مر ما يقرب من شهر علي استشهاد جنود الأمن المركزي في رفح، تلك الحادثة التي أدمت قلوب المصريين ألما علي وفاة 21 شابا من خيرة شباب المنوفية، وبالرغم من إلقاء أجهزة الأمن القبض علي عادل حبارة المتهم الرئيسي بقتلهم إلا أن الحزن والأسي مازال يسيطر علي أسر وأهالي الشهداء الذي فقدوا ما كان يمثل لهم الابن والأخ والصديق،"الموجز" حاولت التعرف علي مطالب أسر وأهالي الشهداء فذهبت إلي منازلهم.. والبداية كانت من مركز الباجور. مركز الباجور بداية جولتنا في مركز الباجور كان من خلال زيارتنا لقرية شبرا زنجي والتي يرتسم علي وجوه أبنائها الحزن والأسي حزنا علي شهيد القرية مصطفي السيد مصطفي الذي ودع الحياة دون أي ذنب اقترفته يداه ضحية الغدر والخيانة، أبرز ما لفت انتباهنا في القرية الصمت التام الذي يخيم علي كافة أرجائها، تترقب الأعين في صمت، وبعد رحلة قصيرة دلنا أحد أبناء القرية علي بيت الشهيد فقابلتا الحاجة فتحية محمد عبدالفتاح جدة الشهيد وشقيقه أشرف وزوجة عمه وبعد أن تعرفنا عليهم قالت جدة الشهيد "نفسي أشوف من قتل مصطفي عشان آكل كبده زي ما حرمنا من أغلي ما عندنا" وتابعت "أنا أملي كبير في السيسي ووزير الداخلية في أخذ حقنا" وعندما سألنا عن والد مصطفي ووالدته قال لنا شقيقه "أبي وأمي من الحزن علي الشهيد تركا القرية وأقاما علي أطرفها في منزل لنا ظنا منهم بأن الشهيد سوف يعود مرة تانية ومش قادرين لحد دلوقتي يصدقوا انه مات". تركنا أسرة الشهيد مصطفي وتوجهنا إلي قرية المقاطع محل ميلاد الشهيد ممدوح السيد حشاد والتي لم تختلف كثيرا عن قرية "شبرا زنجي" فالحزن والصمت أبرز ما يميزها والفقر والعشوائية عنوانا لها، وخلال جولتنا القصيرة إلي منزل الشهيد ترقبتنا أعين جيرانه تسائلنا أين حق من مات وأين الوعود التي وعدتم بها؟.. وبمجرد تحدثنا مع والدة الشهيد الحاجة عفاف محمد السيد سألتنا عن جدوي الحديث عبر الصحافة وحق ممدوح لم يأت حتي الآن" محملة دم ابنها في رقبة كل مسئول في مصر قائلة "إذا كانت الحكومة مش قادرة علي أخذ الثأر للشهداء فأنا سوف أحمل السلاح لأخذ الثأر من الإرهابيين بنفسي". حزن أهالي الشهيد ممدوح حشاد لم يكن أقل من حزن أهالي قرية بير شمس الذي ينتمي إليها الشهيد محمود زكريا الربيعي الذين طالبوا بضرورة القصاص من قاتل "محمود" بشكل سريع حتي يكون عبرة لكل من يقتل نفس دون ذنب، وشدد أهالي القرية علي أنهم يتابعون بدقة شديدة تصريحات وتحركات المسئولين في الحكومة في هذا الخصوص وإذا ما وجدوا تخاذلا أو تباطؤاً في الثأر لابنهم سوف يقتصون بأيديهم للشهيد من الجناة القتلة الإرهابيين. أشمون لم يكن في مخيلتنا ونحن في الطريق إلي مركز أشمون أن نجد صعوبة بالغة مثلما عانينا في الوصول إليه بعد رحلة استغرقت ما يقرب لساعة ونصف من القاهرة، فالطريق غير ممهد بالمرة ووسائل النقل بدائية.. مركز فقير جدا يعاني نقصا حادا في الخدمات.. والعشوائية تسيطر علي القري والكفور التابعة له. بداية جولتنا كانت من عزبة شماعة التابعة للوحدة المحلية لقرية ساقية أبو شعرة فبرغم من صعوبة الوصول إليها فإن الحالة التي وجدنا عليه أسرة الشهيد معوض حسن النساج ابن21 عاماً كانت أصعب بكثير، أب لا يقوي علي استقبالا حزنا علي ابنه وأخ لا يستطيع الترحيب بضيوفه ألما علي شقيقه، وبعد وقت