البطالة.. الفقر.. الجهل .. وانعدام المرافق.. جميعها أسباب تدمر أى مجتمع وتجعل منه صيدا سهلا للتطرف والأفكار المتطرفة والهدامة التى لا تدفع أفراد المجتمع إلا في اتجاه العنف والقتل وإسالة المزيد من الدماء. هكذا هو الحال فى قرية برقاش التابعة لمركز منشأة القناطر بمحافظة الجيزة والتى يبلغ عدد سكانها 25 ألف نسمة يعانون من مشكلات معيشية عديدة خلفتها الأنظمة السابقة.. ورغم أن قصر الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل كائن بهذه القرية إلا أن ذلك لم يشفع لأهالي برقاش فى الخروج من ضيق العيش إلى براحه.. وربما كان هذا القصر بكل فخامته حائلا أمام زواره من كبار الضيوف لرؤية ما يعانيه الأهالي من صعوبات معيشية دفعت الجماعات المتطرفة إلى استغلالهم لخدمة بعض المصالح المشبوهة. تعانى "برقاش" من عدم وجود مدارس تتناسب مع عدد سكانها ، حيث لا يوجد أكثر من مدرسة واحدة ، بالإضافة إلى عدم وجود مستوصف طبى يخدم أهالى القرية الذين يضطرون للذهاب إلى مستشفى "نكلا العام" التى تبعد عن القرية حوالى 5 كيلو مترات. يقول سمير رمضان - عمدة "برقاش" - القرية تعد من اكبر القرى فى المنطقة حيث يبلغ عدد سكانها 25الف نسمة ورغم ذلك فهى تعانى من نقص الخدمات والمرافق.. لافتا إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع اهالى القرية والقرى المجاورة لان يكونوا صيدا سهلا للجماعات المتطرفة مثل الجهل الذي يصيب أكثر من 60 % من سكان القرية ، والذين دائما يتأثرون بكل من يتحدث باسم الدين. ويضيف.. مجتمع القرية بطبيعته متدين ويمثل أرضا خصبة لكل متطرف يريد أن يزرع أفكارا تخالف وسطية الدين التي نعرفها.. مشيرا إلى أن هذه الجماعات تسعى دائما للعنف المبرر باسم الدين. ويشير إلى أن السبب الثاني الذي يساهم فى استغلال أهالي القرية من قبل الجماعات المتطرفة هو "البطالة" التي يعانى منها كثير من شباب القرية.. موضحا أن الشباب من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة اتجهوا إلى الأعمال البسيطة التي لا تتناسب مع مؤهلاتهم ومن ثم يصابون بحالة من عدم الرضا وبالتالى يسهل انضمامهم إلى الجماعات المتطرفة والقيام بأعمال تخريب وعنف. ويتابع.. هناك سبب ثالث يدفع الجماعات المتطرفة لاستغلال أهالي القرية هو نقص الخدمات التي تعانى منها القرية وكل القرى المجاورة. وطالب عمدة "برقاش" الدولة والمسئولين ببحث سبل الاستثمار الاقتصادي في جميع قرى الجيزة حتى يكون هناك مورد رزق لأبناء هذه القرى ، مشددا على ضرورة عدم تكرار أخطاء الماضي التي وقعت فيه الأنظمة السابقة من إهمال هذه القرى وعدم الاهتمام بتوفير الخدمات بها. وتابع.. رغم أن "برقاش" وغيرها من القرى المجاورة بها كثيرين ينتمون للتيارات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان المسلمين إلا أنه فى نفس الوقت هناك العديد من الرافضون للنظام الاخوانى السابق ، مشيرا إلى أن وصف هذه القرى ب"التطرف" مثلما حدث فى "كرداسة" أمر خاطئ لأنه لا يمكن وصف جميع السكان بالإرهاب. وقال فطين رمضان - موجه فى التعليم الفني - .. قبل ثورة 25 يناير كان أبناء القرية ، يجمعون التبرعات ويقومون بتوزيعها على الفقراء والمساكين، وبعد الصعود السياسي للإخوان تولى أعضاء الجماعة مهمة مساعدة الفقراء والأرامل وبدأوا يلعبون بعقولهم باسم الدين مستغلين فقرهم