كان الأب الروحى ل "أردوغان" قبل أن ينقلب عليه بسبب فضائح الفساد يمتلك عدة مدارس دولية فى جميع أنحاء العالم وشبكات إعلامية ومراكز تجارية يستعد من خلالها للإطاحة بأردوغان أنصاره يسيطرون على مؤسسات الجيش والقضاء والشرطة وهم من كشفوا فضيحة أبناء الوزراء ساعد أردوغان فى السابق على تحجيم دور الجيش .. والآن يتوعده بعزله من منصبه فى القريب العاجل يبدو أن نهاية رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان قد اقتربت خصوصا بعد الحرب الشرسة التى تدور رحاها الآن بين حزب العدالة والتنمية الحاكم هناك والذى يرأسه أردوغان وبين حركة جولن التى تعود لمؤسسها فتح الله جولن أستاذ رئيس الوزراء التركى فى السابق والذى كان صديقه الحميم قبل أن يتحول إلى خصمه اللدود فى ظل الصراع السياسى بين الطرفين.. حركة جولن تستغل الفضائح السياسية الأخيرة لعدد من وزراء أردوغان وربما الحركة نفسها هى من تقف وراء كشف هذه الفضائح فى محاولة منها لوضع حد لنفوذ وفساد رئيس الوزراء التركى وهو مانجحت فيه بالفعل بعد خروج عشرات الآلاف فى الشوارع للمطالبة بضرورة رحيل أردوغان. وتضم حركة فتح الله جولن كبار رجال الشرطة والقضاء والجيش وتمتلك عددا كبيرا من وسائل الإعلام التي تشكل الرأي العام التركي وتملك كذلك تأثيرا هائلا على الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية هناك. وتعود الحركة الى مؤسسها وزعيمها الروحي محمد فتح الله جولن، وهو مفكر إسلامي وداعية تركي، ولد عام 1941 ونشأ في عائلة متدينة ودرس أصول الفقه والعقائد، ثم عمل واعظاً متجولاً في الأناضول يلقي المحاضرات العلمية والدينية وبدأ فى عام 1990 تأسيس حركته للحوار والتفاهم بين الأديان ووصلت الحركة إلى ذروتها في الاجتماع الذي تم عقده في الفاتيكان بين البابا وجولن مؤسس الحركة, التي نشأت دينية فى الأساس، وتمتلك مئات المدارس في تركيا وخارجها، بجانب عدة صحف ومجلات وتلفزيونات وشركات خاصة وأعمال تجارية ومؤسسات خيرية ومراكز ثقافية في عدد كبير من دول العالم. ومؤخرا قام رئيس الوزراء التركي بإغلاق عدد كبير من مدارسه على خلفية اتهامات متبادلة بين الزعيمين وصلت الى اقصاها بحيث أصبح صديقا الأمس أعداء اليوم، وفي أول تصريح له بعد غلق مدارسه قال جولن: إنهم يريدون غلق كل شيء حتى أبواب الجنة. وفد أدى قرار الحكومة التركية بإغلاق مراكزه التعليمية وغيرها لتفجير أزمة حادة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وجماعة كولن، وبدأت الجماعة تشن هجوما عاصفا ضد الحكومة عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية التي تملكها، فيما دافعت الحكومة عن قرارها بأن تلك المدارس نظام تعليم غير شرعي لايفيد إلا أولاد الأغنياء الأتراك. وتلقى حركة جولن ترحيبا كبيرا من الغرب، إذ تعتبر هي النموذج الذي ينبغي ان يحتذي به المسلمين بسبب انفتاحها على العالم، وما يميز مؤسسها هو أنه لا يفضل تطبيق الشريعة في تركيا، حيث يؤكد أن الغالبية العظمى من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس، بينما الاقلية منها تتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، وبالتالي فلا داعي لتطبيق احكام الشريعة في الشأن العام. كما يعتقد جولن أن الديمقراطية هي أفضل حل، ولهذا يكن عداء للأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي؛ ورغم اعتقاد الجميع بأن المفكر التركي الكبير نجم الدين أربكان هو أستاذ ومعلم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اروغان، إلا أن تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم تشير إلى ان جولن هو أستاذ اردوغان الحقيقي والمؤثر الأول في أفكار رجال الحزب وزعيمه. ويعتبر جولن أحد أشهر علماء الإسلام المصلحين، واحتل المرتبة الأولى في قائمة أهم مائة عالم في استطلاع مجلة "فورين بوليسي" عام 2008، كما أنشأت عدة جامعات في مختلف الدول الغربية