إن العدل لايمكن أن يتحقق الا إذا توافرت الارادة السياسية لتحقيق العدل بين الناس.. فالقضاء إحدي سلطات الدولة التي تتأثر بالسلطتين الأخريين. إن أرادت السلطة التنفيذية تعطيل عمله استطاعت من خلال حجب الأدلة وأن أرادت أن تستخدمه في الانتقام من خصومها فتستطيع ان تصطنع الأدلة. ودليل ذلك أن المجلس العسكري كان صادق النية في أن تكون الانتخابات نزيهة فكانت نزيهة وشفافة الي حد كبير لكن لم تنعقد نية المجلس العسكري علي محاسبة الفترة السابقة علي الثورة وهكذا بفي جهاز الدولة الكامل عناصره علي النحو السابق. والمحاكمة الشفافة من شأنها أن تغير في هياكل الدولة وهذا أمر لم تتهيأ الارادة السياسية له بعد, ومن الواضح انها تركتها للمرحلة المقبلة. أما بشأن اعتراض الناس علي الحكم فهو اعتراض علي فلسفة المحاكمة نفسها, التي براءت جهاز الشرطة بأكمله من واقعة قتل المتظاهرين حفاظا علي هذا الجهاز من جانب المجلس العسكري وهذا نفسه هو ما حال بين المجلس العسكري واصدار تعديل قانون السلطة القضائية واتخاذ اجراءات بتعديلات جوهرية في جهاز القضاء أو في سائر الأجهزة البيروقراطية في الدولة فبقيت الدولة القديمة بجميع عناصرها تنتظر مرحلة قادمة وهذا ما آثار جماهير الناس. وبالنسبة لإجراءات المحاكمة كان القاضي يؤدي محاكمات مستوفية الشكل علي أرقي مستوي حتي جلسة النطق بالحكم. والبيان الذي أصدره في بداية حكمه هو خروج عن التقاليد القضائية لأن التقاليد القضائية تقضي أن ينطق القاضي بنص الحكم ويودع الأسباب دون أن يحول المنصة الي منبر للخطابة. ولكن لأمر ما خرج رئيس الدائرة عن الأصول وجاء ببيان غير موفق فيه سياسة وفيه شئ من الفخر والحديث عن الذات.. وهذا البيان من أوله لآخره خروج عن الأصول القضائية. وفي اعتقادي أن ممارسة العدل تقتضي اخلاصا وليس مجرد طقوس تؤدي. فإذا كان القاضي قد استشعر ان المحاكمة لن تحقق العدل فكان يتعين عليه أن يتنحي أو يوقف المحاكمة. ولاشك أن القاضي والنيابة العامة من قبله قد ثبت لهما بالدليل القاطع أن هناك قوة حالت دون تقديم الأدلة التي تكفل إدانة ضباط الشرطة وأن القضاء غير قادر علي الوصول للحقيقة لأن هناك يدا تمنع من الوصول الي الأدلة. وهنا كان عليه إما أن يتصدي للشخصيات التي حالت بينه وبين الحصول علي الأدلة ولو كلفه ذلك حياته كما حدث في قضية السرقات الكبري التي تمت في مديرية التحرير أيام الرئيس عبد الناصر وقيل يومها أن رئيس الدائرة المستشار كامل لطف الله. ألقي به من فوق السطوح لعدله.. وكذلك تم فصل المستشار الضبعني في قضية كمشيش بعد النطق بالحكم. وأيضا المستشار ان محمود عبد اللطيف وسعيد بشارة في قضية الوزير المفوض سوكة حيث حكما ببراءته فغضب عبد الناصر وأقالهما. وفي هذه القضية كان علي الدائرة ان تستدعي وزير الداخلية ورئيس الوزراء وتلزمهما بتقديم الأدلة أو توجه اليهم تهما مباشرة, مثل تضليل العدالة أو التستر علي الجناة ولا تمضي في قضية يحكم فيها علي هذا النحو. من هنا فالحكم لم يحز علي رضا عام ولم يرض عامة الناس لأن الأمة ظمأنة الي العدل وكانت تتطلع الي المحكمة. لكي تروي ظمأها والنفس الانسانية لاتستقر إلا اذا شعرت بالعدل لهذا نحن ندين محاكمة سقراط بعد2000 سنة من وفاته! وكذلك جان دارك التي حرقت ثم نصبت قديسة بعدها بمائة عام بحكم آخر! وأخيرا يجب ان يعاد النظر في صلة القضاء بأجهزة الدولة وأن تغير السلطة العليا في البلاد سواء مجلس عسكري أو رئيس قادم نيتها الي ضرورة المحاسبة عن أخطاءالماضي.