واحتياجهم ، وفى فترة الانتخابات احضروا عربة محملة بالزيت والسكر وقاموا بتوزيعها على الأرامل والفقراء. وأوضح رمضان أن الإخوان ابتكروا طرقا أخرى لاستغلال سيدات القرية الفقيرات وخداعهن، حيث كانوا يقولون للمطلقات والأرامل أن محمد مرسى هو الذى خصص لهن معاش الضمان الإجتماعى وإذا سقط فإن الحكومة ستحصل ستسترد منهن المعاش مرة أخرى ، ولذلك فإن أغلب المسيرات المطالبة برجوع "مرسى" كانت تتقدمها السيدات والأطفال ولا يوجد غير أعداد بسيطة من الرجال. وأكد رمضان أن قلة الوعي هي السبب الرئيسي للتطرف، إضافة إلى خطباء المساجد الذين يصعدون المنابر ويلعبون بعقول البسطاء ، ويلقون عليهم الخطب المؤثرة ، خاصة فى ظل عدم وجود رقابة على المساجد من الأوقاف. وقال سعيد بدير من أهل القرية.. "برقاش" تعانى كثيرا من الجهل ونقص التعليم لان الحكومات الماضية لم تقدم للناس أى خدمات تعليمية ، لافتا أن الإخوان المسلمين لا يختلفون عن أعضاء الحزب الوطني في "الأونطة " واستغلال الناس. وأوضح بدير أن القرية بها كثير من أعضاء جماعة التبليغ والدعوة وهم أكثر الناس اعتدالا ولا علاقة لهم بالسياسة ، أما الإخوان والسلفيين فهم يقومون بدعوة الناس للتظاهر والمطالبة بعودة "مرسى" ويدفعون الناس لمعاداة الجيش والشرطة ووصفهم بعبارات "الكفر".. لافتا إلى أنه عندما اندلعت أحداث العنف بعد فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة لم يجرؤ احد على حرق الكنيسة بالقرية لأننا الأهالي وقفوا أمام أعضاء هذه الجماعات وأمام من أراد دخول "برقاش" من القرى المجاورة. ويضيف سلامة محمد سلامة رئيس الوحدة المحلية بقرية برقاش.. لم يكن هناك مجال لتدخل الإخوان فى عمل الوحدة المحلية ولم نعطهم الفرصة لذلك ، رغم محاولة البعض منهم لأننا كنا نعرف أهدافهم الحقيقية.. "برقاش" بها حوالى11 إخوانيا فقط ، وكانوا يشاركوننا فى توزيع أنابيب الغاز ولكن عندما علموا أنهم لن يستطيعوا تحقيق أهدافهم الخاصة بهم انصرفوا عن العمل الخدمى واتجهوا للسياسة. وقال محمد عبد الرحمن من أهل القرية "إحنا ملناش دعوة بعودة "مرسى" إحنا عايزين نعيش وخلاص والى يحكم يحكم.. حالنا واقف ولا نجد عمل من اجل إطعام أولادنا". فيلا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل التى تقع على مشارف "برقاش" لم تسلم من نيران المتطرفين الذين أضرموا النيران بالمكتبة الخاصة بالأستاذ والتى تضم 18 ألف كتاب ومخطوطة نادرة .. وكما يقول الحاج أمين محمد امين.. الإعلام هاجمنا واتهمنا بحرق فيلا "هيكل" ونحن لم نقم بذلك ، والذين قاموا بحرق وسرقة محتويات الفيلا عناصر تنتمى للإخوان المسلمين من القرى المجاورة لنا.. وتساءل أمين.. كيف نقوم بحرق فيلا "هيكل" ونحن تربطنا به علاقة جيدة.. كما أنه لم نرى منه تقصيرا فى خدمة أهالي القرية؟.. مشيرا إلى هيكل يأتي إلى دائما ويتعرف على مشكلاتهم وسبق له افتتاح "مستوصف برقاش الطبي" الذي ساهم فيه بحجرتين، إحداهما للجراحة والثانية لعلاج الأسنان، بتكلفة تجاوزت 200 ألف جنيه. وقال محمد عيد - من العاملين فى مزرعة "هيكل" -.. فوجئنا بأعداد كبيرة تقتحم الفيلا لتشعل فيها النيران ولم نستطيع تحديد هويتهم أو من من اى قرية هم قادمون.. مشيرا إلى أنه بعد اشتعال النيران فى المكتبة دخل الجميع المزرعة وقاموا بعمليات سرقة ونهب بعد لمحتويات الفيلا.