والأسيوية أقساماً ومراكز علمية متخصصة تحمل اسمه. وقد بدأت متاعبه مع السلطات التركية في عام 1999 عندما تحدث في التلفزيون التركي، قائلا كلاما اعتبره البعض انتقادا ضمنيا لمؤسسات الدولة التركية، وبعد ذلك اعتذر جولن علانية عن تصريحاته، إلا أن بعض العلمانيين ظلوا متشككين في أهدافه، ووجهت له اتهامات بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية على حساب مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش. وبعد تلك الأزمة ظهر مقطع فيديو شهير له على اليوتيوب يقول فيه لعدد من أنصاره : إنه سيتحرك ببطء لتغيير طبيعة النظام التركي من نظام علماني إلى إسلامي، مما اثار موجه غضب في الجيش التركي وباقي المؤسسات العلمانية في البلاد، فبدأت المؤسسة العلمانية في تركيا تستشعر قلقا متزايدا منه ومؤسساته التعليمية، فأصدرت هيئة التعليم العالي قرارا يقضي بعدم الاعتراف بالشهادات العلمية التي تعطيها مدارسه، بعدها هاجر إلى الولاياتالمتحدة ليقيم هناك بزعم تلقى العلاج!. وبعد هجرته بقليل، بثت إحدى القنوات التركية خطبة مصوّرة سرية له يطالب فيها أنصاره بالعمل في صبر والتسلل إلى مؤسسات الدولة للاستيلاء على الحكم, بعدها قام المدعي العام بالمطالبة بسجنه عشر سنوات بتهمة تكوين منظمة تعمل على الإطاحة بالحكومة وبناء دولة تقوم على أسس ثيوقراطية. وقد وصف جولن تلك التسجيلات ب"المفتعلة"، وأنها حملة تشويهية, وفي 2008 تم تبرئته من التهم التي وجهت إليه. ويرى بعض النقاد من غير الأتراك أن حركة جولن أصبحت تشبه دولة داخل الدولة، وذلك لما تملك من شبكة ضخمة غير رسمية من المدارس والمراكز البحثية والشركات ووسائل الإعلام فى العالم أجمع ، كما أنشأ أتباعه نحو مئة مدرسة مستقلة في الولاياتالمتحدة وحدها، فضلا عن ذلك يسيطر أنصاره على الشرطة والقضاء والجهاز البيروقراطي للدولة، وقد وصل نفوذ الحركة داخل السلطة القضائية الى حد حصانة أعضائها؛ ففي إحدى المرات تم ضبط أحد ضباط الصف في قاعدة عسكرية وهو يضع بتكليف من حركة جولِن بعض المستندات لإحراج ضباط عسكريين، وسرعان ما وجد النائب العسكري الذي يحقق في هذه القضية نفسه في السجن باتهامات ملفقة، في حين أعيد الجاني إلى مركزه السابق. وفي قضية أخرى وُجِّهَت إلى أحد كبار قادة الشرطة، الذي كان معارضا للحركة، تهمة التعاون مع جماعات اليسار المتشدد رغم أنه أمضى حياته في ملاحقة أفرادها؛ وانتهى به الحال أيضاً فى السجن. ورغم العلاقات الوثيقة التي ربطت جولن بأردوغان في بداية حياتهما، والتأثير الكبير لأفكار الأول على عقل ومباديء الأخير وحزبه والدعم الكبير الذي كانت تقدمه الحركة لأردوغان، إلا أن العلاقات بينهما توترت بشدة في السنوات الأخيرة. فبمجرد إزاحة عدوهما المشترك (العلمانيين) عن الطريق، لم يعد رئيس الوزراء التركى في حاجه إلى الحركة، وجاءت لحظة الانهيار في العلاقات بينهما حين حاول أنصار جولِن إسقاط رئيس استخبارات أردوغان، وهو أحد المقربين له، فرد الأخير بإبعاد العديد من أنصار الحركة من مناصبهم في الشرطة والقضاء. لكن رغم تولى أردوغان لرئاسة الوزراء ونفوذه الهائل في أوساط الحكم هناك، إلا أن قدرته على مواجهة حركة جولِن تعد محدودة للغاية، فمؤخراً تم العثور على أجهزة تنصت في مكتب أردوغان نفسه زرعتها الشرطة التي تدين للحركة بالولاء، ومع هذا فإن رئيس الوزراء ورغم أسلوبه المتهور، رد بدبلوماسية هادئة على هذا الأمر، وربما يرجع ذلك الى علمه أن الحركة تملك كنوز دفينة من المعلومات الاستخباراتية المحرجة له ولحكومته. ودائما ما يعلن أنصار جولِن إنحيازهم لسيادة القانون وحقوق الإنسان وتهلل لهم وسائل الإعلام التابعة للحركة، كما تصور شخص فتح الله جولِن كمنارة للاعتدال والتسامح، في حين يروج موقعه باللغة التركية على الإنترنت لخطابه المعادي للسامية والغرب، ويبدو أن مثل هذا الحديث المزدوج أصبح بمثابة طبيعة لجولِن. واسم الحركة