عرف الأنبا آرميا منذ أن توفي البابا شنودة بالحكمة والعمل في صمت ففي أول في أول تصريح له بعد وفاته، قال "نحن نعمل في صمت لاستكمال المسيرة"، لافتا إلى أن الحركة والعمل أبلغ بكثير من الدخول في صراعات بحكم الفراغ الكنسي وقتئذ. ولكن بعد ذلك بدأ الأنبا آرميا دخول حقل الألغام خلال فترة الرئيس المعزول محمد مرسي عبر زيارته لمكتب الإرشاد، وعلاقاته بالجماعة التي دفعت بعض الحركات القبطية إلى توصيفه ب"رجل الإخوان"، لكن الأسقف العام لم يهتم بهذا الوصف بقدر تركيزه في عمله بالمركز الثقافي القبطي، وكذلك اهتمامه بقناته "مار مرقس" الناطقة باسم الكنيسة. وقد وجهت حركات سياسية قبطية كثيرا من الاتهامات لآرميا منها انه يسيطر في الفترة الأخيرة على المقر البابوي، وقد قابل رئيس المركز الثقافي القبطي هذه الاتهامات بالتجاهل، عازمًا على إعداد سلسلة ندوات بعنوان "شارك في تعديل دستورك" الأمر الذى تسبب في تفجر الأزمة بينه وبين "بولا" ممثل الكنيسة بلجنة الخمسين. وقد قام عدد من الشباب القبطي بتنظيم مظاهرات أمام المقر البابوي اعتراض علي تصريحات آرميا، معتبرين هذه التصريحات رده إلى الدولة الدينية التي كان يريد الإخوان أن يقيمونها، وأكد الشباب أن هذا الأمر غير مقبول فى دستور مصر ما بعد ثورة 30 يونيو، موضحين أن ما يقوم به الأنبا آرميا نوع من المجاملة للشيخ ياسر البرهامى الذي هدد بحشد السلفيين للتصويت ب(لا) فى الاستفتاء على الدستور حال المساس بالمادة الثالثة. وقد تقدم الشباب بمذكرة تحمل شكوى رسمية ضد آرميا للسكرتارية البابوية، ومن المقرر أن يتم التحقيق فيها خلال الأيام القادمة. من جانبه وصف الدكتور ميشيل فهمي المحلل السياسي الأنبا أرميا أنه كان يمثل رأس حربة البابا شنودة الراحل وحلقة الوصل الدائمة بين الحكام والبطريرك ,لافتا إلي أن ذلك ظهر جليا بعد ثورة 25 يناير في تقارب عدد من الأساقفة للمجلس العسكري ومنهم الأنبا ارميا الذي لعب دور مهما في تواصل المجلس مع الكنيسة من ناحية وكان صديقا حميما لبعض قيادات جماعة الإخوان من ناحية أخري في الخفاء. وأضاف.. ظهرت هذه العلاقة الخفية بعد وصول جماعة الإخوان للحكم حيث قام ارميا بتنسيق عدد من اللقاءات بين قادة الإخوان والأنبا باخوميوس القائم بأعمال البابا واستمر ذلك الدور بعد تولي الأنبا تواضروس الكرسي البابوي وحضر عدد من قيادات الإخوان إلي الكاتدرائية لمناقشة بعض القضايا وكان في استقبالهم الأنبا ارميا. وقال فهمي.. هذه الأمور ساهمت بشكل مباشر في خلق حالة من النفور لدي بعض الأساقفة تجاه الانبا ارميا الذي كان يعزز مواقفه دائما الأنبا بيشوي في عهد البابا شنودة حيث كانا يهدفان من ذلك إلى وصول الأنبا بيشوي إلي كرسي البطريرك وكلها عوامل ساعدت علي تأجيج حالة النفور تجاههما وخاصة من قبل الأساقفة الرافضين لفكرة التقارب مع جماعة الإخوان خاصة بعد تأكد نفوذ وسيطرة "أرميا" في الضغط علي البابا شنودة لمقابلة محمد بديع مرشد جماعة الإخوان بالكاتدرائية قبل وفاته بأيام قليلة . وأوضح أن الأنبا آرميا كان يهدف من هذه الزيارة إلى الحصول علي صورة تجمع مرشد الإخوان والبابا معا لكي يتم بثها عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية لتنقل رؤية محددة مفادها أن الكنيسة والأقباط يؤيدون الإخوان إلى أن جاءت الطامة الكبري للأنبا ارميا والتي أثارت ردود فعل غاضبة ضده عندما تحدث في مركزه الثقافي القبطي المشكوك في هويته -علي حد قوله- حول الدستور ورفضه لتعديل المادة الثالثة رغم أن هناك ممثل رسمي للكنيسة داخل لجنة الدستور هو المسئول للحديث عن الدستور وهو الأنبا بولا الأمر الذي أدي إلي ظهور ما يمكن وصفه بعملية "ردح" علني بين الاثنين ,وكان ذلك بمثابة الفتيل الذي أشعل الخلافات القديمة وجعلها