضاً هذه المرة وكان أول من أعلن ترشحه لرئاسة الحزب حتي قبل أن يتحدد الموعد النهائي للانتخابات أو قبل أن يحسم البدوي موقفه من الترشح ليصبح حلفاء الغد أعداء اليوم. وبدراوي رجل ينتمي إلي جيل الوفديين القدامي والإصلاحيين في ذات الوقت فقد بدأ في العمل السياسي من الوفد مع جده المرحوم فؤاد باشا سراج الدين مؤسس الحزب وراعيه الأول ثم انضم إلي الإصلاحيين للإطاحة بنعمان جمعة من رئاسته. بدراوي حفيد سراج الدين الذي يحلم طيلة الوقت برئاسة إرث جده "حزب الوفد" ولطالما عاندته الظروف والأقدار وحالت دون ذلك. ويتمتع بدراوي بشعبية في لجان الوفد بالمحافظات خاصة بورسعيد التي من المتوقع أن يحصد أعلي نسبة من الأصوات منها. وقال في تصريحات له إنه يعكف حالياً علي وضع برنامج متكامل لتطوير الحزب وحل مشكلاته وأكد أنه تربطه علاقة طيبة بالدكتور السيد البدوي، رئيس الحزب إلا أنه استدرك قائلاً: "ولكن لابد من منافسة قوية وحقيقية علي رئاسة حزب بحجم الوفد له تاريخ كبير وعريق في الحياة السياسية المصرية". علي الجانب الآخر يقف الدكتور السيد البدوي منافساً قوياً لبدراوي صاحب العراقة التاريخية وعلي الرغم من عدم إعلانه الترشح إلا أن مصادر مقربة منه أكدت أنه ينوي الترشح لفترة رئاسة ثانية لكنه ينتظر لحين تحديد موعد الانتخابات بشكل نهائي. والفرق بين البدوي وبدراوي أن الأول اعتمد خلال فترة رئاسته للوفد علي استقطاب عدد كبير من أعضاء جمعيته العمومية من خلال شركاته وأعماله الخيرية بعد أن ضم عدداً منهم ليعملوا كموظفين في شركاته ومصانعه أو ساعد أحدهم بتوفير نفقات للعلاج أو السفر أو الزواج أو ماشابه ذلك بينما يعتمد بدراوي علي رصيد جده. وبالرغم من ذلك فإن حسم الأمر لصالح البدوي في حالة عدم استخدامه لسلاح المال في الانتخابات أمر ضعيف سواء كان منافسه بدراوي أو غيره فهناك حالة من الغضب الشديد علي البدوي من جانب عدد كبير من الشباب وصل إلي حد تشكيل حملة تمرد داخل الوفد ضده ونظمت الحملة عدداً من الوقفات الاحتجاجية بالإضافة إلي المؤتمرات الصحفية التي طالبوا خلالها بإقالة البدوي وبدراوي والهيئة العليا لحزب الوفد وانضم إليهم عدد من قيادات الهيئة العليا. وعلي صفحات موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" انتشرت حملات الهجوم والتشويه والرفض لرئيس الحزب الذي حابي في رأيهم مجموعة من أعضاء نظام مبارك وقبل عضويتهم في الحزب وترشحهم للانتخابات علي قوائمه وكان سبباً في تراجع شعبية الوفد بعد أن تحالف مع الإخوان قبل الثورة وخان جبهة الإنقاذ الوطني بعد أن ذهب لقصر الاتحادية والتقي الرئيس المعزول محمد مرسي علي الرغم من إعلان الجبهة مقاطعتها لنظام الإخوان وجلسات الحوار الوطني التي يجريها بالإضافة إلي فصله لعدد من شباب الحزب الذين اتخذوا مواقف معارضة منه. وزاد من صعوبة أجواء المعركة الانتخابية وسخونتها كذلك إعلان النائب الوفدي السابق طارق سباق عن نيته لخوض انتخابات الحزب علي مقعد الرئيس في مواجهة بدراوي والبدوي. وقال إنه يعكف الآن علي إعداد برنامج انتخابي قوي يمكنه من الانتصار علي منافسيه موضحاً أنه كان قد أعلن من قبل أنه لن يخوض الانتخابات حال ترشح البدوي لكنه قرر أن يخوضها حتي في حالة ترشحه لأنه آن الأوان أن يتولي جيل الوسط إدارة الحزب ولأن تمنح الفرصة لتصعيد الشباب. وأشار إلي أن قراره أتي بعد تواصل وطلب من المحافظات له بالترشح خاصة أنه حصل علي أعلي الأصوات في انتخابات الهيئة العليا للحزب الأخيرة. وفي واقع الأمر يتمتع سباق بشعبية داخل الأوساط الوفدية لا تقل عن شعبيته في دائرته بروض الفرج وشبرا التي عادة ما يحصد مقعدها أمام أي مرشح لكنه يحسب علي جيل الوسط الذي تحالف مع البدوي في الانتخابات السابقة وكان من ضمن المجموعة التي عاونته علي إدارة الحزب لكن حصوله علي منصب الرئيس مسألة يستبعدها الكثير من الوفديين. وفي سياق متصل يطل علي السطح رئيس الحزب السابق الدكتور محمود أباظة الذي يلتف حوله عدد كبير من أعضاء الوفد الذين آثروا الابتعاد عنه بعد حصول البدوي علي رئاسته ومن بينهم صلاح سليمان وسعيد عبدالحافظ ومنهم من قرر الاستمرار في الحزب علي استحياء كياسين تاج الدين وعصام شيحة. وبعد وعكة صحية مر بها أباظة اضطرته إلي السفر للخارج للعلاج ثم العودة بعد الشفاء عادت أحلام جيل الإصلاحيين مرة أخري وطالبوه بالعودة للحزب والترشح في الانتخابات المقبلة لأن الكثير من الوفديين يرون فيه البديل لتجربة البدوي التي يعتبرونها فاشلة بينما يصفون بدراوي بالمرشح الضعيف أمام أباظة علي الرغم من الجذور الوفدية إلا أن بدراوي استبعد تقدم محمود أباظة للترشح علي رئاسة الحزب نظراً لما عاناه الوفد من تراجع طيلة فترة رئاسته له الأمر الذي جعل الوفديين يلجأون للبدوي لإصلاح ما أفسده.