هذا حكم قضائي ليس نهائيا, بل هو درجة من أربع درجات, ففي النقض درجتان وفي الجنايات درجة أخري هذا حكم قضائي مليء بالعوار وفقا لرأي فقهاء القانون. لكنه غير مسيس علي الإطلاق وإذا كنت مصرا علي أن الحكم جاء بتعليمات, فمن الذي أصدر التعليمات؟ وما وجه الاستفادة منها؟ وإذا بحثنا عن المستفيد, فليس غير جماعة الإخوان, التي تحركت ولعبت فور النطق بالحكم, وجنت وحدها كل ثماره, إن كان له ثمار. ولا أعرف بلدا يريد دولة القانون يعترض علي أحكام القضاء بتكسير قاعات المحاكم وسب القضاة والتظاهر في الشوارع والميادين سوي مصر, رغم أن بارقة الأمل التي أشرقت مع الثورة كانت في الخلاص من دولة الظلم والدخول في دولة القانون. إذ لا يمكن أن تشيد دولة العدل إلا باحترام أحكام القضاء التي ستأتي علي هوي طائفة, وستثير غضب طائفة أخري, وهنا ينبغيأن يكون الاعتراض بالطرق التي كفلها القانون عن طريق اللجوء للدرجات الأعلي في المحاكم. كيف يكون الحكم مسيسا في ظل تبرئة الصغار وإدانة الكبار فالتاريخ سيذكر أن القضاء المصري حكم علي مبارك ووزيره بالمؤبد ولن يتوقف عند رمزي أو عدلي أو الشاعر, كيف يكون الحكم مسيسا مع صدور أقصي عقوبة علي رأس النظام السابق, وتبرئة عدة ضباط لا يملكون من أمرهم شيئا, كيف يكون مسيسا ورد فعله أضر المجلس الأعلي للقوات المسلحة؟ هل كان القاضي عاجزا عن أن يصدر أحكاما علي بقية المتهمين خوفا من رد فعل الشارع رغم أنه لا يملك دليلا يحكم به وهل كان القاضي طامعا في ذهب المعز وخائفا من سيفه مع أنه بلغ من العمر أرذله وقضي ما يزيد علي 40 عاما في المحاكم ويريد أن يختم حياته القضائية التي تنتهي مع نهاية الشهر الجاري بطريقة مشرفة! كثيرون وجدوا في الحكم ضالتهم, وكثيرون رأوا أن الفرصة سانحة لتدمير البقية الباقية من مؤسسات الدولة, فوضع الوطن كله بعد النطق بالحكم تحت القصف الإعلامي المدمر والعنيف من الإعلام الحكومي إلي الخاص إلي الأجنبي, ولم تكن هناك قناة واحدة تقف علي الحياد وتنحاز إلي الوطن سوي قناة واحدة ابتعدت عن التجريح في القضاة. كانت الفضائيات بعد النطق بالحكم كجيوش تكن لمصر كل العداء فظلت تنفخ في الكير وتحرض الناس علي الخروج, وتبتعد كل البعد عن أن تشرح لهم أن هذا مجرد حكم قضائي سيذهب في النهاية إلي محكمة النقض والتي يمكنها ألا تعتد بأي شيء مما جاء في حكم الجنايات. المستشار أحمد رفعت أخطأ لأنه شحن الناس بخطبة حماسية لا تليق بقاضي, ولا تقال إلا لتشجيع الناس علي القتال في الحروب, وعندما جاءت الأحكام عكس الخطبة العصماء والتي تتنافي مع تقاليد القضاء ثار الناس. حيث ان هذه الخطبة تشي بأن القاضي كان منحازا ضد المتهمين بما لا يليق بمكانته, فالقاضي لا ينحاز إلا للقانون ولا يحكم إلا بالعدل ومن هنا جاء تحريم عمل القضاة بالسياسة, لأن فيها انحيازا والقضاء حياد تام. أخطأ القاضي حين لم يضع في اعتباره ما تمر به مصر من ظرف استثنائي كان يحتم عليه أن يمد أجل النطق بالحكم, أو أن يكون الأبرياء شركاء في جريمة الترك, بما أن القضية سيكون القول الفصل فيها لمحكمة النقض, وعن يقين لن تنتهي هذه القضية إلا في محكمة النقض في غضون عام أو اثنين. وختاما أسأل من سيستفيد من الاعتصامات والإضرابات سوي جماعة تريد كرسي الرئاسة وترغب قي تأجيل تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور حتي تتشكل بعد الانتخابات الرئاسية وتأتي علي الهوي؟ وإلي متي سنعترض علي الأحكام القضائية بعيدا عن الطرق الشرعية التي كفلها القانون الذي نريده سيدا علي الجميع, وهل يريد الناس أحكام قضائيا. وفقا لرغباتهم أو طموحاتهم, فمن الجنون أن نطالب القاضي بأن يحكم بحكم محدد سلفا, فدولة القانون لا تشيد إلا علي أكتاف القضاة ولا تستقيم إلا باحترام أحكامهم التي نملك حق الاعتراض عليها بطرق قانونية معروفة؟