تطفو علي السطح من جديد. وتابع.. بدلا من الإيمان بروح الائتلاف اعتنق الأساقفة روح الاختلاف ودخلوا في صراعات تهدف للوصول للمركز المقرب دائما من متخذي القرار في الكنيسة وهو البابا. وحول دور البابا في حسم الخلافات والصراعات بين الأساقفة قال فهمي "أعتقد أن البابا الحالي لا يملك القدرة علي الفصل أو الحسم في تلك الخلافات,فعلي الرغم أن البابا تواضروس أعلن أكثر من مرة رفضه الدخول في السياسة إلا أن بعض الأمور والقضايا الوطنية تجذبه من وقت لأخر بحكم منصبه من القيام بهذا الأمر وهذا ما يضطره إليه بعض الأساقفة الآن من خلال تصريحاتهم التي تعبر عن مواقف سياسية. وأضاف.. البابا شنودة الراحل كان يختلف عن البابا الحالي بأنه كان ديكتاتوريا إلي حد ما الأمر الذي كان يساعده في السيطرة علي خلافات الأساقفة لعدم الكشف عنها في العلن.. مشيرا إلى أن قيادات الكنيسة الآن في وضع مرتبك وأن العلاج الأمثل لهذا الارتباك هو إعادة هؤلاء الأساقفة والآباء المختلفين إلي أديرتهم ليعودوا إلي أصولهم وجذورهم كرهبان عباد. وأشار فهمي إلي أن المستفيد الأول من هذا الخلاف هم الإخوان لأنهم بذلك سيخلقون نوعا من الانقسام والصراع بين الأقباط ,لافتا إلي أن الإخوان يتمتعون بمكر ودهاء سياسي وهذا من خلال محاولتهم العودة إلي الحياة السياسية عن طريق الأنبا ارميا صديقهم الحميم –علي حد وصفه- وذلك لكي يعيدون تقديمهم للمجتمع القبطي في مؤتمره الذي شارك فيه كمال الهلباوي. وفي نفس السياق أكد مينا ثابت الناشط السياسي أن الأنبا أرميا لديه تاريخ حافل من الخلافات والمشاكل مع قطاع كبير من الأقباط نتيجة لديكتاتوريته التي كان يمارسها داخل الكنيسة في عهد البابا شنودة. وقال.. الأنبا ارميا لديه مشكلة خاصة في أنه يسعي دائما لفرض رؤيته داخل الكنيسة وعلي الأقباط وذلك بحكم منصبه السابق كسكرتير شخصي للبابا شنودة وهذا ساعده علي فرض سطوته وتنامي نفوذه داخل الكاتدرائية خاصة في الأيام الأخيرة للبابا شنودة نظرا لسوء حالته الصحية وقتها. وأوضح أن الأمر زاد تعقيدا بعد أن دخلت لغة المصالح المشتركة بينه وبين عدد من قيادات تيار الإسلام السياسي ,لافتا إلي أن وجود الأنبا باخوميوس القائم بأعمال البابا الذي حاول في فترة عمله إصلاح بعض الأوضاع المتردية التي وصلت إليها الكنيسة في الفترة الأخيرة من حياة البابا شنودة ومنها تقييد دور الأنبا ارميا والحد من سطوته من خلال وضع أطر وقواعد لإرساء العملية المؤسسية داخل الكنيسة والتي حملها من بعده البابا تواضروس. واستطرد ثابت قائلا.. وبعد أن كان ارميا هو الآمر الناهي في الكنيسة خفت نجمه وضعفت سلطاته ,لكنه عاد من جديد وفرض نفسه علي الساحة من خلال إيجاد مكان له بالكاتدرائية وهو المركز الثقافي الذي استخدمه منبرا ليدلو بدلوه في عدد من القضايا المختلفة التي تشهدها الساحة وخاصة الأمور السياسية وذلك علي الرغم من قصر رؤيته السياسية والتي كانت سببا في وقوعه في أخطاء عدة. من جانبه رفض يوسف سيدهم عضو المجلس الملي الحديث بشان الخلاف بين الأنبا بولا والأنبا أرميا ,قائلا "أصحاب الجلابيب السوداء يغضبون من الانتقاد ولا أريد أن ادخل إلي حقل الألغام" وأوضح سيدهم أنه لا يفضل أن يكون طرفا في الفصل بين الأساقفة سواء كان مؤيدا لموقف شخص أو رافضا للشخص الآخر. وقال.. الأنبا ارميا عبر عن رأيه في مادة وهو حر في أن يتفق أو يختلف مع باقي الأساقفة أو أنه اتفق مع حزب النور في رأيه تجاه تلك المادة. وأضاف.. الدساتير تكتب علي الإطلاق والقوانين تضبط الممارسة لأن حزب النور الآن أصبح يعمل بسياسة الفزاعة والتفرقة بين فئات المجتمع مما خلق خلافا بين ممثل الكنيسة بلجنة الدستور والأنبا ارميا وكذلك في استمالة مؤسسة الأزهر لتبني موقفه في بعض المواد الخلافية.