طويل ومحاولات حثيثة مع والد الشهيد لإخراجه من حالة الحزن قال لنا "طلبنا الوحيد هو القصاص العادل ممن قتل ابني بشرط أن يكون إعدام الجناة في ميدان عام بالمنوفية أمام اسر الشهداء عشان نارهم تبرد وأمام الناس كلها عشان يكونوا عبرة لمن يعتبر" وتابع شقيق الشهيد "أخي متزوج منذ عامين وله ولدان وكان بيساعدنا دايما لما ينزل أجازة في زراعة الأرض لكن منهم لله حرمونا منه وهو في عز شبابه". وعن وعود الحكومة فيقول عم الشهيد "فعلا قامت الوحدة المحلية بإطلاق اسم الشهيد علي مدرسة الإيمان التابعة للقرية، كما تم تسمية عزبة شماعة باسم الشهيد وتم تركيب يافطة معدنية ويافطة مضيئة باسم الشهيد علي الشوارع والمدارس، وأكدت _الوحدة المحلية_لنا أن هناك مدرسة مستهدفة علي مساحة 1.4فدان سيطلق عليها اسم الشهيد أيضا تحتاج فقط إلي موافقة وزارة الزراعة علي مسألة تبوير الأرض، مطالبا بتعيين شقيق الشهيد وزوجته الحاصلين علي دبلوم صناعة مثلما وعدتهم الحكومة من قبل". تركنا الحزن في قرية شماعة لنجده من جديد في قرية سبك الاحد التي ينتمي لها الشيخ محمد سعيد رسلان الداعية الإسلامية المشهور، وأيضا ينتمي لها الشهيد إسماعيل محمد الطنطي الذي توجهنا إلي منزله لنجد الحزن مرسوما علي وجوه منطقته بالكامل، وعندما اطلعت أسرة الشهيد علي هويتنا الصحفية أكدوا لنا أن دم الشهيد لن يذهب هدرا مهما كان، وشكر والد الشهيد القوات المسلحة والشرطة علي مجهوداتهم في الوصول إلي الجاني بشكل سريع، مطالبا بتجنيده من جديد حتي يحصل علي حق ابنه والثأر ممن قتله. مؤكدا في الوقت نفسه علي أن ابنه لم يستسلم للجناة وحاول المقاومة إلا أنهم لم يرحموا قلة حيلته وصمموا علي قتله دون أي ذنب، مطالبا بسرعة اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة الإرهاب وكل من يدعمه من جماعات وحركات سياسية". وعن جهود المحافظة في تلبية مطالب أسر الشهداء قال" تم تسمية مدرسة سبك الأحد الثانوية باسم الشهيد وتم إطلاق اسم الشهيد علي الشوارع القريبة منا، كما تم الانتهاء من إجراءات الحج الخاصة بنا". أما والد الشهيد محمد علي فقال بصوت مكتوم " احنا ملناش طلبات غير القصاص في ميدان عام بالمنوفية هنا وقدام عنينا.. وأنا قلت أمام نائب المحافظ إما تجيبونا حقنا وإما تجندوني في الجيش أجيب حقه بايدي.. انا جبته وأنا عندي 34 سنة وشقته كانت جاهزة وكان خلاص هيتجوز بعد ما يخلص جيش" وتابع "الناس اللي بيقولوا أنهم تبع الدين وقتلوا ابني معندهمش قلب ولا ضمير ولا علاقة ليهم بالإسلام خالص.. منهم لله وحسبنا الله ونعم الوكيل". وعن مطالبه الشخصية فقال "ابني التاني حاصل علي دبلوم زراعة وعاوز وظيفة وقدمنا طلب بكدة للمحافظة بس محدش رد علينا ، وأنا عاوز أتنقل من شغلي في القاهرة إلي المنوفية لاني مش قادر علي السفر كل يوم إلي القاهرة بعد ما مات اللي كنت بجري عشانه"، وأثناء خروجنا من المنزل أوقفتنا والدة الشهيد قائلة والدموع تملئ عيونها " أنا أم الشهيد وعاوزه حق ابني أخده بأيدي عشان ناري تبرد". منوف خلال جولتنا بمركز منوف أصر نشأت جاد مدير العلاقات العامة بمجلس المدينة علي مرافقتنا لكي يقدم التسهيلات الكافية لنا خلال رحلتنا بقري الشهداء، والبداية كانت إلي منزل الشهيد عبدالناصر محمد صابر ابن عزبة الأهالي التابعة لقرية