المتمردون يزحمون «المدينةالمنورة»، والخليفة عثمان (رض) قد قتل ودفن بليل ،والمتمردون واتباعهم يحاولون تخفيف آثار الكارثة التى فعلوها فقرروا ألا يبرحوا المدينة حتى تتم مبايعة خليفة جديد، حتى لا يحملهم المسلمون مسئولية فراغ سلطة الأمة ويثورون عليهم كما فعلوا هم. فإذا أضفت إلى ذلك أن أصحاب النبى (ص) كان بعضهم قد وافاه الأجل، وبعضهم كان فى رحلة الحج فى مكة، وبعضهم خرج من المدينة معترضا على اقتحام الثوار لحرمة الخلافة، وبقى بالمدينة بعض الصحابة الذين اقسم عليهم عثمان ألا يحملوا سيفا للدفاع عنه. (2) والمتمردون لم يجتمعوا على رأى واحد، سوى اجتماعهم على قتل عثمان، فثوار المصريين يريدون على بن ابى طالب، وثوار الكوفة يحاولون تنصيب الزبير بن العوام، أما ثوار البصرة فهم يريدون طلحة، وحاول بعضهم مراجعة سعد بن ابى وقاص فى قرار اعتزاله الترشيح فرفض سعد، كذلك حاولوا مع عبدالله بن عمر فرفض، فها هم الثلة الباقية من المجلس الذى اسسه عمر وأقره عليه الصحابة، فالمجلس لم يستمر بعد إنجاز بيعة عثمان، وبالتالى لم يجدد ولم تتسع عضويته وكان المنتظر أن يستمر ويستقر وتتسع عضويته فيغنى الأمة عن كوارث كثيرة. فها هم المتمردون يعلنون فى ارجاء المدينة استعدادهم لقتل أعضاء الشورى إذا لم يجتمعوا على مبايعة واحد منهم فاتسع الخرق على الراتق وزادت الهموم فمن فوضى وازدحام المدينة ،الى مقتل الخليفة، إلى التهديد بقتل الباقين من الشورى.. فهل يساعد هذا المناخ على اختيار خليفة جديد جدير بأن تستقر به الأمور؟!. فإذا أضفنا إلى ذلك محاولة البعض اقامة القصاص على قتلة عثمان فكيف تقضى هذه الأمور؟ وكيف الخلاص من تعقيدات تشابكت فعميت على الناس؟ (3) فى هذه الظروف السيئة قبل على (رض) أن يتولى الخلافة راضيا بمناشدة أهل المدينة، وإلحاح المتمردين حرصا على استبقاء الكيان الجامع للأمة، فقام الباقون من كبار الصحابة الموجودين وهم قلة قليلة ومعهم أهل المدينة بمبايعة على (رض) فى حضور المتمردين وشهودهم للبيعة. وكل أمة تنشئ دولة وتنصب الحاكم لتعيش فى أمن وسلام فكيف يكون الحكم والخلافة سببا للخوف والحرب؟ ثم كيف تكون الخلافة اداة للحرب والقتل بعد تفسيخ المجتمع وتقسيمه وشقه أو تقطيعه وتمزيقه؟ فرغم أن عليا (رض) قد جاء بعد مقتل عثمان،وفى ظروف مضطربة إلا أنه (رض) قد بدأ ولايته بداية عجيبة فلا بحث عن مخرج سياسى آمن لإجلاء المتمردين عن المدينة ولا تأنى وتدبر فى إزالة أسباب فساد (ولاة عثمان) بل ها هو (رض) يرفض نصائح الاقربين وغيرهم ويصر إصرارا عجيبا على أولوية عزل تلك القيادات قبل أن يعترفوا بشرعيته ومع بالغ تقديرنا القلبى لشجاعة على (رض) إلا أن الشجاعة للحرب والقتال، أما الشئون الداخلية للأمة فهى بحاجة ماسة إلى الإعداد والتدبير وليس الشجاعة. (4) كانت بيعة على أول توابع الزلزال الذى حل بالأمة فانقلبت رأسا على عقب وجاء طلحة والزبير يعلنان أنهما قد اشترطا عليه إقامة الحدود وعلى ذلك فلابد من «القصاص فورا من قتلة عثمان»، وتلك المطالبة فى حينها ليست من الشرع بل من توابع الزلزال الذى قلب الأناة تعجلا، وجعل الرأى اندفاعا دون نظر إلى الواقع.. إذ كيف يمكن للضعيف إقامة الحد على القوى؟ فقال على لصاحبيه (يا إخوتاه،انى لست أجهل ما تقولون، ولكن كيف اصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، والتحقت بهم أعرابكم، وهم خلالنا يسوموننا ما يشاءون، فهل ترون قدرة على ما تريدون؟ فقالوا لا. فقتلة عثمان كثرة كثيرة لا تزال تسيطر على المدينة شاهرة سيوفها حتى أنهم أكرهوا طلحة والزبير نفسيهما على مبايعة على وأكرهوا عليا على قبول البيعة، فهل يمكن اعتبارها بيعة تامة وصحيحة؟! نقلا عن الشروق