الجلوس لسنوات طويلة على مقعد المسؤولية (أى مسؤولية وأى رئاسة وأى منصب) يؤدى إلى أمراض كثيرة وعلل خطيرة ومصائب كارثية، أخطرها الفساد والتبلد، وأقلها العجز عن النمو والتطور، وإدارة الأهلى تعانى وفقا للشواهد المنظورة والأحداث المتلاحقة من الخطر الثانى، وهو التبلد وعدم الإحساس وغياب الشعور بالمسؤولية والترهل والبطء فى اتخاذ القرار، والعجز عن قراءة المستقبل والقدرة على الاستفادة من أخطاء الماضى، مشكلات مركبة وأمراض مستعصية نتجت عنها مذبحة استاد بورسعيد التى راح ضحيتها 74 مشجعا زلزلوا العالم بأرواحهم البريئة وكسروا القلوب وأدمعوا عيون شعوب ليست من ديننا أو ملتنا، لكنها لم تحرك ساكنا فى إدارة الأهلى المتبلدة المتحجرة المتكلسة المتجمدة المتكبرة النائمة فى حضن الكراسى المصارعة على البقاء إلى أبد الآبدين، التى لم تشبع من دماء جماهيرها فراحت تلقى بفريقها بالكامل إلى التهلكة دون أن ترسل ولو ورقة تكتب فيها ضمانة لحماية البعثة فى مالى التى وقع فيها انقلاب عسكرى يوم 21 مارس الماضى وتبعته عملية سلب ونهب وتصارع قوى بين الرئيس المنزوع حامدو تورى وقوى التمرد، بينما قامت قبائل الطوارق باحتلال شمال مالى وأعلنت استقلالها والأوضاع حتى هذه اللحظة غير مستقرة على الإطلاق، خصوصا أن المتمردين لم يلقوا قبول الشعب الذى يتمسك بالشرعية المنتخبة، وفى ظل هذه الأجواء الملتهبة كان يمكن لأى شخص عادى قرأ خبرا عابرا عن الأوضاع فى مالى أن يتوقع ما حدث لبعثة الأهلى، حيث احتجازها فى الفندق دون أمان أو طعام والنوم المفزع على طلقات النيران فى الشوارع فى ظل الصراع المسلح بين ميليشيات الرئيس المنزوع والمتمردين للسيطرة على المطار المنفذ الوحيد لعودة البعثة، إلا أن إدارة الأهلى التى ضحت من قبل بجماهيرها ولم تسع لتوفير الضمانات الكافية لحمايتهم فى استاد بورسعيد تضحى الآن وبكل برود وجمود بالفريق بأكمله، ما هذا الاستهتار البشع والتسيب المفرط فى أرواح البشر؟ من أين جئتم بهذا التبلد؟ من نزع من قلوبكم المشاعر والأحاسيس حتى أصبحتم تتنفسون رائحة الموت مع الهواء ولا تشعرون باختلاف؟ من جاء له القلب ليتخذ القرار بسفر الفريق فى ظل الأوضاع الأمنية المنهارة فى مالى؟ ألم يقرأ فلاسفة مجلس إدارة الأهلى الذين صدعوا رؤوسنا بأحاديثهم التليفزيونية وحواراتهم الصحفية عن الأخطاء القانونية فى لائحة السنوات الثمانى، الأخبار المنشورة فى الصحف عما يحدث فى مالى؟ أم أن عيونهم لا تقرأ إلا ما يبقيهم فى مقاعدهم؟ لماذا لم يقتطع الكابتن حسن حمدى بعضا من وقته الثمين الذى يقضيه فى المناقشات والحوارات والصراعات من أجل إنشاء شركة الكرة ورابطة الأندية ليسأل مستشاريه عما يحدث فى مالى ويتخذ القرار الذى يحفظ أرواح اللاعبين والجهاز الفنى؟ لماذا دائما ينتظر عندما تقع المصيبة لنسمع من مقدمى البرامج وصحفى القصر الرئاسى عن جهوده واتصالاته وتليفوناته ورناته للمجلس العسكرى لإنقاذ الفريق وإرسال طائراته؟ فما حدث أول من أمس صورة كاربونية مما حدث بعد كارثة استاد بورسعيد، فبعد أن وقعت المذبحة اتصل السيد الرئيس حسن حمدى بالسيد المشير طنطاوى ليطلب منه إرسال طائراته لإجلاء الفريق ونقل قتلى مذبحة الاستاد، ونفس الأمر يتكرر بحذافيره، فبعد أن علق الفريق فى مالى وسط نيران المتمردين اتصل السيد الرئيس بالسيد المشير الذى أبدى تعاطفه واستجاب لأوامر فخامته، وإن كان أجَّل إرسال الطائرة لحين هدوء الأوضاع؟ ما هذا الهزل فى أرواح الناس؟ تصوروا فريق البن الإثيوبى رفض أن يحضر إلى مصر الهادئة المستقرة الآمنة التى لم تشهد نزاعا مسلحا على السلطة، وأقصى ما رأيناه خناقات بلطجية وسرقات حرامية يحدث عشرة أضعافها فى بلاد مستقرة سياسيا، وأن الاتحاد الإفريقى رفض حضور الفريق إلا بتعهد كتابى من السلطات المصرية، بينما نرسل نحن أبناءنا إلى الموت دون أن نحميهم ولو بورقة كابتن حسن حمدى، أرجوك كفاية دم، ارحل الآن.. الآن.. وليس غدا. نقلا عن جريدة التحرير .