دبركي وبحديثنا مع والده قال " الشهيد أصغر إخوته دخل الخدمة العسكرية في ظل وجود شقيقه الأكبر رمضان والذي نطالب الآن المسئولين بإعفائه من الخدمة العسكرية" وتابع "لن تبرد نارنا إلا بالمحاكمات العلنية وتنفيذ العقوبة بأيدينا رميا بالرصاص علي الجناة "وطالب عم الشهيد بسرعة تنفيذ المسئولين في المحافظة كافة وعود الحكومة فيما يتعلق بتوفير مدرسة ومسجد بالعزبة التي تعاني فقرا شديدا إضافة إلي بعدها عن القرية الأم. قرية كفر بلمشط كان لها الشرف هي الأخري في أن يكون الشهيد سالم محمد سالم ابنا من أبنائها، وبالسؤال عن والد الشهيد وجدناه رجلا صبورا ملتحيا حزنا علي ابنه بالحديث معه قال "الشهيد كان رجلا يعتمد عليه ..منهم لله اللي قتلوه"وتابع "احنا مش عاوزين طلبات احنا ولدنا مات ودفناه ولو الحكومة مش هتقدر تجيب حقه تقول واحنا نتصرف". وتابع عم الشهيد "أخو الشهيد الكبير حاصل علي دبلوم صنايع وعاوزينه يتعين زي ما وعدت الحكومة"مضيفا" أهل الخير في البلد خصصوا أرضا لبناء مدرسة باسم الشهيد وفي انتظار انتهاء إجراءات الاعتماد من وزارة الزراعة". في قرية تتا تعرفنا علي قيمة الصبر والرضا بالقضاء والقدر من خلال استقبال والد الشهيد محمد احمد عبدالحميد لنا، فهو رجل ملتح.. يلبس جلبابا ابيض.. هادئ الطباع.. مؤمن بقضاء الله، خلال حديثه لنا تعلمنا منه كيف يكون الرضا بقضاء الله، حكي لنا يوم استشهاد ابنه فقال: "أول ما عرفنا أن جنود قتلوا في رفح جلسنا علي مدار اليوم أمام شاشات التلفزيون.. لان محمد كان مسافر قبلها بيوم وكنا خايفين يكون من بينهم، ومن القلق كلمت ناس في القوات المسلحة بعد إذاعة خبر الشهداء وقالي إن ابني مش فيهم فحمدت ربنا وتركت التلفزيون، لكن شقيقية الشهيد تعرفت علي أخوها من خلال التيشرت بتاعه بعد عرض صورة الشهداء وهما في الأرض" وتابع "لما رحت استلم ابني صممت علي اني أشوفه فلقيته مضروب بطلق ناري في رقبته". وأضاف والد الشهيد" اي دين ده اللي يخلي ناس زي دي تكتف شباب صغير زي اللي ماتوا وتضربهم بالرصاص، هي دي الشريعية اللي هما عاوزينها" مطالبا بضرورة القصاص قائلا" كل طلبنا أن يقتصوا لينا من (حبارة) ده.. ويوفروا الأمن للجنود خلال رحلة الذهاب والعودة من وإلي أماكن خدمتهم لأنهم بيكونوا عزل ومش معاهم حاجة يدافعوا بيها عن نفسهم عشان الموضوع دة ميتكررش تاني". الشهداء لم تختلف حالة قري مركز الشهداء عن باقي قري المحافظة فالفقر والمرض والجهل عنوان لها،وللوصول للمنازل شهداء المركز طلبنا مساعدة جمال زيدان مسئول العلاقات العامة بالمركز الذي لم يبخل بوقته وجهده في تقديم العون لنا، وانتقل بنا إلي قرية بشتامي التي ينتمي إليها الشهيد انس نصر سعد احد شهداء مذبحة رفح، قابلتنا والدة الشهيد سامية محمد احمد التي أدمت قلوبنا ببكائها علي ابنها، وعلي الرغم من محاولة جيرانها المستمرة لتهدئتها فإنها لم تتمالك نفسها من البكاء ولم تقو علي الحديث معنا. وتحدث لنا شقيق الشهيد مبروك قائلا" بصراحة احنا خايفين الحكومة تنسي قضية أخونا مع الوقت.. وسائل الإعلام والصحافة لم تطلب بالقصاص لمن ماتوا دون ذنب" وتابع "احنا طالبنا بتخليد أسماء شهداء مركز الشهداء سواء ببناء تمثال لكل شهيد أو بناء نصب تذكاري يخلد ذكراهم" وأضاف "القائم بأعمال المحافظ وعد بتوفير وظائف لأسر الشهداء ومفيش حاجة اتنفذت لغاية دلوقتي، وكمان احنا مش قادرين نحصل علي شهادة الوفاة بتاع اخويا من الدولة". تركنا قرية بشتامي وذهبنا إلي قرية سلامون بحري لنتحدث مع والد الشهيد عمرو شبل فرحات الذي خيم عليه الصمت والأسي علي ابنه، وعندما تحدثنا معه قال "مش عاوز حاجة غير حق ابني من اللي قتلوه اللي معندهمش دين ولا نخوة ..