لوحده كفيلا بدق ناقوس الخطر بالنسبة لمؤيدي العلمانية في تركيا، فهذه الشبكة الغامضة تثير استياء صفوة رجال الحكومة، حتى إن بعضهم يعتبر أتباع جولن أكبر خطر يهدد تركيا منذ تأسيس الجمهورية؛ ويرى هؤلاء أن الحركة تريد إحياء الخلافة في الخفاء بوسائل التلقين السرية والمدارس والجامعات والإعلام. أما جولن فيرى في نفسه من يتحمل مسئولية بث روح جديدة في الإسلام مشبعة بالإيمان وحب الإنسان والحرية، وحتى وقت قريب لم يكن أحد يعرفه سوى الأتراك وبعض الخبراء في شئون الإسلام، إلى أن ظهور جولن على رأس إستفتاء مجلتي "بروسبكت" البريطانية و"فورين بوليسي" الأمريكية حول أهم 100 مفكر على مستوى العالم غير النظرة إليه. وفى الوقت الراهن يتعرض أردوغان لضغوط داخلية وخارجية، تمثلها حركة جولن التي استطاعت خلال سنوات طويلة الإستحواذ على الشارع الاسلامي التركي، ولا يتمكن اردوغان من مواجهتها، خصوصا أنها تقترب من التيار الصوفي التركي ومن البيئة العلوية، كما أنها نجحت مع الوقت فى تكوين رموزاً ونخباً لها في مختلف المؤسسات، فيما يقبع زعيمها بعيدا في امريكا. ورغم استطاعة أردوغان القفز فوق الأزمة السياسية والشعبية التي حدثت في الصيف الماضي والمعروفة بإعتصامات ميدان تقسيم، ونجاحه فى استعراض عضلاته من خلال حشد مؤيديه بالملايين في تظاهرات خرجت لتأييده بتنظيم كامل من حزبه، إلا أنه يجد نفسه الآن في مواجهة مع خصم يتمتع بنفس القدر من التنظيم والشعبية، وهو فتح الله جولن. ويمثل الصراع بين الرجلين تهديدا لطموحات أردوغان غير المعلنة في الترشح للرئاسة عام 2014، ففي الماضي وقفت الحركة إلى جانب التحالف الذي دعم أردوغان من أبناء الطبقة الوسطى والأوساط الدينية ورجال الأعمال، وساعد ذلك التحالف أردوغان في الفوز بالانتخابات العامة ثلاث مرات. كما ساعد أنصار جولن رئيس الوزراء التركي في تقليص سلطات قادة القوات المسلحة رعاة العلمانية، لكن خلال احتجاجات ساحة تقسيم بدأت الخلافات بين أردوغان والحركة في الظهور للعلن. فإتهم أنصار جولن, رئيس الوزراء التركي بممارسة سياسة استبدادية في حكمه، فقام أردوغان بإغلاق عدد من المدارس الخاصة التي تخضع في إدارتها للحركة ، وكانت هذه الخطوة بداية صراع صريح بين حلفاء رئيس الوزراء التركي وموالين ل "جولن" الذين ردوا بأن داهمت الشرطة التابعة لهم منازل رجال أعمال من بينهم تابعين لرئيس الوزراء. كما قامت الحركة بشن هجوم قضائي على أردوغان وحكومته، بعد قيام الأخيرة بإغلاق شبكة "درشان" التابعة لجولن والتي تعدّ أكبر استثماراته الاقتصادية والفكرية، وتأتي هذه الحرب بين الإسلاميين الأتراك في توقيت غير مناسب لأردوغان وحزبه، فقد تفجّرت قبل انطلاق الحملة الانتخابية للحزب لخوض الانتخابات البلدية فى مارس 2014، وربما كان سبب تفجر صراع الإسلاميين في تركيا هو قرار جولن بالتحول من الخدمة الدينية والاجتماعية إلى التنافس السياسي، وذلك بتسليط أعضاء حركته على منافسيهم في حزب أردوغان، خصوصا أن قضية شبكة الفساد التركية التي تم اكتشافها مؤخرا، قد أضعفت نظام رئيس الوزراء التركى وسلطت الضوء على الصراع الداخلي بالبلاد، وذكرت جريدة "لوموند" الفرنسية أن هذا الهجوم من جانب القضاء يأتي في إطار الصراع بين أنصار أردوغان وجولن، كما نقلت صحيفة "فان مينوت" عن أنجين ألتاي نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي أنه "يجب على رئيس الوزراء التركي أن يستقيل"، مشيرًا إلى أنهم يشهدون تصفية حسابات بين الاثنين. ويتوقع الكثيرون أن يصبح هذا الصراع أكثر خطورة خاصة بعد نجاح أردوغان في إطباق سلطته على الدولة التركية ومؤسساتها، وتحييد دور الجيش والمخابرات. وقد أشار رئيس الوزراء التركى إلى حركة جولن في تعليقه على فضيحة الفساد قائلا: أولئك الذين يستندون إلى دوائر الظلام والعصابات، لن يرسموا لتركيا مسارها، ومن يعتمدون على قوة رأس المال والإعلام لن يحددوا لتركيا طريقها.