عشان يكونوا عبرة لأي قاتل بعد كدة "، مؤكدا أن الشهيد هو اصغر أبنائه وله شقيق آخر حاصل علي دبلوم تجارة سنة 2005 يريد أي وظيفة. انتقلنا بعدها إلي قرية كفر السوالمية لنلتقي بوالد الشهيد إبراهيم نصر البرلسي فوجدناه صابرا محتسبا ابنه من الشهداء، وبالحديث معه قال"حسبنا الله ونعم الوكيل في الظلمة الإرهابيين يقتلوا شباب لا ذنب لهم في اي شئ". وعن طلباته من الحكومة أكد أن وزارة الداخلية ترفض السماح لوالدة الشهيد بأداء فريضة الحج علي نفقة الدولة بداعي أنها قد أدتها من قبل، مطالبا باستثنائها من هذا الشرط لكي تخرج من حالة الحزن التي تعيشها علي ابنها، مضيفا " نفس الأمر تكرر مع شقيق الشهيد الحاصل عل بكالوريوس التجارة ..فالقائم بأعمال المحافظ لم يوافق علي الطلب المقدم منا بتعيينه بداعي أن القطاع الحكومي لا يوجد به وظائف خالية"، مطالبا في آخر حديثة معنا أن يتم توفير الاعتمادات المالية لإنشاء معهد أزهري يخدم القرية والقري المجاورة. إبراهيم عبداللطيف الشال هو آخر شهداء مركز الشهداء والمقيم بقرية كفر عشما، بسؤالنا علي منزل والدته وجدناه منزلا بسيطا جدا لا يوجد به من متاع الدنيا إلا القليل، قابلتنا والدته الحاجة وفاء محمود فرج بعيون تملؤها الدموع وبسؤالها قالت "ابني عبدالغفار واخد دبلوم وعاوز يتعين". شبين الكوم بداية جولتنا في مركز شبين الكوم كانت برفقة محمد العبد مدير العلاقات العامة بالمركز الذي ساعدنا كثيرا في التعرف علي قري الشهداء.. وصمم علي مرافقتنا إليها بنفسه بالرغم من تأخر الوقت، والبداية كانت من خلال قرية كفر طنبدي قرية الشهيد السيد صلاح عبداللطيف وبالتعرف علي والد الشهيد وجدناه شخصا بسيطا لا يملك من الحياة إلا منزلا بسيطا جدا، بالتحدث معه كان ظهر عليه علامات الارتباك والتخبط نظرا لحالة الحزن التي يعيشها، تحدثنا معه فقال لنا "منهم لله اللي موتوا ابني معندهمش رحمة ولا إيمان "وتابع" أنا ابني التاني يخدم في قوات أمن مطروح ومليش غيره وياريت وزير الداخلية يسهل إجراءات إعفائه من الخدمة وتعيينه"، حال أم الشهيد كان اشد قسوة من حال الأب فالحزن يظهر في عينيها وصمتها يعبر كثيرا عما بداخلها. انتقلنا بعدها إلي قرية شبرا خلفون لنتقابل مع أسرة الشهيد عفيفي سعيد عفيفي، لنجد الوالد يحتفظ بصورة ابنه الشهيد في جلبابه بشكل دائم وبالحديث معه قال" عفيفي كان أغلي أولادي.. كلمته في التلفون قبل وفاته بساعات عشان أطمن عليه واعرف إن كان عنده قلق ولا ضرب.. فخبا عليا"وتابع "احنا مش عاوزين حاجة من الحكومة غير يجيبولنا القاتل في المنوفية وكل واحد من اسر الناس الشهداء يقطع من جسمه لان إعدامه هيكون رحمه ليه وزي ما عذبنا لازم يتعذب"، التقط شقيق الشهيد الحديث من والده قائلا" احنا حاسين إن الحكومة خايفة من (حبارة) دة.. يعني أية يحبسوه 15 يوم بس لو مش قادرين عليه يسبوه لينا.. ولا بعد كدة يدخل ناس تهربه وتموت القضية".